لا شكّ أنّ البحر يعتبر عند البعض متعة لا تضاهيها متعة، فما إن يقترب الصيف وترتفع درجة الحرارة، حتى تجدهم يحزمون أمتعتهم نحو الشواطئ الكثيرة التي تتمتع بها بلادنا. لكن ليس كل هواة البحر ومياهه وحرارة شواطئه ورماله، يستطيعون التنقل إليه، خاصّة مع ما تعرفه أغلب الشواطئ من مظاهر مخلة بالحياء لا تشجع الأشخاص المحتشمين على ارتياده، وحتى المرأة المحافظة لا يمكنها أن تتخلى عن حشمتها وحيائها على الشاطئ فتتعرى لتسبح، كما أنه لا يمكنها السباحة بالحجاب الذي يقيد حركاتها. لكن مع هذا، وفي السنوات القليلة الأخيرة، ظهر لباس بحر ترتديه المرأة، لا يمنعها من السباحة، ولا يجعلها تتخلى عن حشمتها، هو لباس يسمى »البوركيني«، يغطي كامل جسد المرأة، ويتصل بخمار يغطي رأسها كذلك، إلاّ أنّ شكله وخفته، جعلته عمليا للسباحة، كما أن القماش المصنوع منه، أي من مادة »البوليستار« يمنع الأشعة »ألما« فوق البنفسجية من اختراق البشرة، أي أنه مناسب كذلك من الناحية العلمية. اللباس اخترعته قبل سنوات مواطنة لبنانية مقيمة باستراليا، وهي عادية مسعود والتي فكرت في حل لارتياد النساء للبحر، دون أن يجعلهن ذلك يظهرن مفاتنهن، ويُحدثن بالتالي الفتن، وقد تمكنت من صنع هذا اللباس الذي يعتبر الحل الأمثل خاصّة إذا ما عُمم على البلدان الإسلامية. وقبل أن ينتشر هذا اللباس في البلدان العربية والإسلامية، انتشر في البلدان الغربية وفي الشواطئ الأوروبية، وهو ما سبب بعض المتاعب للواتي ارتدينه، خاصة في البلدان التي تكن الحقد والضغينة للإسلام والمسلمين، والتي منعت الحجاب في الأماكن العمومية، فكيف لا تحارب مثل هذا اللباس المحتشم إن دخل شواطئها، خاصة وأنها أمم لا علاقة لها لا بالحياء ولا بالحشمة. أما في الجزائر فرغم أن اللباس ظهر من حوالي سنتين، إلا أن الإقبال عليه لا يزال محتشما، رغم أنّ الكثير من الفتيات وجدنه مناسبا ومريحا ويسمح لهنّ بالتالي على الحفاظ على احتشامهن والاستمتاع في نفس الوقت بمياه الشاطئ، وقد اقتربنا من نادية والتي تبيع ملابس نسوية في شارع العربي بن مهيدي، فقالت لنا إنّ اللباس يلقى إقبالا من طرف الفتيات المحتشِمات، وحتى من عند الرجال الذين يقدمون إليها لاكتشاف هذا الزي، وفيما إذا كان مناسبا لبناتهن وزوجاتهن فيجدونه محترما ومناسبا، ويقتنون منه، أو يعودون في فترة أخرى مرفقين بنسائهم لشرائه، لكنّ التشهير باللباس، تقول لنا نادية، هو ما منع تعميمه على كل الشواطئ، فالمظاهر الغريبة عن مجتمعنا والتي نراها اليوم في شواطئنا، هي من جعلت العادي ليس عاديا، وصارت الفتيات اللائي يسبحن بحجابهن أو بهذا الرداء المبتكر يتعرضن إلى المضايقات. وتقول فوزية والتي كانت في المحل أعجبها الرداء وقررت شراءه في وقت لاحق، لأنه لباس مميز، ويبدو من القماش المصنوع منه أنه خفيف على الجسم، وهو ما شجعها على تجريبه، كما تقول لنا إنّ مثل هذه الاجتهادات مطلوبة في العالم الإسلامي، حيث أنها تجعلنا نواكب العصر دون أن نجد حرجا في تطبيق ديننا واحترامه، ونمنح بالتالي الحجة لأعدائنا من الفرنسيين الحمقى وغيرهم للادعاء بأنّ الإسلام ليس دين علم وحضارة، فالعيب فينا وليس في دينا، والدين الإسلامي ارتفع بالمسلمين في عصور كان فيها الغرب لا يعرفون معنى النظافة. أمّا سها، وهي زبونة أخرى لنفس المحل، فرغم أنها أعجبت هي الأخرى باللباس، إلاّ أنها عابت على المجتمع الجزائري أنه لم يقم بما يمكنه أن يزيح الحرج على المحجبات والشبان على السواء، ليس بابتكار لباس خاص بل بتقسيم الشاطئ إلى مساحة خاصّة بالذكور وأخرى بالإناث، ليس في الشاطئ فقط، بل في كل الأماكن العمومية، والتي من الممكن أن تسبب حرجا للمرأة المسلمة المحترمة. ومراد، رب بيت، وأب لثلاث بنات، قال لنا إنه يبحث منذ زمن عن مثل هذه الفرص التي تجعله يسمح لبناته وزوجته بالسباحة، دون أن تتخلى أو يتخلى عن حرمته وكرامته، وهاهو قد وجد الحل، إلاّ أنه مع ذلك لم يخف علينا استياءه مما يحدث على الشواطئ من مظاهر ومناظر غريبة وفاضحة، تجعل حتى مجرد التفكير في ارتياد البحر يعتبر كبيرة من الكبائر.