أولاً: حِكم وأسرار تربوية: - تحقيق معنى التقوى: قال الله تعالى: ((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [سورة البقرة: 183]. إنّ الصيام وصلة إلى التُّقى لأنه يكف الإنسان عن كثيرٍ مما تَطْمع إليه النفس من المعاصي ولأنّ الصوم وصلة إلى التقوى بما فيه من قهر النفس، وكسر الشهوات. وقال ابن كثير:"الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان". وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). - الصوم يحفظ الجوارح عن الوقوع في الحرام: قال ابن القيم:"من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم؛ فإن تكلم لم يتكلم بما يُجرِّح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً". وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)). وفيه دليل أنَّ حكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور، كما يمسك عن الطعام والشراب، وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقص صيامه وتعرض لسخط ربِّه، وترك قبوله منه". قال جابر بن عبد الله: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواءً". وعن أبي ذر قال: (إذا صمت فتحفظ ما استطعت). - الصيام يربي في النفس حقيقة الإخلاص لله عز وجل: قال ابن القيم: "والصيام لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإنّ الصائم لا يفعل شيئاً، وإنّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سرُّ بين العبد وربه، لا يطَّلعُ عليه سواه، والعباد قد يطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه تَرَك طعامه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بشرٌ، وذلك حقيقة الصوم". وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله: كُلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصِّيام فإنه لي وأنا أَجْزِي بِهِ)). فالصيام وجميع الأعمال لله، لكن لما كانت الأعمال الظاهرة يُشْرِكُ فيها الشيطان بالرياء وغيره، وكان الصيام لا يطلع عليه أحد إلا الله، فيثيبه عليه على قدر خلوصه لوجهه، جاز أن يضيفه تعالى إلى نفسه. والصوم سر بين العبد وبين ربه لا يَظْهَر إلاَّ له؛ فلذلك صار مختصاً به". - الصيام والصبر: قال ابن رجب: "الصيام من الصبر، والصبر ثلاثة أنواع، وتجتمع الثلاثة في الصوم، فإنّ فيه صبراً على طاعة الله، وصبراً عمَّا حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبراً على ما يحصُلُ للصائم فيه من ألم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن، قال الله تعالى: ((إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)) [سورة الزمر:10]". قال ابن عيينة: "الصوم هو الصبر، يُصَبِّرُ الإنسان نفسه عن المطعم والمشرب والمنكح، ثم قرأ: ((إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ))". - في الصيام تضييق لمجاري الشيطان: قال ابن رجب: "إنّ الصيام يضيق مجاري الدم، التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم؛ فإنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر ثورة الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوم وجاءً، لقطعه عن شهوة النكاح". - الصيام يدعو الإنسان لشكر النعم: قال الشيخ عبد العزيز السلمان: "الصوم يدعو إلى شكر نعمة الله، إذ هو كفُّ النفس عن الطعام والشراب ومباشرة النساء، ولا يعرف الإنسان قدر هذه النِّعم إلا بعد فقدها، فيبعثه ذلك على القيام بشكرها، وإلى هذا أشار جل وعلا بقوله: ((وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) [سورة البقرة: 185]". - الصيام يثير في النفس مراقبة الله عز وجل والخوف منه: يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "الصيام موكول إلى نفس الصائم لا رقيب عليه فيه إلا الله، وهذه المراقبة تكسب الإنسان الحياء منه سبحانه أن يراه حيث نهاه، وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله والاستغراق في تعظيمه وتقديسه ما يجلب الخوف منه عز وجل، إن صاحب هذه المراقبة لايسترسل في المعاصي، إذ لا يطول أمد غفلته عن الله تعالى، وإذا نسي وألم بشيء منها يكون سريع التذكر قريب الفيء والرجوع بالتوبة إلى الله سبحانه: ((إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) [سورة الأعراف:201]". - الصيام وخلق الكرم والعطف على الفقراء: قال ابن رجب: "سئل بعض السلف لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع". وقال الشيخ محمد رشيد رضا: "إن الصائم عندما يجوع يتذكر من لا يجد قوتاً فيحمله التذكر على الرأفة والرحمة الداعيتين إلى البذل والصدقة، وقد وصف الله تعالى نبيه بأنه رؤوف رحيم، ويرتضي لعباده المؤمنين ما ارتضاه لنبيه، ولذلك أمرهم بالتأسي به". فعن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل. - في الصيام تتجلى وحدة المسلمين، وتعرف الأُمَّةُ أهمية الوقت :يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "الصيام يُعَلِّمُ الأُمَّة النظام في المعيشة، فجميع المسلمين يفطرون في وقت واحد لا يتقدم أحدٌ على آخر دقيقة واحدة، وقلما يتأخر عنه دقيقة واحدة". * الصوم يحفظ الجوارح عن الوقوع في الحرام: قال ابن القيم:"من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم؛ فإن تكلم لم يتكلم بما يُجرِّح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً". وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)). الأستاذ نصر الدين خالف إمام وخطيب مسجد عرفات. بن عكنون