بقلم: إبراهيم نوار* انصروه ليكون له وطن. انصروه من أجل إحلال سلام يقوم على العدل فإن انسداد طريق السلام هو الذي يغذي خيار العنف والحرب. ولا أمل في سلام في الشرق الأوسط من دون إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل. ما يحدث منذ مجيء حكومة إسرائيل المتطرفة دينيا وقوميا يؤكد أن الحلم بالوطن الفلسطيني لا يموت مهما كانت وحشية الاحتلال ومهما كان تواطؤ المتواطئين. الاستنتاج الأول الذي نستطيع استخلاصه مما نراه في انتفاضة يناير الفلسطينية هو سقوط الاعتقاد بأن اتفاقيات التطبيع المجاني بين إسرائيل وعدد من الدول العربية يمكن أن تدفن الصراع العربي – الإسرائيلي بلا رجعة. وقد أثبتت الانتفاضة الجديدة منذ انفجرت بعد استشهاد ضحايا الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين أن قضية الوطن الفلسطيني تعيش مستقلة عن كل المناورات السياسية وأنها قضية حق لا يموت قادرة على الاستمرار في الحياة حتى يتحقق وجود هذا الوطن. كما تثبت الانتفاضة أنه لا سلام في المنطقة من دون إقامة دولة فلسطينية وهو ما يؤكد صحة الموقف المبدئي للمملكة العربية السعودية ويعزز سياستها العملية برفض التطبيع مع إسرائيل حتى تقوم دولة فلسطينية ويفرض تبعات على الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل بضرورة استخدام علاقاتها من أجل تعزيز السلام وليس من أجل تمرير مشروع الحرب. *أعمال استفزازية إن ما يسمى اتفاقيات إبراهام لم تضعف إرادة الفلسطينيين كما إنها لن تضعف مناصرة الشعوب العربية لهم مهما كانت مواقف الحكومات. كما أن منتدى النقب يجب أن لا يكون جسرا تعبر عليه قوى التطرف الإسرائيلي من أجل اغتيال الهوية الفلسطينية ومشروعها بإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة والاستمرار. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يقفون في خندق الدفاع عن مشروعهم بينما المنطقة كلها تقريبا مشغولة أيضا بقضايا أخرى كثيرة فإن تشابك فروع القضية الفلسطينية مع غيرها يمنحها أولوية خاصة على ما عداها. *اختبار صعب لدبلوماسية بايدن زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن للمنطقة هذه المرة جاءت في وقت شديد الحساسية بالنسبة لعلاقة الولاياتالمتحدة بأطراف الصراع المختلفة. فهي شديدة الحساسية بالنسبة لعلاقة الولايات بحكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير التي تعبر عن اليمين الديني المتطرف في إسرائيل. وما نتنياهو إلا مجرد غطاء تستتر به الأحزاب الدينية العنصرية المتطرفة التي تستخدم العنف وسيلة لتحقيق أهدافها. وتعتبر الأحزاب اليمينية المتطرفة التي فازت في الانتخابات الأخيرة قبل نهاية العام الماضي (الصهيونية الدينية العزيمة اليهودية) امتدادا لأفكار مائير كهانا الذي كان يرأس حركة كاخ العنصرية التي بقيت جذورها حية بعد وفاته وخرج منها متطرفون جدد من أمثال باروخ جولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في فبراير 1994. وإيجال أمير الذي قام باغتيال إسحاق رابين عام 1996. وتبرر حكومة بايدن اتصالها بالحكومة الجديدة بأنه يعكس احتياجات عملية من أجل التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات واستمرار البحث المشترك عن طريق لتجنب التصعيد وانتشار العنف. وتحاول الدبلوماسية الأمريكية إبقاء حل الدولتين حيا والاتفاق مع إسرائيل على تحسين شروط الحياة في الضفة الغربية. ومع ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية اتخذت منذ تشكيلها قرارات تم بمقتضاها معاقبة السلطة الوطنية الفلسطينية ماليا بتخفيض تحويلات ضرائب الفلسطينيين العاملين في إسرائيل بمبررات مختلفة. كما تشهد الضفة الغربية موجة جديدة من القتل والعنف والمطاردة والترحيل وهدم المنازل والحرمان من البناء في المنطقة (ج) التي تخضع لسيطرة الحاكم العسكري الإسرائيلي. وتتسع هذه الحملة وتزداد شراسة منذ مذبحة مخيم جنين الأخيرة. *تفجير العنف بالاستفزاز تتبنى الحكومة الإسرائيلية تكتيكا واضحا الآن يقوم على تفجير العنف في مناطق معينة في الضفة الغربيةوالقدس الشرقية من خلال تنفيذ أعمال استفزازية تتبعها إجراءات عسكرية شرسة ضد الفلسطينيين مع التوسع في تطبيق عقوبات جماعية انتقامية تستهدف تهجير عشرات الأسر في كل مرة بحجة أن لها علاقة قرابة أو صداقة أو معرفة بأسر الأشخاص الذين يتم القبض عليهم أو قتلهم. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يؤفال جالانت صراحة بأن مصير من أطلق عليهم الإرهابيين هو واحد من اثنين إما المحاكمة وهي التي تنتهي بالسجن المشدد لمدد طويلة غالبا وإما القبر. وفي واقعة مخيم جنين فإن الأجهزة الأمنية بدأت الحملة الاستفزازية مبكرا وحاولت اقتحام المخيم تحت غطاء تنكري باستخدام شاحنة لنقل البضائع لكن شباب المخيم اشتبهوا فيها واشتبكوا معها. وقبل ذلك تم توجيه اتهامات إلى عدد كبير من شباب المخيم بالتعاون مع حماس وتم القبض عليهم وصدرت قرارات بحرمان أقارب لهم في غزة من تصاريح العمل في إسرائيل. وذكر تقرير جهاز الأمن أن عمليات تجنيد الأفراد بواسطة حماس تتم عن طريق منصات التواصل الاجتماعي بطلب أشخاص للقيام بأعمال مختلفة مثل توصيل الطرود والرسائل مقابل أجر مدفوع من دون الإعلان عن هويتهم. بعض الطرود التي كان يتم نقلها احتاجت أموالا أو أسلحة أو ذخائر كما قال جهاز الأمن الإسرائيلي. وتعتزم إسرائيل فرض قيود مشددة على تصاريح الدخول للعمال من غزة. وطبقا للتحقيقات التي جرت مع مشتبه فيهم من مخيم جنين سيتم حرمان 230 عاملا غزاويا من حملة تصاريح العمل من دخول إسرائيل لأنهم أقارب لأشخاص في مخيم جنين. ومن الإجراءات الخطيرة الإضافية التي تعتزم إسرائيل اتخاذها تخفيف شروط الحصول على تراخيص السلاح للافراد المدنيين بحجة أنهم في حاجة إليها لحماية أنفسهم وغيرهم من خطر الإرهاب. وفي حال انتشار الأسلحة المرخصة وغير المرخصة بين الإسرائيليين في الضفة فإن سكان المدن والأحياء الفلسطينية سيصبحون هدفا سهلا لرصاص المدنيين الإسرائيليين إلى جانب رصاص الجيش وقوات الأمن. وقد حصدت موجة العنف الحالية أرواح أكثر من 30 شهيدا فلسطينيا منذ بداية يناير حتى مذبحة مخيم جنين مقابل ما يقرب من 170 شهيدا خلال العام الماضي. ومنذ بداية العام الحالي قتلت إسرائيل 5 أطفال فلسطينيين في حين تحتجز في سجونها أكثر من 270 طفلا بتهم ارتكاب أعمال إرهابية. *هل يستطيع بلينكن تقديم جديد؟ أمضت الولاياتالمتحدة وقتا طويلا للإعداد للجولة الدبلوماسية لكل من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير المخابرات المركزية وليام بيرنز ووزير الخارجية أنتوني بلينكن. وطبقا لوزارة الخارجية الأمريكية فإن الزيارة تشمل القاهرة وتل أبيب ورام الله لكنها لا تشمل العاصمة الأردنية عمان على الرغم من أن مناقشة طبيعة الأوضاع في الأماكن المقدسة في القدس تأتي على رأس جدول أولويات الزيارة واللقاء مع المسؤولين في تل أبيب ورام الله. وطبقا لتفاهمات واتفاقيات سابقة فإن المسجد الأقصى يقع داخل الولاية الدينية للمملكة الأردنية الهاشمية وهي تحذر دائما من أي تغيير فيه. وتضمنت مشاورات بلينكن مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين الأوضاع المتوترة حاليا في الضفة والقدس والعلاقات بين الاسرائيليين والفلسطينيين بما في ذلك التنسيق الأمني والإبقاء على حل الدولتين كخيار مطروح لحل القضية الفلسطينية. ولم تقتصر المشاورات على ذلك وإنما تضمنت قضايا أخرى تمثل اهتمامات خاصة للدبلوماسية الأمريكية منها الحرب الأوكرانية وملف إيران وحماية حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. وقد ناقش بلينكن أهمية تهدئة الأوضاع في الضفة مع رئيس السلطة الوطنية محمود عباس وأهمية إعادة التعاون مع الحكومة الإسرائيلية. وفي هذا السياق فسر عباس موقفه بعدم إدانة عملية قتل الإسرائيليين في القدس بأن مثل تلك الخطوة تعتبر بمثابة انتحار سياسي للسلطة وأن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل هو مجرد خطوة جزئية وليست نهاية للتعاون بين الطرفين وأن هذه الخطوة تهدف لدفع نتنياهو إلى كبح التوسع الاستيطاني. وتردد أيضا أن عباس لا يمانع في مقابلة نتنياهو من أجل تهدئة الوضع في الضفة وتصويب العلاقات بين الطرفين. ومن المعروف أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة قررت تقنين المستوطنات غير القانونية القائمة فعلا لكنها ترفض حتى الآن إقامة نقاط استيطانية جديدة. مع ذلك فإن نتنياهو صرح في بداية الأسبوع الحالي بأن هناك إجراءات جديدة لتوسيع الاستيطان تعكف الحكومة على إعدادها. زيارة بلينكن تهدف في جوهرها إلى طمأنة الطرفين وتأكيد التزام الولاياتالمتحدة تجاه السلطة بحل الدولتين والتزامها بضمان أمن إسرائيل وعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي ليس هناك ما تستطيع الولاياتالمتحدة تقديمه أكثر من ذلك في أحسن التقديرات بينما تحدث تطورات جديدة على الأرض تضعف من قوتها الصلبة والخشنة في المنطقة خصوصا اتساع نطاق النفوذ الروسي والصيني وتعميق مجالات التعاون بين الدولتين والقوى الإقليمية الرئيسية العربية مثل السعودية ومصر وغير العربية مثل إيران وتركيا.