في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الخامس والثلاثون بعد المائة بقلم: الطبيب بن ابراهيم *انتصار رئيس الإرسالية وهزيمة المحافظ الرسولي نحن هنا لا نَحصُر استقالة المحافظ الرسولي تحديدا بخلافه مع الأب روني فوايوم رئيس إرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض سيدي الشيخ ولا أن هذا الأخير هو الذي ضغط عليه ودفعه للاستقالة ولكننا نتحدث في سياق الخلاف الشديد الذي كان قائما بين الرجلين الكَنَسِيين قد تكون هناك عوامل أو ظروف تدخلت وكانت لصالح هذا الطرف أو ذاك سلبا أو إيجابا لكن في نهاية المطاف استقال المحافظ الرسولي الذي كان يقف بالمرصاد أمام رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم وطموحاته الجامحة والمثيرة للجدل فتحرر هذا الأخير بل حُظي بمحافظ جديد هو صديق حميم له. لم يكن فوايوم من النوع الذي تقتصر علاقته وتعامله على السُلَّم الإداري ومسئوليه المباشرين عليه بل تجاوزت ذلك إلى شبكة من العلاقات المقامة مع شخصيات دينية مختلفة الرتب والوظائف من أساقفة ورجال دين في الفاتيكانوفرنسا لهم نفوذهم وتأثيرهم الذي تجاوز تأثير المحافظ الرسولي ومع ذلك لا يمكن القول أن انتصار القس فوايوم كان انتصار حرب أو مواجهة مباشرة بين الرجلين رغم تعايشهما ما يقرب من ست سنوات منذ تأسيس الإرسالية في نهاية سنة 1933 إلى غاية استقالة المحافظ الرسولي سنة 1939. *حرب الاستقالات مع بداية سنة 1936 بلغ الخلاف بين المحافظ الرسولي غوستاف نوي واسقف إرسالية الأبيض سيدي الشيخ روني فوايوم ذروته وتكررت الصدامات بين الرجلين لدرجة فقدان الثقة بينهما مما دفع برئيس الإرسالية لتقديم استقالته واقترح اسم خليفة له على رأس الإرسالية هو الأب مارسال بوشي وهي الاستقالة التي وافق عليها المحافظ غوستاف نوي ورد عليها برسالة بتاريخ 31 مارس 1936 يُفْصِح فيها صراحة عن عدم ثقته في الأب فوايوم وعن موافقته لقبول استقالته واستخلافه بالأخ مارسيل بوشي وهذا قبل أن يتراجع المعني عن استقالته. ومع ذلك بقي الصراع بين الرجلين متواصلا ولم يتراجع أي طرف عن مواقفه مما اضطر رئيس الإرسالية فوايوم أن يقدم استقالته للمرة الثانية للمحافظ الرسولي بتاريخ 18 أكتوبر سنة 1939 ولتأكيد ذلك أتبعها برسالة أخرى بعد أربعة أيام يوم 22 أكتوبر من نفس الشهر وذلك كرد فعل على الضغوط التي كان يعاني منها من طرف المحافظ الرسولي شخصيا لكن هناك من كان يتعاطف مع رئيس الإرسالية ورفض استقالته ليس بإرساليته فقط بل من كبار القوم بفرنسا وطالبوه بالتراجع عنها خاصة الأسقف ريشوRichaud الذي هو صديق لرئيس الإرسالية وللعائلة وكان يتابع فوايوم منذ طفولته وظهور توجهاته الدينية فضغط عليه ومنعه من تقديم استقالته فتراجع الأب فوايوم عن استقالته للمرة الثانية. بعد سنة من تراجع رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم عن استقالته الثانية بقي الخلاف على حاله بينه وبين محافظه الرسولي غوستاف نوي وقد أصبح التواصل بينهما لا يطاق فكان لابد من ترك أحدهما المكان للآخر فاضطر المحافظ الرسولي أخيرا إلى تقديم استقالته لسلطة الفاتيكان سنة 1940 ولم يكن مترددا وكان قراره نهائيا ولم يتراجع عنه كما فعل الأب فوايوم قبله فتمت الموافقة على طلبه سنة 1941. لم يتخلص رئيس إرسالية الأبيض الأب فوايوم العنيد من المحافظ الرسولي غوستاف نوي فقط بل تحقق له ما لم يكن في الحسبان وتم تعيين محافظ رسولي جديد هو الأسقف: جورج مرسيي 1902 - 1991 Georges Mercier وهو صديق حميم لرئيس الإرسالية الأب روني فوايوم وكان من النتائج الأولى لتلك العلاقة إبعاد المحافظ الرسولي الجديد جورج مارسيي لمنافس القس فوايوم الأب مارسال بوشي الذي كان مقربا من المحافظ السابق والذي سبق أن عُيِّن خليفة لرئيس إرسالية الأبيض فوايوم بعد أن قدم استقالته قبل أن يتراجع عنها. ومن أهم قرارات المحافظ الرسولي الجديد لصالح صديقه الأب روني فوايوم أنه أعاد له الاعتبار وأعاده إلى إرساليته بمدينة الأبيض سيدي الشيخ وانهى إبعاده خارج مدينة الأبيض الذي تعرض له من طرف المحافظ السابق. بعد ذلك تُرجمت علاقة الودِّ والتوافق بين المحافظ الجديد الأسقف جورج مارسيي والأب روني فوايوم من خلال عشرات الرسائل المتبادلة بينهما وعشرات اللقاءات والزيارات في كلا الاتجاهين وبعد أربعة أشهر من تعيينه محافظا رسوليا زار الأسقف مارسي الأبيض سيدي الشيخ يوم الأربعاء 29 أكتوبر سنة 1941 وبقي أسبوعا كاملا في ضيافة صديقه فوايوم قبل أن يغادر الأبيض يوم الأربعاء 5 نوفمبر. لتتواصل الزيارات بين الرجلين وكان أهمها زيارة المحافظ جورج مارسي للأبيض سيدي الشيخ يوم 3 جانفي سنة 1943 ألحقها بزيارة أخرى للأبيض في السنة الموالية بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1944 وبقي في ضيافة صديقه بالأبيض مدة 12 يوما استقبلا خلالها معا الأخت مادلين أوتان التي كانت في زيارة للأبيض وخلاصة القول أن علاقة الأب فوايوم مع المحافظ الجديد أصبحت أقوى وأوثق مما كانت عليه مع المحافظ السابق غوستاف نوي.