* اللّجنة الثورية سعت إلى الصلح بين المصاليين والمركزيين حوار وتصوير: مصطفى مهدي المجاهد محند الشريف قاضي من بين صنّاع الثورة التحريرية، كان ضيفنا في هذه الوقفة، إلتقينا به في مؤسسة الولاية التاريخية الرّابعة فاستغلّينا الفرصة وحاورناه، وهو الذي إلتحق بالحركة الوطنية من فرنسا سنة 1952 قبل أن يعود إلى الوطن ويلتحق ب "كوموندو" علي خوجة الذي صار سي عزّ الدين على رأسه بعد استشهاد علي خوجة· ضيفنا مولود في السادس ديسمبر من سنة 1934 في قرية "تمغراس" بتيزي وزو، حدّثتنا بكلّ صراحة عن تلك الفترة وأزاح الغموض عن بعض الجوانب التاريخية· - "أخبار اليوم": نعلم سيّدي أنكم من أوائل روّاد الحركة الوطنية، والتي كان لكم أوّل اتّصال بها، ليس من الجزائر ولكن من فرنسا، فكيف كان ذلك؟ -- قبل ذلك سأعود بك إلى الوراء قليلا لأقول لك إنني قبل أن أعي ضرورة الانضمام إلى الحركة الوطنية وعيت حقيقة هذا الاستعمار الذي يجب محاربته، وأوّل اصطدام لي بهذا المُحتلّ كان منذ زمن كنت حينها صغيرا لم أبلغ السادسة من العمر، وكانت المرّة الأولى التي أرى فيها فرنسيين يدخلون إلى دشرتنا "تيمغراس" التابعة لعين الحمّام بتيزي وزو، في وقت كانت فيه الحرب العالمية الثانية على الأبواب وفرنسا كانت تُجنّد المُواطنين الذين كانوا قد أمضوا الخدمة الوطنية العسكرية، والذين لم يُلبّوا النّداء جاءوا لكي يأخذوهم قصرا أو ما يسمّى بالتجنيد الإجباري· - ألم تكن قد رأيت أمثال هؤلاء الجنود من قبل؟ -- لا، كانت المرّة الأولى أو على الأقلّ عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، تلك هي أوّل لقطة أتذكّرها عنهم· - بما أنّك كنت صغيرا، هل كنت تعلم بأنكم محتلّون؟ -- في الحقيقة لم أكن أستوعب تماما كلّ ذلك، لكن ما أعلمه هو أنني استغربت مثل الكثير من أهل دشرتنا، إستغربنا من شكلهم فقد كانوا طوال القامة وذوي بشرة حمراء· - ... ويمارسون الظلم كذلك··· -- أجل، لقد أخافوا الأهالي وأخذوا بعض الأشخاص مقيّدين· - الذين لم يرضخوا لنداء التجنيد··· -- ليس هؤلاء فحسب، بل حتى أسرهم، كانوا يريدون أن يضغطوا على الأشخاص الهاربين من التجنيد من خلال اعتقال أسر وأفراد من أسرهم، هناك من أخذوا زوجته وآخر ابنه وهكذا· - حسنا، بالنّسبة إليكم هل كنتم قد دخلتم إلى مدرسة أو كتّاب؟ -- بدأت الدراسة في المسجد وكنت في الرّابعة من العمر، وكنّا نكتب على اللّوحة، وعندما بلغت سنّ التاسعة جاء عمّي الذي كان تاجرا في "تاملوكة" ولاية أمّ البواقي حاليا، وأخذني لكي أدرس هناك وبقيت أتابع تعليمي الإبتدائي، ثمّ في سنة 1945 تأسّست أوّل مدرسة تابعة لجمعية العلماء المسلمين في تلك النّاحية فالتحقت بها، ثمّ التحقت بالمدرسة الفرنسية لسنتين وتوقّفت، ثمّ بدأت أنشط مع الكشّافة الإسلامية حيث يعلّموننا الأغاني والانضباط وغير ذلك· وفي أحد أيّام سنة 1945، أتى العساكر المشاة، إستراحوا قليلا ثمّ ذهبوا، وبعد يومين من ذلك جاءت الطائرات تحوم حول المكان، حتى أن إحداها دارت حول نفسها ثمّ إرتطمت بعمود الكهرباء فسقطت· - لِم جاءوا؟ -- لم نعلم حينها لِم، لكن بعد سنوات من الحادثة أدركنا أنهم كانوا قد جاءوا لكي يرفعوا من معنويات المُعمّرين الذين كانوا يسكنون هناك، وبعد ذلك وقع ما وقع في سطيف، فالمة وخرّاطة· وبعد ذلك بسنة تقريبا عدت إلى مسقط رأسي، وكانوا قد فتحوا في دشرتنا مدرسة فيها ثلاثة أقسام، تحضيري أوّل وتحضيري ثاني، إكمالي ومتوسط، كلّ ذلك في قاعة واحدة، أمّا أنا فدرست بها سنتين حتى وصلت إلى السنة الثالثة، ثمّ عدت إلى "تاملوكة" ثمّ ذهبت إلى سيدي بلعباس وواصلت دراسة القرآن وكنت أعمل أحيانا في المحلّ، بقيت هناك سنتين، ثمّ ذهبت إلى فرنسا في سبتمبر 1951 لكي أعمل، وبعد شهرين عملت في مصنع كباقي الجزائريين، وأرسل بعض الأموال للوالدة· - هل كنتم تعملون في النّشاط السياسي، خاصّة وأنه كان في فرنسا فرع لحزب الشعب المعترف به؟ -- لا، لم يكن لي نشاط حتى سنة 1952 مع ابن عمّي الذي كان مُنخرطا في الحركة الوطنية، وكان حزب الشعب قد تغيّر اسمه، وحتى الجريدة كانت في البداية جريدة الأمّة لحزب الشعب ثمّ صدرت جريدة الجزائر الحرّة، الأمّة كانت تصدر باللّغتين العربية والأجنبية، لكنها توقّفت بعدما وقع سنة 1945، فالحزب كان قد إنحلّ، فلم يكن لديهم الحقّ في إصدار جريدة، فجاءت مكانها جريدة الجزائر الحرّة سنة 1957 وكانت تدعّمها جريدة "المنار"· - نعود إليكم، كيف كان أوّل إتّصال لكم بالمناضلين؟ -- كان ذلك بعدما ذهب مصالي الحاج إلى المشرق لكي يحجّ ويزور البلدان العربية الموجودة هناك، ووصل حتى باكستان ثمّ عاد إلى الجزائر، وكان سيقوم بجولة في الأصنام، خرج فوقعت مشاداة بين المتظاهرين والعساكر وقتلوا مواطنا واعتقل مصالي في 23 ماي 1952، أمّا نحن فتظاهرنا في فرنسا لكي نطالب بإطلاق سراحه، وكان مسؤول النّاحية حينها ديدوش مراد رحمه اللّه، كانوا يلقبّونه بنور الدين أو شيء كهذا، هو من كان يقود تلك المظاهرات، أي أنه في الجزائر كان هناك إضراب وفي فرنسا قمنا بمظاهرات، ثمّ إشتبكنا مع الفرنسيين حتى أن أحدنا ومن شدّة الخوف والفزع ألقى بنفسه في الوادي وغرق، أمّا أنا فقُبض عليّ وأخذوني إلى السجن، وبعد عشرين يوما تمّت مُحاكمتي لكنني كنت قاصرا، ففي ذلك الوقت الوقت البلوغ كان في سنّ الواحد والعشرين وأنا لم أكن قد بلغت تلك السنّ بعد، وبعدها مباشرة إنخرطت مع الحزب، لكن ولأنّي كنت قاصرا ولم يكن لي الحقّ في الانخراط في أيّ حزب سياسي فقد بقيت أنشط في السرّ وكنّا نُوزّع جريدة الجزائر الحرّة· -- هل كانت توزّع الجزائر الحرّة في فرنسا؟ -- أجل كنّا نوزعها ونكتب على الجدران عبارات الدعاية، وبعد الأزمة الاقتصادية سنة 1953 سرّحونا من العمل فعُدت إلى الجزائر، بقيت أسابيع ثمّ عدت إلى فرنسا، وحدث بعدها أن انقسم الحزب بين مركزيين ومصاليين لكننا في فرنسا لم نسمع بالأمر مبكّرا ودخل الشكّ المناضلين، خاصّة بعد أن انتفضت تونس والمغرب وراحوا يتساءلون عمّا إذا كنّا سننتفض أم لا· - هل ديدوش مراد كان ما يزال مسؤولا عنكم في فرنسا؟ -- لا، كان قد خلفه طربوش، ثمّ وقع زلزال الأصنام فطلب منّا أن نجمع الأموال لمساعدة الضحايا، فجمعنا الأموال لكننا جمّدناها، خاصّة وأن اللّجنة الثورية للوحدة والعمل كانت قد بدأت تراسل مناضلينا، ما صنع الحيرة بين صفوفنا، ثمّ دخل طربوش السجن، وكنّا نطالب بأن يقام مؤتمر وطني يجمع بين الاثنين· - وماذا كانت إقتراحات اللّجنة الثورية للوحدة والعمل؟ -- أن يقام اجتماع يتّفق فيه الجميع على صيغة موحّدة، فالمصاليون والمركزيون كانوا متردّدين بخصوص العمل الثوري، فأقام المصاليون مؤتمرا لوحدهم في بلجيكا وطردوا المركزيين مثل مزغنة ومولاي مبراح وفيلالي مبارك وغيرهم، والمركزيين من جهتهم أقاموا مؤتمرا لوحدهم وطردوا المصاليين، أمّا نحن فاتّخذنا الحياد، وأنا شخصيا عدت إلى الجزائر ثمّ أُخذت إلى الخدمة الوطنية، تدرّبت في قسنطينة في البداية، في سطح منصورة، ثمّ أرسلوني إلى "سور الغزلان" سنة 1956 وبقيت مدّة قبل أن أنتقل إلى سيدي عيسى، وهناك إتّفقت مع آخر على الهروب والخروج، لكن عندما عدنا إلى ديارنا إتّصلنا بالمُجاهدين، ثمّ هربنا من الخدمة الوطنية ومشينا إلى أن وصلنا إلى نواحي جواب ببني سليمان· في البداية التقينا بسيدي لخضر ومقراني السعيد، والذي كان رئيس كتيبة وبقينا معه، وعندما هربنا أخذنا معنا سلاحنا وذهبنا إلى الكتيبة لكننا كنّا مراقبين، أوّل عمل عسكري قمنا به وكنت جنديا كان أواخر سبتمبر 1956 في بني سليمان أو لعمارية، كمنا للعدو وكان العساكر خارجين في مهمّة يبحثون عن الأشخاص ليجنّدوهم، وفي هذه العملية أخذنا قطعتين من السلاح، أمّا العملية التالية التي وقعت فكانت مهمّة كثيرا، لم أكن في الكوموندو بعد، هي عملية أمّ الزبير في بلدية ميهوب مغراوة، كان كمينا آخر، في 22 أكتوبر، وفرنسا كانت قد اعتدت على طائرة تحمل بن بلّة وجماعته كانوا قادمين من المغرب باتجاه تونس، فرنسا أوقعتها في الجزائر ليلة الثاني والعشرين سبتمبر فقبضوا على بن بلّة وجماعته، كانوا قد عادوا من مؤتمر الصومام وكانوا مجتمعين، من سي محمد بوفرة وسي الصادق أو دهيليس سليمان وعبد الرحمن لعلا، وكذلك عزّ الدين الذي كان قد هرب من سجن تابلاط في قضية عمارة رشيد، كان يعالج فهرب هو ومجموعة· أمّا نحن فبعد الاجتماع كان علينا أن نُسكت فرنسا بعملية ما، فنصبنا كمينا في مكان أمّ الزوبيا، غير بعيد عن تابلاط وعين بسّام، كانت وكأنها مُفترق الطرق، إنتظرناهم فمرّوا في الغد وكدنا نيأس لكننا هجمنا عليهم، هجوم دام ساعتين وتحصّلنا على 42 قطعة وقتلنا الكثير منهم، ونحن استشهد من بين صفوفنا جندي واحد، لكن فرنسا انتقمت من المدنيين بالطائرات في كلّ من وادي يسّر والزبربر وفي دشرة بني خلفون، أمّا العملية الثالثة فكانت في الحوضين بالقرب من تابلاط، حيث أن سي لخضر صار رئيس منطقة وأصبحنا مع سي مسعود، أمّا الشيخ محفوظ فتنقّل إلى الزبربر، بعد تلك المعركة إلتقينا بالكولونال اوعمران وعمر أوصديق أو السي الطيّب، عندما رأى ما فعلنا فرح، ثمّ قمنا بعملية بين جواب وجمعة أولاد سلطاني في مكان يسمّونه الآن بلدية السواقي أو وادي حلاّبة، والتي تقع على بضع كيلو مترات من جواب والسواقي، ثمّ عدنا والتقينا بأوعمران في بوكرام، وهي منطقة مناضلة كان علي خوجة قد استشهد في شهر أكتوبر 1956 عندما قبض على بن بلّة، وقمنا باجتماع في بوكرام في دار القائد محمد، أعدنا تنظيم الوحدات وكنت مع سي مسعود الشيخ· - إلتحقتم ب "كوموندو" علي خوجة بعد استشهاده··· -- لا، أجل السي علي خوجة اشتبك مع بلونيس فاستشهد في تلك المعركة، لكن "الكوموندو" بقي يحمل نفس الاسم لأننا صرنا نُسمّي "الكوموندو" على اسم الشهداء، وحتى عزّ الدين عندما جاء على رأس "الكوموندو" لم يُغيره وحافظنا على ذاكرته· - ما هي أوّل عملية لكم مع "الكوموندو" علي خوجة بعد أن أصبح سي عزّ الدين على رأسه؟ -- كانت العملية الأولى ضد "الكوموندو" الأسود (كوموندو نوار)، وهو "كوموندو" مشكّل من شباب فرنسيين قدّموا نداءهم بإنجاز الخدمة الوطنية· - لِم فعلوا؟ -- نتيجة لما وقع في ساكامودي وفي الأخضرية في مزارع المعمّرين، وكان علي خوجة قد كمن في الأخضرية لسدّ من العساكر الفرنسيين، وجريدة "باري ماتش" كتبت مقالا بعنوان "فرنسا تُجرح في باليسترو" أو الأخضرية حاليا، إلاّ أن فرنسا انتقمت في الأخضرية، أي أن "كوموندو الأسود" جاءوا من فرنسا خصّيصا بسبب هذه الأحداث والعمليات، خاصّة وأن علي خوجة كان قد إنتقم للمدنيين· - لكنكم اشتبكتم مع هذا "الكوموندو"··· -- أجل مرّتين، الأولى في ساكامودي وكانت العملية مع عزّ الدين، ثمّ ثانية في السبايس، وبعدها وفي نهاية 1957 ألقوا القبض عليّ حتى وقف إطلاق النّار· - ما هي السجون التي وضعت فيها؟ -- أدخلت إلى سجن عسكري بباب الوادي وسركاجي فالحرّاش ثمّ سجن لومباز· - كم عدد المعارك التي شاركت فيها؟ -- خلال الثورة شاركت في 13 معركة· - هل من كلمة أخيرة لقرّاء "أخبار اليوم"؟ -- أشكركم على هذا الاهتمام بالتاريخ، وأقول إن ثورتنا كانت معجزة بحقّ·