في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء السادس والعشرون- بقلم: الطيب بن إبراهيم *رئيس الإرسالية بين الإجحاد والتشهير بأمهات قادة المقاومة اذا حل المستعمر الغريب بالمنطقة فعليه الاخذ بتاريخها فلا غنى له عن ذلك لذا كان الاستعمار يجند اذرعه المختصة في تقديم الدعم في هذا المجال متمثلة في كتائب المستشرقين والمنصرين فمعرفة تاريخ المنطقة يعتبر وسيلة مهمة تسهل عملية التعامل مع السكان انطلاقا من ماضيهم ومن خلفيتهم التاريخية ومنطقة الأبيض سيدي الشيخ ثرية بتاريخها الجهادي وتراثها الصوفي فقصدها عشرات المنصرين والمستشرقين لدراسة تاريخها ومن بين هؤلاء المستشرقين الاب روني فوايوم رئيس إرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض الذي كان يجيد العربية قراءة وكتابة. كانت أولوية الأب روني فوايوم هي دراسة حياة وشخصية صوفي المدينة سيدي الشيخ فقرا قصيدته الصوفية الياقوتة وقرأ مناقب سيدي الشيخ التي كتبها احمد السكوني وفي نفس الوقت اهتم بتاريخ مقاومة أولاد سيدي الشيخ واهم قادتها وتناول الموضوع التاريخي تناولا غير موضوعي لا يخلو من الغمز واللمز والاخفاء والتشهير خاصة في حق نساء امهات قادة مقاومة اولاد سيدي الشيخ وهنا نضرب مثلا بسيدتين من امهات قادة مقاومة اولاد سيدي الشيخ. اولاهما هي السيدة رقية بنت الحرمة ام قادة المقاومة الشهداء: سليمان بن حمزة واخويه محمد واحمد والثانية هي السيدة مبروكة بنت يعيش ام اخيهم غير الشقيق قدور بن حمزة. فالأولى السيدة رقية بنت الحرمة التي قُتِل ابنها البكر بوبكر مسموما بتاريخ 23 جويلية سنة 1862 وهذا بعد اقل من سنة من موت زوجها السي حمزة الذي قتل هو الاخر مسموما في سجنه بمدينة الجزائر بتاريخ 21 أوت سنة1861 وبتاريخ 8 افريل سنة 1864 استشهد في المعركة ابنها سليمان بن حمزة قائد مقاومة اولاد سيدي الشيخ بعد ان قَتَل العقيد الكسندر بوبراتر وأباد قواته وهو الذي قال فيه مفدي زكريا: سليمان حمزة إلى يمينا فبرّ وأصلى المغير الوبالا سلوا بُوبْرِيتْ العقيد المسجّى وحمزة يغرس فيه النبالا وفي شهر فبراير سنة 1865 استشهد ابنها الثالث محمد بن حمزة قائد المقاومة ليخلفه ابنها الرابع احمد بن حمزة كأصغر قائد للمقاومة الجزائرية ليستشهد هو الاخر مسموما في شهر اكتوبر سنة 1868 ولم تُبْق من ابنائها أحدا ولو كان لخنساء الجزائر ابن خامس لفعلت معه مثلما فعلت مع بقية شهدائها. كانت بعد سقوط كل شهيد تحضر بنفسها لتسمع من ممثلي القبائل قسم الولاء والاخذ بالثأر وتنصب ابنها الاخر قائدا للمقاومة. انها المرأة الحديدية التي وقفت وراء ثورة 1864 والتي لم تستسلم بعد استشهاد أبنائها والتحقت بأخيهم غير الشقيق قدور بن حمزة لتقف إلى جانبه وتشدّ أزره في مواصلة المقاومة. لم تكن اخبار السيدة رقية بنت الحرمة خافية على احد فأُعْجِب بها الجزائريون وقال فيها الشعراء قولا جميلا وسخط عنها الفرنسيون من رجال الاحتلال الفرنسي وضباطه الذين كانوا يتابعون اخبارها وتحركاتها ويكتبون حولها التقارير وقالوا عنها قولا ثقيلا فعندما يتعرض الضابط الفرنسي لويس رين وهو أكثر من كتب على مقاومة أولاد سيدي الشيخ مع زميله العقيد تروملي عندما يتعرض للحديث عن السي سليمان بن حمزة قائد مقاومةسنة1864 يقول عنه: كان يَتَّبِع نصائح وتوجيهات أمه المتحمسة كزوجة لزعيم زاوية والحالمة بانتصار تاريخي بزعامة ابنها على المسيحيين. وفي مكان آخر ودائما أثناء حديثه عن البطل السي سليمان بن حمزة يقول عنه أنه خريج مدرسة تعصب والدته التي أبقته بعيدا عن أي شيء من شأنه أن يقربه أو يحببه لفرنسا وكوّنت لديه الرغبة في التصوف والطموح والكبرياء وهي الخصائص التي كونت بالفعل شخصيته .وهنا نذكر ان التعصب الحقيقي هو كره هذا الضابط للسيدة رقية بنت الحرمة لحد اتهامها بالمشاركة في قتل زوجها!. وبعد أكثر من ثلاثين سنة من ثورة سنة1864 وعندما كان مدير مكتب شؤون الأهالي لدى الحاكم العام يكتب في كتابه Documents pour server à l étude du Nord-Ouestafricain.. سنة 1895 لم ينسى رقية بنت الحرمة ولم يكُفّ عن تتبع أخبارها ومكان تواجدها ويعترف آنذاك أنها تعيش مع زعيم المقاومة السي قدور بن حمزة في أقصى الصحراء. فالسيدة رقية بنت الحرمة عرفها القاصي والداني وبلغت اخبارها وشهرتها افاق الجزائر بداية من الضباط الميدانيين إلى غاية مكتب الحاكم العام وتغنى بها وبابنها احمد شاعر المقاومة محمد بالخير قائلا : في شَاوْ زْماني ضْناتْ رقية لَيَّاشْ ڨالت امرة تولد ستر الله ما جابت السُنِّية نَفْتخر بسلامته وْنَحْمَد هذه السيدة العظيمة تجاهلها رئيس الإرسالية روني فوايوم وهو المقيم بمدينتها الابيض سيدي الشيخ والأوْلى به ان ينصفها أكثر من غيره فهو مقيم في مدينتها وبين اهلها وسمع من السكان ومن اقاربها بخصالها ومواقفها ضد الاحتلال وقرأ أشعار مدحها ومع ذلك لم يذكرها بالاسم في كل ما كتبه عن المقاومة ولم يتعرض لها في كتاباته إلا مرة واحدة بالإشارة فقط دون ذكرها بالاسم وكأنه لا يطيق ذكر اسمها. أشار لها بمناسبة اصابة ابنها السي محمد وأداء القسم أمامها للأخذ بالثأر من قبل ممثلي القبائل الموالية للمقاومة وكأنه يرىفيها ما قاله عنها مواطنه الضابط لويس رين : انها متعصبة...ومتحمسة للانتصار على المسيحيين... ولو كان في عصرنا لأتهمها بالإرهاب ؟!!. اما السيدة مباركة بنت يعيش ام قائد المقاومة الجزائرية السي قدور بن حمزة كانت امرة عادية ليس لها ما يميزها او تشتهر به باستثناء كونها أما لقائد المقاومة إلا ان كونها زنجية سوداء البشرة فتح ذلك شهية رئيس الارسالية للتوقف عندها والكتابة عن اسمها ولونها ومكانتها قائلا: ولد السي قدور بن حمزة سنة 1853 من الأَمَةِ الزنجية مباركة بنت يعيش وان لونها ونسبها هما اللذان منعا ابنها قدور بن حمزة من زعامة الزاوية بعد وفاة اخيه حسب وصفه ... si kaddour-ben-hamza; né en 1853 de la négresse esclave m barka-bent-laich... إن عنصرية رئيس الارسالية تجعله لا يتغاضى عن صفة سواد البشرة في حديثه عن اي شخصية دون الاشارة للونها فعندما يتحدث عن الامام الذي جاء من وهران للأبيض ليقف في وجه رجال الارسالية قال لا اتذكر اسمه وعندما تحدث عن الامام السي احمد لم ينسى اسمه والاشارة لبشرته السوداء انه يكرر نظرته العنصرية قصد التشهير بالسيدة مباركة باسمها وبلونها وبمكانتها وهي الصفات التي منعت ابنها من زعامة الزاوية حسب وصفه عكس سابقتها رقية بنت الحرمة ام شهداء قادة المقاومة التي تجاهل القس المقيم بمدينتها تجاهل مكانتها ونسبها وخصالها تماما. وهنا يطرح السؤال ما الذي دفع قس الإرسالية إلى الاجحاد والتجاهل في حق خنساء الجزائر رقية بنت الحرمة وما الذي دفعه لافتعال الحديث عن الأم السوداء ؟؟! .