بقلم: المفكر التنموي إبراهيم تاج Email: هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته 01 الحديث في الحضارة يحتاج إلى أذهان موسوعية ومتخصصة أيضا وهذا ما لا يمكن جمعه في قلب رجل واحد.. إذ الحديث في الحضارة يحتاج إلى جهابذة من المفكرين والعلماء يجتمعون في ما يمكن تسميته بمجامع حضارية.. كما هي المجامع الفقهية واللغوية.. وقد تقول لي أن مراكز ومخابر الدراسات السياسية والإستراتيجية موجودة في كل الدول ولكن أقصد مجامعا مرتبطة ارتباطا وثيقا بأعلى هرم الأمة ومؤسساتها بعيدا عن السياسة – وإن كانت جزء منها - لأنها تمثل الهوية والمصير.. مرتبطة عضويا بالبرلمانات والحكومات تعمل على إمدادها بروافد الفكر من أجل بلورة مشروع المجتمع وصياغته في مشاريع إصلاحية حول الاقتصاد والمجتمع إلى التربية والتعليم. المجامع الحضارية لا يجب أن تكون ذات ممارسة سياسية العكس يجب أن ترتفع عن ذلك.. فهي لا تتغير بتداول البرلمانات والحكومات لأن المفكرين والعلماء هم رأس مال بشري للأمة.. ولا يجب أن تكون ذات مقاعد محددة العدد ولا ينحصر عملها كهيئة استشارية غير تنفيذية.. ولا ينحصر وجودها في موقع واب ومجلة بل يجب أن تتحول إلى أبوية فكرية.. وكم نحن في أمس الحاجة إلى العقلاء في هذا الزمن لقد سئمنا فعلا من الوجوه المروجة لها إعلاميا سئمنا من الرداءة من التفاهة.. من السير نحو لا هدف. 02 هل نحن الآن ننهض أو ننحط؟ الحضارة هي حالة من الرفاهية وحسن الحال الجمعي والفردي في ظروفها يتمكن الفرد والجماعات والمنظمات من توليف أو إبداع قيم مضافة قد تظهر على شكل منتج مادي أو ثقافي.. وحتى المنتج المادي هو فكري في أصله في النهاية صلب الموضوع وزبدته الإبداع الثقافي .. وكلمة الإبداع هنا تحمل معنى الإنتاج - لأن الإتقان مرحلة من الإبداع - وتحمل معنى التطوير أو التنمية.. وهي تنمية شاملة تبدأ بتنمية الفكر والفرد إلى تنمية المجتمع.. ولذلك من يريد قياس الحضارة عليه أن يقيسها عبر مستويات متعددة أظهرها مؤشرات التنمية الاجتماعية – وسيكون المقال القادم بحوله تعالى حول: كيف نقيس الحضارة؟.. إذا عمق القياس ومنطلقه رصد الإنتاج الفكري للأفراد على مستوى أمة ما. عندما تراقب مواقع التواصل الاجتماعي تجد الصيني يعمل ويبحث عن حيلة للإتقان وتجد الغربي يطلق عنان جنونه ليأتي بالجديد مهما كان.. وتجد عندنا نجمع بينهما في إتقان الجنون إتقان الرقص والتفاهات.. ودائما أنا أسال: ما الذي تقدمه راقصة كقيمة مضافة للمجتمع؟!! كنتيجة نحن نقلد ثانيا: نقلد ما لا ينفع ثالثا: نتحدث عن ما لا ينفع وأخيرا وهو أخطر شيء: نزيد سقوطا من على سلم القيم !!! فعلا نحن في ورطة.. وكم تحدثنا في مقالات سابقة عن هذا الخطر القادم من عقولنا وأهوائنا.. ولكن المهم كيف نتحول إلى أفراد وجماعات منتجة للفكر وقبل ذلك مهتمة بالإبداع؟!! هل يمكن للمجتمع أن يتحول طواعية وبمبادرة ذاتية إلى هذا النمط الجديد من التفكير والفعل؟!! ما هو الحل في رأيكم؟!! أظن والله أعلم.. أن المجتمع يحتاج إلى قيادات فكرية ثقافية فالناس يقتربون إلى التعلم الاجتماعي أكثر من أي وسيلة أخرى.. يتعلمون بالتقليد بالتماهي بالملاحظة حتى أدمغتنا تحمل الكثير من تلك الخلايا العصبية المسماة بالمرآوية بروفيسور العلوم المعرفية في جامعة كاليفورنيا راماشاندران Ramachandran يسميها بالخلايا المتعاطفة وذلك لأنها خلايا تجاوزت وظيفتها في التعلم عن طريق التقليد إلى المشاركة في وظائف انفعالية مثل التعاطف.. لماذا ذكرت التعاطف هنا لأن هذه القيادات الفكرية يجب أن تكون قريبة إلى قلوب الجماهير.. وبالتالي يجب أن تكون هذه القيادات ذات طابع علمي أو تربوي وتبتعد ابتعادا كاملا عن المشاركة السياسية وتقلد المناصب.. الزهد في الحكم هو الطريق الأول والضامن للنجاح. هناك أمر مهم جدا يجب أن تسلكه الصحافة الواعية التي تشارك في النهوض وهو الابتعاد عن أسلوب الصحافة المرتكزة على الفضائح والإثارة والانتقال إلى صحافة التعاطف .. هذا النوع من الصحافة هو بحد ذاته تربية انفعالية شعبية تجعل من القلوب بيوتا للرفق والمحبة وكل ذلك في خدمة السلم الاجتماعي.. لأن صحافة الأحداث والحوادث مبنية على إضرار أدمغتنا عن طريق زيادة مستويات القلق والهيجان وصحافة الفضائح والإثارة مبنية على أمراض القلوب من شهوانية وكراهية للآخر.. أما صحافة التعاطف فهي دواء جمعي تسعى إلى الرفاهية وحسن الحال. قد تقول لي أنت واقع في التناقض.. من جهة تدعو إلى وجوب الإبداع ومن جهة أخرى تقول بضرورة التقليد طريقا.. فكيف الجمع بين النقيضين؟!! وهنا أجيبك بأنّ التقليد ليس نقيضا للإبداع.. فنقيض الإبداع هو ما لا يحقق ثلاثية الإبداع: السيولة والمرونة والأصالة نعم فقر العقل الجمود هو ما يعيق الإبداع.. أما التقليد فقد يكون طريقا سريعا لتحقيقه فتقليد المبدعين ينتج عنه ميلاد لمبدعين جدد.. وكما يقول المثل الشعبي الشيخ بلا شيخ ما هو شيخ وهذه أقدم طريقة في التعليم تلك العلاقة بين الشيوخ ومريديهم في كل المذاهب والفلسفات. و ماذا عن الأصالة؟!! وهنا نقول الأصالة والتجديد طريق واحد فالبرعم يواصل نموه داخل الغصن من نفس الشجرة.. يواصل التغريد داخل السرب ليكون له أثرا.. أما من يريد أن يغرد وحده وينمو من جديد فقد يكون مصيره كآلاف الأعشاب التي تداس على الأرض.. الأصالة هي الالتزام بغايات ومقاصد المجتمع من أجل خدمته من أجل نموه.. ملتزما بموروثه وقيمه ليس كما هو الحال مع أغنية الراي الجزائري.. التي انسلخت عن أصولها وعن قيم المجتمع والتي مورست في الأوكار والظلام بعيدا عن ذوق وعرف العائلة الجزائرية. القيادات الحضارية أكبر من مستوى الغناء والرقص.. وأنا لا أعتبر الوظائف الترفيهية بغض النظر عن كونها حراما أو غير ذلك إنتاجا ثقافيا فهذه من الوظائف الاجتماعية غير المنتجة وكذلك كل المهن والمناصب والممارسات التي هدفها الإلهاء – الذي تحدثنا عنه كثيرا ويجب أن نفرد له مقالا مخصصا لتفكيكه -.. القيادات الحضارية يجب أن تكون ذات انجاز فكري وثقافي كأصحاب النظريات والاختراعات والكتاب المرموقين.. بشرط الأصالة الأصالة التي تنطلق من الهوية والقيم وتعمل على جمع الشمل وتحافظ على الوحدة والثبات وليس تلك التي تهدد استقرار الدولة وتلاحم الشعب.. وهذا أهم شرط. 03 كانت جمعية العلماء المسلمين تلعب هذا الدور قبل وبعد الثورة التحريرية.. ونحن في زمان يتوسع فيه مفهوم العلماء من شيوخ الدين إلى أساتذة الحياة.. من العالم النظري والتطبيقي إلى الخبير المهني ومن المفكر والفيلسوف على التربوي إلى المصلح الاجتماعي... وفي كل خير. و على الجماهير التواقة للنمو والحضارة أن تبدأ بالتقليد الإيجابي المتعاطف بدء بالسير في طريق السنة المطهرة.. فالرسول عليه الصلاة والسلام حبيب المؤمنين وأسوة المسلمين الموحدين.. كذلك سير الصحابة رضوان الله عليهم وسير الصالحين في كل مكان والمجددين في كل زمان.. ثم التعقل في اختيار من يتبع ومن يتابع فمصادر الإعلام ومواقع التواصل كالبحار الجارفة.. فطوبى لمن يصل إلى بر الأمان. === قمة لم الشمل بالجزائر القمة العربية رقم 31 التي تحتضنها الجزائر اختارت تسمية (لم الشمل) وبالفعل هذا العنوان يحمل عمقا اصطلاحا ومعنى فلم الشمل كما معروف لمحاولة تجميع فرقاء وهو للأسف هو واقع الحال العربي منذ زمن طويل لست من المتشائمين وأرقب المشهد العربي منذ عقود وأرى أن هناك بصيص من الأمل في المشهد العربي وهذا الوميض البسيط قد يضيء بشكل أوسع من خلال الجهود والمحاولات الجادة التي تقوم بها بعض الدول العربية وعلى رأسها الجزائر بلد الشهداء التي قدمت أعظم ثورة في التاريخ الحديث. الجهود والمحاولات العربية لا بد أيضا أن تسبر الواقع ولا ترسم آمال أكبر من حجمها لكن ينبغي وضع الآمال والأهداف من خلال هذه القمة المنعقدة في ذكرى ثورة التحرير الجزائرية المجيدة ال68 وربما اختارت الاقدار هذا التاريخ للجزائر بعد تأجيل لهذه القمة أكثر من مرة وقد كتبت مقالا بعنوان القمة المتعسرة في تناغم مع الهم العربي الذي وصفه الشاعر بقوله: (كلما أن جرح في العرتق.. ردد الشرق جرحه في عمان). وصل القادة العرب وممثليهم في هذا التاريخ العظيم في ذاكرة الجزائر والعرب جميعا يوم 1 نوفمبر 2022م لتنعقد القمة خلال يومين (قمة لم الشمل العربي) لمعالجة عدد من القضايا العربية اعلنت من خلال رئيس القمة الرئيس عبدالمجيد تبون وكان أبرزها المصالحة الفلسطينية حيث قامت الجزائر بجهود كبيرة لتحقيقها وتم ادراجها ضمن اعلان الجزائر ونص الإعلان على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس خلال عام من توقيعه كما نص على انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج بنظام التمثيل النسبي الكامل خلال عام من توقيع الإعلان كذلك هناك قضية الامن الغذائي العربي التي تحدث عنها أبو الغيط أمين عام الجامعة وهذا البند يتطلب تفعيله على مساحة الجغرافيا العربية بالحد الممكن ولا شك أن القضايا في سوريا وليبيا واليمن ولبنان والصومال أيضا تتطلب جهودا كبيرة لتحقيق ما يمكن من نجاح وهنا يجب التأكيد على أنه لا يمكن عقد آمالا كبيرة طالما الشمل لم يجتمع ولم يكتمل ولم يعي العرب أهميته لكن مجرد تحقيق التوافق العربي فهو يعتبر في حد ذاته حالة ايجابية ينبغي البناء عليها وربما يكون اصلاح عمل الجامعة أو موضوع تداول منصب الأمين العام قد يطرح في هذه القمة. قمة (لم الشمل) أجمل ما فيها هو انعقادها في الجزائر وما تمثله من حضور في ضمير أبناء الامة العربية وتأكيدا على دقة هذه التسمية (لم الشمل) فقد غاب عن القمة عدد من الزعماء العرب وهو أمر مؤسف بلا شك مما يؤكد أن الشمل العربي ما زال مشتتا رغم تلك الجهود المضنية التي بذلتها الجزائر؟! بالمقابل هل يعني ذلك ترك الوضع العربية كما هو؟! بالطبع لا وهنا تبرز أهمية الادوار الجليلة التي تقوم بها الجزائر والتي يجب أن تتوج من خلال هذه القمة بتشكيل لجنة عربية على مستوى عال لمتابعة مسألة لم الشمل العربي باعتبار أن أي بناء لا بد له من قواعد صلبة أولا ومن ثم ولوج قضية العمل العربي المشترك. المرحلة الراهنة والتطورات الدولية المتسارعة تحتم على العرب إدراك هذه الحقيقة وتشكيل كتلة واحدة في مواجهة التحديات المستقبلية ولا شك أن هذه الجغرافيا العربية تمتلك ما يناهز 430 مليون مواطن عربي وهي قوة عالمية لا يستهان بها بالاضافة إلى ما يزخر به الوطن العربي من ثروات وامكانات ومقدرات يمكن توظيفها على أشكال من التعاون العربي العربي والتعاون مع القوى الدولية الصاعدة وقد كانت رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموجهة لهذه القمة ملفتة ومعبرة وبها قدر كبير من الادراك بما تمثله هذه المنطقة من حجم كبير اذا ما لملمة قواها الاقتصادية والسياسية وشكلت كتلة واحدة. العرب اليوم أمام تحد كبير وهو مسألة (لم الشمل) أولا كقاعدة للبناء أما أن تخرج القمة بأي اعلان كان دون متابعة تنفيذية لموضوع لم الشمل فلن يضيف ذلك شيئا لهذا الوطن العربي الكبير وهنا تفرض المسئولية العربية نفسها على الجميع ويجب أن يكون العرب على قدر كبير من المسئولية لمتابعة هذه القضية المحورية وتحقيق ما تصبو اليه الشعوب العربية التي تتطلع نحو أي لقاء عربي وتهفو المشاعر إلى تحقيق التلاحم والتعاون والتكامل والتضامن العربي فهذه العناوين التي لو أستطاع النظام الرسمي العربي إصابتها لأصبح الوطن العربي قوة كبيرة على الساحة الدولية وهو مشروع عربي ليس بعيد المنال إن توفرت إرادة حقيقية صادقة ومتابعة جريئة وأبجديات عمل واقعية تضع في الاعتبار لم الشمل أولا ثم الانتقال إلى العمل العربي المشترك لبناء تكتل اقتصادي عربي ينشده العرب جميعا وهو المشروع العربي الحقيقي الذي يجب أن يتبناه العرب اليوم.