استشهاد 11600 طفل فلسطيني في سن التعليم خلال سنة من العدوان الصهيوني على قطاع غزة    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    ملفّات ثقيلة على طاولة الحكومة    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    هذا جديد سكنات عدل 3    تندوف: نحو وضع إستراتيجية شاملة لمرافقة الحركية الإقتصادية التي تشهدها الولاية    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    دي ميستورا يعقد جلسة عمل مع أعضاء من القيادة الصحراوية في مخيمات اللاجئين بالشهيد الحافظ    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    لماذا يخشى المغرب تنظيم الاستفتاء؟    حزب الله: قتلنا عددا كبيرا من الجنود الصهاينة    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم "قصر الباي" في أقرب الآجال    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025 / الجزائر: "تأكيد التحسن المسجل في سبتمبر"    مجلس الأمة يشارك بنجامينا في اجتماعات الدورة 82 للجنة التنفيذية والمؤتمر 46 للاتحاد البرلماني الافريقي    الألعاب البارالمبية-2024 : مجمع سوناطراك يكرم الرياضيين الجزائريين الحائزين على ميداليات    السيد طبي يؤكد على أهمية التكوين في تطوير قطاع العدالة    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 41 ألفا و788 شهيدا    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: الطبعة ال12 تكرم أربعة نجوم سينمائية    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: سينمائيون عرب وأوروبيون في لجان التحكيم    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    الوزير الأول الباكستاني يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هل الشعر ديوان العرب..؟!    المشروع التمهيدي لقانون المالية 2025- تعويض متضرري التقلبات الجوية    المقاول الذاتي لا يلزمه الحصول على (NIS)    مدى إمكانية إجراء عزل الرئيس الفرنسي من منصبه    عبر الحدود مع المغرب.. إحباط محاولات إدخال أزيد من 5 قناطير من الكيف المعالج    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    الجزائر تعلنها من جنيف.."عودة الأمن في الشرق الأوسط مرهونة بإنهاء الاحتلال الصهيوني"    نعكف على مراجعة قانون حماية المسنّين    قافلة طبية لفائدة المناطق النائية بالبليدة    تدشين المعهد العالي للسينما بالقليعة    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    قوجيل: السرد المسؤول لتاريخ الجزائر يشكل "مرجعية للأجيال الحالية والمقبلة"    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    كوثر كريكو : نحو مراجعة القانون المتعلق بحماية الأشخاص المسنين وإثراء نصوصه    الدورة التاسعة : الإعلان عن القائمة القصيرة لجائزة محمد ديب للأدب    إجراءات وقائية ميدانية مكثفة للحفاظ على الصحة العمومية.. حالات الملاريا المسجلة بتمنراست وافدة من المناطق الحدودية    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    توقيع اتفاقية شراكة في مجال التكفل الطبي    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



''براغماتية'' أوباما في مواجهة الخطوط الحمراء لنتنياهو
نشر في الحوار يوم 23 - 05 - 2009

فنتنياهو مستعد لقبول أي شيء بشروط: الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات، أن يتولى الفلسطينيون بأنفسهم حكمهم الذاتي، أن تقدم إليهم المساعدات الاقتصادية والأموال، لكنه لن يقبل أبدا بدولة مستقلة لهم على حدود إسرائيل، وعلى أرض الضفة بشروط أو بغير شروط، ولم يلفظ حتى اسمها، نتنياهو ليس أول مسؤول إسرائيلي يقول ''لا'' كبيرة لواشنطن. قبل ذلك قال بيغن للإدارة الأميركية: ''نحن لسنا جمهورية موز''. واستمر رئيسا للوزراء؛ بعده رفض شارون مطالب بوش بقبول خطة الطريق قائلاً: ''لن نكون تشيكوسلوفاكيا التي سقطت ضحية اتفاق ميونيخ''؛ واستمر رئيسا للوزراء حتى دخوله الغيبوبة، وهكذا كان يرد شامير على الرؤساء الأميركيين، فيما كانت غولدا مئير تسخر منهم ومن مبعوثيهم؛ وفي كل مرة كانت الولايات المتحدة تظهر كأنها هي جمهورية الموز التابعة لإسرائيل! مثير جدا لو تسنّت معرفة تفاصيل ما دار بين أوباما ونتنياهو خلف جدران المكتب البيضاوي، وكيف حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي إقناع الرئيس الأميركي بأن إيران اليوم هي ألمانيا قبل 60 سنة. وأنه لا يجوز لواشنطن أن تنتظر بيرل هاربور جديدة حتى تدخل الحرب. وكيف حاول إقناعه بأن تخلّي إسرائيل عن الضفة لإقامة دولة فلسطينية مفتوحة أمام التمدد الإيراني والتطرف الإسلامي، هو بمثابة انتحار لها. وماذا قال أوباما لنتنياهو لإقناعه بعدم التورط في مغامرة قصف المنشآت النووية الإيرانية وتوريط العالم في حرب يمكن معرفة بدايتها لكن لا يمكن معرفة نهايتها أبداً؟ وبماذا حاول إغراءه للسير معه ''من دون جدوى'' في حل الدولتين وفي وقف الاستيطان؟ وما لم يُعرف اليوم قد يعرف بعد أيام، لكن الرسالة قُرئت من عناوين المؤتمر الصحافي المشترك: لا اتفاق على مطلب نتنياهو تحديد موعد قريب جدا لوقف إيران برنامجها النووي وإلا الحرب، وتالياً فإن احتمال الضربة الإسرائيلية لإيران تظل واردة على غرار قصف مفاعل تموز العراقي.في المقابل لا اتفاق على مطلب أوباما إيجاد حل سريع للصراع العربي- الاسرائيلي؛ حتى المطلب الأميركي بتجميد الاستيطان لم يلق آذانا إسرائيلية صاغية إدراكا من نتنياهو أن هذا الموضوع هو اللغم الحقيقي أمامه، فإن سار نحو التنازلات فيه فجّر حزبه وائتلافه المتشددين من الداخل، وإن رفض التنازلات أغضب واشنطن، وهذا بالنسبة إليه أهون الشرور.
حقيقة الخلاف بين ادراتي اوباما ونتنياهو
بدا واضحاً، في اللقاء الذي الرئيس الأميركي أوباما وضيفه رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، أنّ هناك درجة عالية من الاختلاف في المواقف بين واشنطن وتل أبيب حول المسألتين الأساسيتين في المحادثات بينهما: إيران والملف الفلسطيني.، ولكن هذا الاختلاف ليس شيئا جديدا فالعلاقات الامريكية- الاسرائيلية ، سبق وان عرف حالة مشابهة حدثت عام 1991 في عهد جورج بوش الأب حينما خرج الخلاف مع حكومة شامير للعلن وقرّرت الإدارة الأميركية آنذاك تجميد القروض المالية المقرّرة لإسرائيل من أجل وقف المستوطنات والموافقة على حضور مؤتمر مدريد الذي رعاه الوزير الأميركي السابق جيمس بيكر. وهذا لا يعني أبدا حدوث نفس النتيجة في العلاقة بين ادارتي اوباما ونتنياهو أو في مقدار جدّيتها بل على العكس، فإنّ الحكومة الإسرائيلية هي التي ستسعى لعدم وصول الأمور مع إدارة أوباما لحائط مسدود وستتجنّب تصعيد الاختلاف إلى حدّ الخلاف والتصادم. فالملفات المختلَف عليها الآن بين واشنطن وتل أبيب، هي ملفات جوهرية تمسّ الأمن الأميركي مباشرة والمصالح الأميركية والحروب الأميركية الجارية الآن، ولا يمكن تأجيل البحث في هذه الملفات أو تكرار ما كان يحدث في الإدارات الأميركية السابقة من إمال لملف الصراع العربي- الإسرائيلي إلى السنة الأخيرة من حكم الرئيس الأميركي. وما تفعله إدارة أوباما في سياستها الخارجية بالشرق الأوسط هو تطبيق عملي لما نادت به توصيات لجنة بيكر- هاملتون منذ أكثر من سنتين، حيث كانت هذه التوصيات تعبيراً عن قناعات لعدد كبير من خبراء السياسة الخارجية الأميركية المنتمين للحزبين الديمقراطي والجمهوري معاً. أيضاً، إدارة أوباما تتمتّع بتأييد دولي واسع في حركتها من أجل تحقيق تسوية شاملة في الصراع العربي- الإسرائيلي وفي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إضافةً إلى تعبير أكثر من ثلثي الأميركيين عن ارتياحهم لكيفية تعامل إدارة أوباما الآن مع مسائل السياسة الخارجية. إنّ الاختلاف الحالي الحاصل بين واشنطن وتل أبيب ليس في المواقف من الملفين الإيراني والفلسطيني فقط، بل هو اختلاف في الرؤى وفي المنطلقات وفي الغايات حول كل السياسة المتعلّقة بالشرق الأوسط وأزماته القديمة والحديثة. فبينما جاءت غالبية الأمريكيين بإدارة جديدة تتّصف بالاعتدال وترفض الاستمرار في نهج الحروب العسكرية وتدعو خصوم أميركا لحلّ الأزمات عن طريق التفاوض، جاءت غالبية الإسرائيليين بحكومة يمينية متطرّفة لا تقبل بحلّ الدولتين ولا يعترف بعضها بالاتفاقات السابقة مع الفلسطينيين، وهي حكومة تريد التصادم العسكري مع إيران والاستمرار في الحروب على حركات المقاومة بفلسطين ولبنان، ولا تريد أصلاً الدخول في تسوية شاملة أو في اعتماد المبادرة العربية كخطّة للسلام.إذن، غاية حكومة الإسرائيليين الحالية ليست تحقيق سلام أو تسوية أو الحدّ من الصراعات في المنطقة، وليست طبعاً تسهيل ما تريده إدارة أوباما من مفاوضات مع إيران من أجل إعادة تطبيع العلاقات الأميركية- الإيرانية، وتوظيف إيجابي لدور إيران المهم في أفغانستان والعراق والصراع العربي-الإسرائيلي. لذلك، ستماطل حكومة نتنياهو كثيراً قبل أن تسلّم بالأمر الوقع الأميركي الجديد المدعوم من كافّة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ومن الرأي العام العالمي بأسره. وسيحاول نتنياهو قبض الثمن الباهظ عسكرياً ومالياً لإسرائيل قبل إعلان قبوله بمبدأ حل الدولتين، وسيجعل القبول بهذا المبدأ مرتهناً بشروط إسرائيلية عبّر عن قسم منها في لقائه مع الرئيس أوباما، وسوف تزداد لائحة الشروط كلما ازدادت عليه الضغوط الأميركية. لكن مشكلة حكومة نتنياهو هي أنّها تتعامل الآن مع إدارة أميركية تحمل رؤية واضحة لما تريد تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط ككل، ودور إسرائيل في هذه الرؤية هو دور ''المنفّذ'' لا ''الشريك'' كما كان الحال مع الإدارة السابقة. فعلى إسرائيل ''تنفيذ'' طلب أميركا بعدم القيام بأي تصعيد عسكري ضدّ إيران أو في المنطقة الآن. وعلى إسرائيل ''تنفيذ'' القبول بمبدأ حل الدولتين والمشاركة في مؤتمر دولي سترعاه اللجنة الرباعية، ويكون في موسكو على الأرجح خلال هذا الصيف، ويستهدف اطلاق المفاوضات لتحقيق تسوية شاملة على كل الجبهات. فالطرف المضطرّ للتراجع الآن هو الحكومة الإسرائيلية وليس الإدارة الأميركية، إذ أنّ إدارة أوباما لا تقدر على التراجع في هاتين المسألتين ''إيران والدولة الفلسطينية'' موضع الخلاف مع تل أبيب، بينما أمام حكومة نتنياهو إمّا خيار التجاوب مع ''الرغبات الأميركية'' أو تحمّل ضغوطات أميركية ودولية أشدّ وأقسى من تلك التي حصلت في مطلع التسعينات ودفعت إسرائيل إلى المشاركة بمؤتمر مدريد والتسليم بمبدأ ''الأرض مقابل السلام''. ويقول الخبراء ان هناك خيار آخر أمام نتنياهو هو الاستقالة ومجيء حكومة أخرى تقبل بالمطالب الأميركية أو الشروع في انتخابات إسرائيلية جديدة.
امريكا بنظرة أكثر براغماتية اتجاه النزاع في الشرق الاوسط
من خلال اللقاء الذي جمع اوباما ونتنياهو يبدو واضحا أن الرئيس الامريكي الجديد مصرٌّ على المضي قُدماً في إقامة نظام عالمي جديد يحفظ لأمريكا مكانتها الأولى، دون أن تمارس بالضرورة دوراً شرطياً نشطاً في العالم، كما أنه لن يسعى إلى تقسيم العالم إلى أخيار وأشرار. ويبدو أن في نيته أيضاً التوصل إلى بلورة عالم مستقر فيه تقليص للخطر النووي. إن إصرار أوباما، كما بينه في خطابه أمام البرلمان التركي مؤخراً، كان موجهاً إلى حكومة نتنياهو في الأساس؛ بتمسكه بمشروع ''حل دولتين''، وبالتالي إقامة سلام بين ''إسرائيل'' والدول العربية. جاءت هذه التصريحات دون ردٍ منه على تصريحات ليبرمان وزير خارجية ''إسرائيل'' الرافضة لأنابوليس، وتصريحات نتنياهو ذاته بمطالبة الفلسطينيين بالاعتراف ب ''إسرائيل'' دولة يهودية. ولا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تصم أذنها عما نطق به أوباما في تركيا؛ وإلاّ فإن عليها أن تتوقع مرحلة من الضغوط الأمريكية القوية عليها، بغية التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ومع العرب. وبات واضحاً أكثر وأكثر موقف إدارة أوباما من الصراع، مع ما كرره في لقائه مع الملك عبدالله الثاني، حيث قال: على ''إسرائيل'' أن تتحرك، وإن المبادرة العربية لن تنتظر كثيراً. فالإدارة الأمريكية الحالية تسير في طريق تكوين رزمة حلول مرتبطة بما له صلة بالصراع الإسرائيلي ? العربي. الرزمة تستند على إعطاء المبادرة العربية قيمة أكبر، حيث تراها إدارة أوباما مدخلاً ممكناً للحل النهائي، لكونها تقترح الاعتراف ب ''إسرائيل'' وإقامة علاقات طبيعية بينها وبين دول الجامعة العربية، مقابل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة سنة ,1967 وإقامة دولة فلسطينية. غير أنه ما زال لإدارة أوباما تحفظاتها على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة سنة ,1948 وعلى الشكل النهائي للدولة الفلسطينية. وتبلور إدارة أوباما رزمة أمنية تشمل تكوين مناطق منزوعة السلاح تُخليها ''إسرائيل''، وتشكيل قوات دولية تشرف عليها لسنوات معينة، ترى فيها هذه الإدارة، بأنها سوف تؤدي إلى دخول سوريا ضمن هذه الرزمة بكونها موافقة أصلاً على مشروع المبادرة العربيةترى واشنطن بأن هذه الرزمة، في حال تمت، ستعزل إيران وتضعها في موقف ضعف، وبالتالي ستتمكن من لجم المشروع النووي الإيراني. وأما على الصعيد الفلسطيني، فإن إدارة أوباما ترغب بتفكيك بعض المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لكونها تشكل عقبة جدية، بمنظورها، أمام تكوين دولة فلسطينية قابلة للحياة. كما عبرت عن عدم رضاها من سياسة حكومة نتنياهو في القدس، وهذه إشارات إلى توجه أمريكي له صلة بحل مسألة القدس أيضاً. لكن ضعف الحالة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً، واستمرار حالة الانقسام والتشرذم بين الضفة والقطاع وبين فتح وحماس، سيترك ظلاله على المسار السياسي الأمريكي أيضاً، وليس الفلسطيني والإسرائيلي فقط. ولهذا أوصى تقدير استراتيجي أمريكي الرئيس أوباما بضرورة تغيير التوجهات الأمريكية نحو حماس، وتبني طريقة جديدة للتأثير عليها ولتغيير رؤيتها وسلوكها، بحيث يجري تشجيع أطراف قريبة من الاعتدال داخل حماس للدخول في حوار مع الأمريكيين؛ مما سيسهم في تخفيف حدّة النزاع الفلسطيني الداخلي، وبالتالي يبعد حماس عن إيران وحزب الله. لهذا، فإن وحدة الصف الفلسطيني في الظرف الراهن مسألة حيوية لرفع السقف الفلسطيني، ولتحقيق تعامل أمثل مع السياسة الخارجية الأمريكية ذات الصلة بالشرق الأوسط.
خطوط نتنياهو الحمراء، وقيود حكومته
لم يصرح نتنياهو بأي شيء يشير إلى موافقته على طرح أوباما لقبول فكرة الدولتين إلاّ أن تسريبات داخلية في ''إسرائيل'' أشارت إلى رغبته في قبولها. وهذا يوضح الأمر قليلاً، حيث إن عليه الوصول إلى واشنطن في هذا الشهر، وبجعبته إجابات لما طرحته إدارة أوباما. ولكن في الوقت ذاته، عرض نتنياهو أمام وزرائه خطوطاً حمراء ذات صلة بالدولة الفلسطينية العتيدة، منها: تحديد صلاحيات الدولة الفلسطينية بما يضمن أمن ''إسرائيل'' مستقبلاً، وهذا معناه منع تزويد هذه الدولة بسلاح ثقيل، وإقامة تحالفات عسكرية، وسيطرة إسرائيلية على المجال الجوي والحدود البرية.وحكومة نتنياهو، أسوة بكل حكومات ''إسرائيل''، تصر على أن القدس عاصمة ''إسرائيل'' لوحدها. في حين ستجعل الإدارة الأمريكية مسالة القدس قابلة للتفاوض في ظل تبني وتفعيل رزمة الحلول وربطها ببعضها البعض.ولا توافق ''إسرائيل'' أيضاً على تطبيق قرار حق العودة رقم ,194 وهي ترى حل مشكلة اللاجئين ضمن الدولة الفلسطينية؛ مع إمكانية السماح بدخول أعداد محدودة، كجزء من مشروع تفكيك المخيمات مقابل تفكيك مستوطنات الضفة الغربية. وهذه الرؤية تنسجم مع مفهوم الربط الذي تسعى إلى تنفيذه إدارة أوباما. ومع أن نتنياهو يواجه ضغوطاً شديدةً من مصوتيه ومن التيارات اليمينية التي تشكل حكومته، وخاصة تصريحات وزير خارجيته الرافضة بوضوح لأي حل سلمي مع الفلسطينيين. وبالرغم من الخطوط الحمراء التي رسمها لحكومته، والقيود التي تفرضها تحالفاته الحكومية عليه، إلاّ أن المجسات السياسية والدبلوماسية التي يملكها نتنياهو، تجعله يدرك أن أي توترٍ شديدٍ بين حكومته والإدارة الأمريكية الحالية قد يؤدي إلى تراجع في حجم الدعم السياسي والاقتصادي الأمريكي، وبالتالي ستجد ''إسرائيل'' نفسها في ورطةٍ اقتصاديةٍ خطيرةٍ للغاية. لهذا سيعمل نتنياهو ضمن فهمه لأهمية عامل الزمن على تسيير عجلة المفاوضات ببطء. وسلوكه المتحفظ والدقيق تجاه إدارة أوباما سيكون مؤسساً على خطوطه الحمراء وقيود حكومته.
أوباما ونتنياهو... والربط بين المسارين الإيراني والفلسطيني
يبدو للوهلة الأولى أن إدارة أوباما لا تريد إنتاج توتر مع حكومة نتنياهو، ولكن أوباما قلق من توجه نتنياهو نحو الملف النووي الإيراني، خاصة بما تخطط له ''إسرائيل'' من عملية عسكرية محتملة أو ما يمكن أن تطلبه ''إسرائيل'' من إدارة أوباما فعله في هذا الملف.وهناك عدد من كبار موظفي إدارة أوباما ممن يريد انتهاز فرصة الربط بين المسارين الإيراني والفلسطيني. والسبب في ذلك أن حكومات عربية معينة أبدت قلقها من إيران النووية، وهي ترى أن حل الصراع الإسرائيلي العربي سيخفف من منسوب القلق. هذه الحالة لدى حكومة نتنياهو والحكومات العربية، ستدفع إدارة أوباما إلى التفكير بمفاهيم الربط بين قضايا تخص الصراع عامة. إذ إن الأمريكيين يفكرون في هذه المرحلة بما يمكن فعله بالملف الإيراني، بذات الوقت الذي يمكن أن يفرضوا فيه خطوة سياسية على ''إسرائيل''.ما يمكن أن تفعله إدارة أوباما لنتنياهو هو تكوين ائتلاف لمواجهة إيران، يتشكل من دول عربية معارضة بالمطلق لمشروع إيران النووي، ولتدّخل طهران في شؤون دول وقضايا عربية، خاصة الملف الفلسطيني، وتورط إيران في تسليح حزب الله وحماس. وسيكون الائتلاف مكونًا من عددٍ من الدول العربية أبرزها: مصر والأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية، كما ستسعى إدارة أوباما لجر سوريا إلى هذا الائتلاف من خلال دفع مسار التسوية معها. يمكن أن يستفيد أوباما من هذا الائتلاف بدعوة نتنياهو إلى دخوله والمشاركة فيه؛ باعتبار أن ''إسرائيل'' تعاني من الملف الإيراني ولكونها تريد أن تُصبح مُركباً أساسياً من دول الشرق الأوسط إلى جانب الدول العربية في أجواء اعتبار إيران هدفاً مشتركاً. ولكن السؤال المطروح هنا هو: ما هو الثمن المطلوب دفعه لقاء هذه الرؤية؟ توجد سلسلة من التحضيرات لعقد صفقة الربط المشار إليها أعلاه: ''سلام مقابل السلاح النووي الإيراني''، و''أراض مقابل الملف الإيراني''. فإدارة أوباما لا ترفض تخوفات ''إسرائيل'' من المشروع النووي الإيراني، وادعاءها أن إيران النووية تُشكل خطرًا كبيرًا على استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها، لكن هذه الإدارة تريد أن ترى ''إسرائيل'' متمحورةً في حل القضية الفلسطينية، وأن تترك معالجة الملف الإيراني للإدارة الأمريكية. إن الجهود المكثفة لإدارة أوباما في تليين مواقفها من إيران، بنية جذبها إلى طريق تفاوضي ينزع عنها ملفها النووي العسكري ويبقي حقها في إنتاج نووي لأغراض سلمية، سيُخفف من مصروفات أمريكا المالية في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة؛ مما يعني بأنه إذا لم تظهر ''إسرائيل'' مرونة تجاه الرؤية الأمريكية ستبقى لوحدها في مواجهة إيران. وهل تستطيع ''إسرائيل'' أن تخطو خطوة نحو إيران بدون موافقة أمريكية؟
وفي هذا السياق يقول الخبراء مع أن نتنياهو كان يود أن يبقي على المسارين منفصلين، لكن رؤية الإدارة الأمريكية في إمكانية حل الملف النووي الإيراني بربطه بالمسار التفاوضي مع الفلسطينيين والعرب كجزء أساسي من حل شامل للصراع؛ جعل نتنياهو يوضح، مرات كثيرة، منذ توليه حكومته الحالية أنه سيمضي في التفاوض مع الفلسطينيين، إلا أنه من الصعب التوصل إلى سلام شامل في المنطقة ما دامت إيران تُشكل تهديداً لإسرائيل ووجودها. وفي المقابل، تدرك الإدارة الأمريكية إمكانياتها المحدودة في الضغط على ''إسرائيل''، بسبب وجود لوبي إسرائيلي قوي جداً في أمريكا، وبسبب وجود الكثير من أنصار ''إسرائيل'' في الإدارة الأمريكية، كما أن تجربة الإدارة الأمريكية السابقة في الضغط على ''إسرائيل'' أثبتت إلى حدٍّ كبير فشلها، وهو ما يدفع إدارة أوباما إلى التردد في فرض ضغوط كبيرة على ''إسرائيل''.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.