شهد رمضان في هذه السنة وعلى خلاف السنوات الأخرى سهرات طويلة والتي باتت تستمر حتى وجه الفجر في كامل الأحياء العاصمية بحيث يحن الكل إلى نسمات الليل العليلة بعد يوم شاق وطويل من الصيام، وصارت الحياة تدب في كامل شوارع العاصمة في الفترة الليلية من خلال السهرات الرمضانية لاسيما في المقاطعات الشعبية التي عرفت أجواء رائعة ونشاطات متنوعة يعقدها الشبان هنا وهناك بالأحياء والمقاطعات السكنية، أضف إلى ذلك صلاة التراويح التي أضفت جوا روحانيا وإيمانيا بهيجا على مختلف الأحياء، وصارت العاصمة التي كانت تنام حوالي الساعة السابعة صباحا لا يغمض لها جفن حتى الساعات الأولى من الصباح الباكر. وعرفت اغلب النواحي حيوية ونشاط غير معهودين تفاعل معهما الجميع جسدتهما تلك المحلات التي فتحت أبوابها للجمهور بأضوائها المتلألئة التي تشع من بعيد، أضف إلى ذلك النشاطات الثقافية التي عرفت تنوعا وإثراء لإحياء ليالي رمضان، لاسيما وانه اقترن بموسم الحر وموسم العطل التي عجلها البعض وأخرها البعض الآخر إلى ما بعد رمضان. وكانت لسهراته نكهة خاصة في شهر أوت وتميزت بطولها وما زاد من رونقها هو الانتشار الواسع للمثلجات بكافة أنواعها والتي عرفت اقبالا منقطع النظير من طرف المتجولين لإطفاء نار عطشهم وظمأهم الذي استمر لساعات طوال. انتقلنا إلى بعض شوارع العاصمة على غرار ساحة أول ماي، بلكور العتيق، باب الوادي، المدنية، المرادية، باش جراح، ديدوش مراد فوجدنا أن الوضع واحد ميزه الاكتظاظ والتنقل المكثفين سيما مع اقتراب مناسبة العيد وشروع الأولياء في كسوة الأبناء، وتوافدهم الكبير على المحلات التجارية المختصة في ترويج الملابس والتي فتحت أبوابها خلال السهرات الرمضانية لساعات متأخرة وعرفت اقبالا من طرف الزبائن. اقتربنا من بعض المواطنين بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة ووقفنا على تنقلاتهم المكثفة خلال السهرات الرمضانية من اجل التنزه والترويح عن النفس واستعادة النشاط لاستقبال يوم موال من الصيام، فقالت السيدة وردة التي التقيناها بأحد المطاعم هي وأبناءَها وهي تهم بحجز المثلجات التي تنوعت بذات المطعم، أنها تعكف على فترات القيام بتلك الجولات رفقة الأبناء والزوج خلال السهرات للاحتكاك بالأجواء الرمضانية عن قرب، تلك التي لا تضاهيها أجواء أخرى، بحيث تظهر عاصمة البلاد بأجوائها الحية وأنوارها المتلألئة، وتناديك تلك الأجواء على الخروج من المنزل من اجل السهر سيما القاطنين بتلك النواحي، إضافة إلى الوافدين من خارج العاصمة والذي يحلو لهم الاستمتاع بتلك الأجواء عن قرب. أما السيد بشير، وهو كهل وجدناه بمقهى البهجة بباب الوادي يرتشف قهوته على أنغام موسيقى الشعبي لتصله بين الفينة والأخرى نسمات شاطئ الكيتاني الذي لا يبعد كثيرا عن المقهى، فقال انه لا يستبدل تلك الجلسة بأي بديل أتيح له بحيث يفد إلى المكان مباشرة بعد صلاة التراويح ولا يبرحه إلا لوجه الفجر خاصة وانه بقي على تلك الحال لسنوات، ويحلو له الجلوس هناك في تلك المقهى الواقعة بمفترق الطرق من اجل الاستمتاع بالمناظر الخلابة المقابلة والتي تبعث بإطلالة رائعة على وجه العاصمة تسر عين الناظر إليها. وتمنى كل من تحدثنا إليهم باستمرار تلك الأجواء حتى بعض رمضان خاصة وأنهم يحنون إلى التجول والتنزه في أوقات الفراغ، ورأوا انه يعيب كثيرا على عاصمة البلاد نومها المبكر في كامل أشهر السنة لتستفيق من غفوتها تزامنا مع الشهر المعظم كي تخلق أجواء رائعة يحن الكل إلى استمرارها في كامل أشهر السنة.