بقلم: موسى شتيوي* كشفت أزمة كورونا عن مدى الوهن الذي أصاب الولاياتالمتحدة ليس بسبب عدم كفاءة نظامها الصحي وإنما أيضا بسبب إدارة الأزمة التي جاءت مرتبكة ومترددة مما ساهم بتصدرها لعدد الإصابات في العالم حيث أصبحت تستحوذ على أكثر من خُمس الإصابات في فترة زمنية قصيرة جدا.
في هذه الظروف لا يستطيع المراقب إلا أن يجري المقاربة مع الصين حيث كانت بداية انتشار كورونا وكيف تعاملت مع الأزمة واستطاعت السيطرة على الوباء بسرعة قياسية وبدأت الحياة تعود تدريجيا لمختلف مناحي الحياة وأهمها الاقتصادية. هذه المقارنة قادت البعض للاستنتاج بأن الولاياتالمتحدة سوف تخسر قيادة العالم بعد هذه الأزمة وأن الدفة في قيادة العالم سوف تتحول شرقا وتحديدا للصين. هذه التحولات الكبيرة لا تحدث فجأة وإنما هي نتيجة تحولات طويله الأمد في النظام العالمي. الولاياتالمتحدة تصدرت الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت تساهم بأكثر من 50 من الاقتصاد العالمي وكانت الصين في تلك الفترة دولة متخلفة اقتصاديا تعاني من الفقر والبطالة وعلى الصعيد السياسي تقاسمت أمريكا والمعسكر الغربي قيادة العالم مع الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي في ظل الحرب الباردة. ولكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي والنظام الاشتراكي تربعت أمريكا على رأس النظام العالمي بدون مُنازع حيث اعتقد البعض كفوكوياما أن ذلك يشكل نهاية التاريخ وانتصارا للمعسكر الرأسمالي والديمقراطية الغربية. وفي غياب النظام المنافس حدث تحول كبير في النظام الرأسمالي حيث سيطرت عليه الليبرالية الاقتصادية الجشعة والذي جاء على حساب أنظمة الرعاية الاجتماعية والصحية في أمريكا والغرب الرأسمالي عموما والأهم من ذلك هو التوسع في الإنفاق العسكري ومحاولة احتكار السيطرة السياسية والاقتصادية على العالم في نظام أحادي القطبية. في خضم هذه التحولات كان الاقتصاد الصيني يشهد نموا وتوسعا اقتصاديا غير مسبوق على النمط الرأسمالي ولكن بإدارة سياسية مركزية وإدارة اقتصادية مرنة ولكن بإدارة الدولة الإستراتيجية وليس الجزئية مع انفتاح شديد على الشركات العالمية الأمريكية والأوروبية حيث استطاع الاقتصاد الصيني وخلال فترة زمنية محدودة أن يحجز المقعد الثاني في ترتيب الاقتصاد العالمي تاركا خلفه اليابان وألمانيا. إذا صعود الصين اقتصاديا بالرغم من أنه مثير للإعجاب لكنه ليس مفاجئا ولقد عرفه المحللون الإستراتيجيون الأمريكيون بأنه التهديد رقم واحد للولايات المتحدة وقد حاول ترامب منذ استلامه لرئاسة الولاياتالمتحدة أن يكبح جماح الاقتصاد الصيني ويخفف من تأثيره عليه بالعقوبات الاقتصادية دون فائدة. السؤال إذا هل تتربع الصين على قمة النظام العالمي بعد أزمة كورونا؟ على المستوى الاقتصادي من المتوقع أن يكون الاقتصاد الصيني رقم واحد في العام 2030 تليه الهند وليس الولاياتالمتحدة وهي القوة الثالثة التي يجب أن تؤخذ بالحسبان عند الحديث عن النظام العالمي. ولكن هل تترجم قيادة الصين العالم اقتصاديا إلى قيادة سياسية كما هي الآن بالنسبة للولايات المتحدة؟ هذه لن تكون سهلة وتلقائية لعدة أسباب من أهمها أن زعامة أمريكا للعالم ليست اقتصادية فقط وإنما كانت سياسية وعسكرية وثقافية أيضا. العناصر الثلاثة غير الاقتصادية تحتاج لوقت أطول لتحقيقها وسوف تواجه الصين صعوبات في ذلك سواء كانت مرتبطة بطبيعة النظام السياسي الصيني أو الأبعاد المرتبطة باللغة والثقافة ونمط المعيشة الأمريكي الذي يشكل إغراء لنسبة كبيرة من شعوب العالم. العامل الثاني هو أن الولاياتالمتحدة لن تسلم قيادتها للعالم بسهولة وأمامها خياران فإما أن تبدأ بالتفاوض ليس مع الصين فقط وإنما مع بعض القوى الأخرى كروسيا والهند والبرازيل وغيرها من الدول الصاعدة اقتصاديا وسياسيا وذلك بشأن الوصول لعالم متعدد الأقطاب أو أن تحاول استخدام القوة السياسية والعسكرية لمنع الصين من التربع على قمة العالم اقتصاديا وسياسيا وهذا قد يقود إلى حروب بالوكالة أو حرب عالمية ثالثة. أزمة كورونا لن تكون السبب في التحولات المرتقبة على النظام العالمي ولكنها قد تكون لحظة فارقة في هذه التحولات. صعود الصين كأكبر وأهم اقتصاد عالمي بات محسوما ولكن قيادة الصين للعالم سياسيا وعسكريا لن تكون بدون مخاض عسير سوف يستمر لفترة ليست بسيطة.