في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ - الجزء السادس والتسعون- بقلم: الطيب بن إبراهيم عندما تقرر فتح كنيسة القديس يوسف بالمنيعة في شهر مارس سنة 1938 تكريما لشارل دي فوكو الذي دفن بالمدينة وإقامة حفل يليق بمقامه كان من بين الشخصيات التي وجهت لها الدعوة الأب روني فوايوم رئيس أول إرسالية بالأبيض سيدي الشيخ تابعة لتلامذة شارل دي فوكو. يقول الأب روني فوايوم أن من الأحداث الكبيرة في حياته وحياة إرساليته هو مناسبة افتتاح كنيسة القديس يوسف بالمنيعة سنة 1938 حيث أن المحافظ الرسولي للصحراء المونسنيور غوستاف نوي المشرف على افتتاح الكنيسة أرسل له رسالة بتاريخ 15 جانفي سنة 1838 يخبره من خلاها أن تاريخ 20 مارس المقبل سيكون حدث مباركة الكنيسة الجديدة التي أقيمت بالقرب من ضريح الأب شارل دي فوكو بمدينة المنيعة وأخبره بأن المناسبة ستحضرها شخصيات فرنسية كبيرة كنسية وعسكرية أهمها رئيس الاتحاد اللاتيني وسيُحضر معه ما بين ثلاثين وخمسين شخصية بما فيهم السيد ألبرت مونارد من الأكاديمية الفرنسية وقد وعد الجنرال ويغان بأن يكون هناك وكذلك الجنرال غورو يعتقد أنه سيحضر الجميع سيكون هناك بسبب مكانة شخصية الأب دي فوكو. ويواصل المحافظ الرسولي قائلا: أعتقد أنه سيكون من المناسب أن يتم تمثيل أولئك الذين يمثلون فكر الأب دي فوكو ويواصلون نهجه ويتمنى المحافظ الرسولي حضور الأب روني فوايوم لأنه أحد اشهر تلامذة شارل دي فوكو . وواصل المحافظ الرسولي في نفس الرسالة قائلا: *سيتم استقبالهم بطريقة مختلفة تمامًا ويمكنني أن أؤكد لكم ذلك لكن سيكون لدينا الكثير من الحضور ربما كان المونسنيور بيرو وزملاؤه وبالتأكيد الأب مارشال والأب أومبريتش صديق الطفولة للأب مارشال وأصدقاء آخرون. هل تتفضل بقبول حسن الضيافة التي سنقدمها لآبائنا أعبر عن امتناني لكم وعن دواعي سروري أن نراكم في هذا الحفل. كانت دعوة الأب فوايوم من طرف المحافظ الرسولي شخصيا وكانت المناسبة تكريما لشيخه الروحي شارل دي فوكو وكانت الشخصيات المشاركة في حفل افتتاح كنيسة الصحراء من العيار الثقيل وهذا ما دفع الأب روني فوايوم إلى القول: كان من الصعب عليّ أن أرفض الدعوة . لم يكن السفر سهلا عبر الصحراء خاصة في المناسبات المحددة بسقف زمني وأن السفر لم يكن مباشرا من الأبيض إلى المنيعة ووسائل النقل لم تكن متوفرة ومع ذلك قرّر الأب روني فوايوم أن يسافر مباشرة من الأبيض سيدي الشيخ إلى مدينة المنيعة بجماله ومرشده سيرا على الأقدام. وفي هذا السياق برّر لنا الأب روني فوايوم أسباب سفره عبر الصحراء مباشرة بين الأبيض سيدي الشيخ إلى مدينة المنيعة عبر الجمال عكس السفر بوسائل النقل العادية آنذاك من حافلات وشاحنات وسيارات حيث يكون الطريق طويلا والمسافة أضعاف ما هو عليه الحال مباشرة ما بين الأبيض والمنيعة إذ يجب على المسافر أن ينتقل من مدينة الأبيض سيدي الشيخ إلى مدن الشمال قبل أن يصل إلى المنيعة بالجنوب انطلاقا من محطته الأولى جيريفيل ومنها إلى محطته الثانية بوقطوب عن طريق الحافلة ثم محطته الثالثة وهي وهران عبر السكة الحديدية ومن وهران إلى محطته الرابعة وهي الجزائر العاصمة ومن الجزائر العاصمة إلى المحطة الخامسة الجلفة ومن الجلفة عبر الحافلة إلى المحطة السادسة الأغواط ومنها إلى غرداية المحطة السابعة عبر الحافلات اليومية. وأخيرا الانتقال من غرداية إلى المحطة الثامنة والأخيرة وهي المنيعة وذلك عبر حافلة للنقل مرة أو مرتين في الأسبوع. بينما رحلته بالقافلة من الأبيض سيدي الشيخ كانت مُبَاشرة إلى محطته الأولى المنيعة خلال أسبوعين وذلك بدون لف ودوران بعشرات المدن الأخرى وبأضعاف المسافات عبر آلاف الكيلومترات. بعد أن اتخذ الأب روني فوايوم قرار سفره سيرا على الجمال حضّر نفسه وجهز قافلته الصغيرة المكونة من ثلاثة جمال محملة بأمتعتهم وزادهم تحت قيادة مرشده القدير الشيخ بن بحوص وبرفقة أحد رجال الآباء البيض الذي كان ضيفا بإرساليته بالأبيض وهو بنويت أودان . غادر الأب روني فوايوم مدينة الأبيض سيدي الشيخ باتجاه مدينة المنيعة مع بداية شهر مارس سنة 1938 وكان الطريق الذي سلكه حسب اختيار مرشده هو واد صقّر وكانت محطة موردهم المائي الأولى هي حاسي بوزيد والماء في الصحراء هو الحياة ثم تلاه حاسي مستور الذي يبلغ عمقه (80) مترا ويعتبر هذا الأخير آخر منبع مائي قبل الدخول في منطقة العرق الغربي الكبير على مسافة حوالي مائة وخمسين كيلومتر( 150) حيث تقع مدينة المنيعة على الحافة الجنوبية للعرق الكبير. بعد حوالي خمسة عشر يوما من السير على الأقدام حينا وركوب ظهر الجمل حينا انتهت مغامرة الأب روني فوايوم وقطع المسافة في أمن وسلام ووصل إلى مدينة المنيعة عبر رحلة طويلة لكنها كانت ممتعة ومريحة وأثبت أنه لا يقل قدرة وإرادة على سكان الصحراء في تحمل الأتعاب والمشاق يلبس مثلهم عباءتهم الصوفية ويسير مثلهم على الأقدام وركوب الجمال لمئات الكيلومترات وخلال عدة أيام متواصلة. يقول الأب روني فوايوم عن رحلته هذه: احتفظ من خلالها بذكريات لا تُنسى عبر ذلك الامتداد الهائل من الكثبان الرملية التي تتشكل فيما بينها كأنها كتل جبلية مع وديانها وممراتها . يتبع...