مراصد ثقافية إعداد:جمال بوزيان حرق المصحف الشريف والردود العالمية الإساءات الفردية لا تمثل توجهات سياسية لدول تزداد ظاهرة حرق المصاحف الشريفة في العالم حيث أقدمت أخيرا مجموعات متطرفة في السويد وهولندا على حرق المصحف الشريف..حتى أن الدستور الهولندي لا يعاقب من يتعدى ويشتم الأديان ويعد ذلكمن حرية الرأي حسب إحدى مواده.. سألنا أساتذة عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة للظاهرة وسبل علاجها من أجل حياة مشتركة هادئة بين الناس على اختلاف دينهم ومعتقداتهم. ظاهرة حرق المصحف.. الغرب وازدواجية المعايير! م. رابح لكحل بين مندد مبرر أو مؤيد قوبل العمل الاستعراضي بحرق نسخة من المصحف الشريف للعنصري الحاقد المسمى رامسوسبالودان ( برلماني ومؤسس حزب تشديد الاتجاه مزدوج الجنسية سويدية-دانماركية) كما قابله بعضهم بالتجاهل واللامبالاة..فأما المنددون على درجاتهم المختلفة في غالبيتهم (دول أو أفراد)من العالم الإسلامي مع بعض الاستثناءات جاءت في تصريحات دبلوماسية غير صريحة في تنديدها لبعض الدول والمؤسسات الغربية.. أما المبررون والمؤيدون فهما صورتان لواجهة واحدة عنصرية حاقدة يمثل منطق التبرير فيها النسخة الأسوأ ويؤكد ككل مرة أن الكذب النفاق والتطفيف صفات أصيلة في الغرب 1-ما نفعله من حرية الرأي: بإدراجه-كالعادة- في خانة الأفعال والممارسات التي يكفلها مبدأ حرية الرأي والتعبير في الغرب عموما وفي السويدوالدانمارك على وجه الخصوص يحاول المدافعون عن هذا العمل المشين تغليفه والتغطية على حقيقته العنصرية التي تدرجه بكل وضوح في صنف جرائم الكراهية والتفريق بين المواطنين وحتى ولو سلمنا بصدقهم في ادعاءاتهم فإننا نسجل النقاط الآتية: الإساءة للمقدسات الدينية لا تدخل ضمن حرية التعبير 1-أين غابت قدسية الحرية والحق في التعبير عن الرأي لما رفضت السلطات السويدية(وهي نفسها التي سمحت بحرق المصحف..) طلب(مواطن سويدي آخر) السماح له بحرق نسخة من التوراة أمام سفارة الاحتلال الإسرائيلي في ستوكهولم..! والحقيقة أن هذا الشاب السويدي المسلم بحركته الذكية هاته عرى تناقضات ونفاق سلطات بلاده والغرب عموما وقد لخص أهدافه من ذلك فيما نقلته عن لسانه صحيفة داغينزنيهيتر المحلية بقوله:-أعلم كمسلم أن حرق الكتب المقدسة غير مسموح به.. -لكني غاضب وأريد أن أثير نقاشا.. -وأتأكد من أن الكتب المقدسة تعامل كلها على قدم المساواة.. -وأن حرية التعبير مكفولة للجميع في السويد. 2- المجرم بالودان نفسه لم يلجأ إلى التغطية والمواراة ولم يجهد نفسه في تبرير جرمه حيث صرح لصحيفة بوليتيكن الدانماركية بقوله: هذا ما أريده (الضجيج الإعلامي) لإظهار استحالة التعايش بين المسلمين ومجتمعاتنا وتصريحاته تدل على أن القضية أكبر من مجرد حرية تعبير عن الرأي فالرجل يقصد الشهرة والتميز وبرنامجه مبني أساسا على:- إهانة مقدسات المسلمين.. -التعامل بعنصرية فجة مع شركاء له في الوطن(يقدر عدد المسلمين في السويد بأكثر من 600 ألف) فقط لأنهم يخالفونه الديانة .. -يرفض أن يكون لغيره حرية الرأي أو المعتقد. 3-أين غاب عن غرب المؤسسات قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (الصادر في 15 فبراير 2011م) والذي يؤكد على أن: أ- الإساءة للمقدسات الدينية لا تدخل ضمن حرية التعبير.. ب-للآخرين الحق في حماية مشاعرهم الدينية.. ت-على الحكومات العمل على الحفاظ على السلام الديني في المجتمع. 4-للتاريخ أصدرت المفوضية الأوروبية بيانا عقب الحادث أهم ماجاء فيه: يتوجب على السلطات السويدية اتخاذ خطوات بشأن الحادثة.. مؤكدة أنه لا مكان للعنصرية وكراهية الأجانب والكراهية العرقية والدينية في الاتحاد الأوروبي .. وهو إقرار رسمي بأن الحادثة هي عمل عنصري وينم عن كراهية الأجانب وهي جريمة يحاسب عليها القانون. 2-أهمية الحادثة: حادثة حرق المصحف ليست جديدة فاستفزاز المسلمين بحرق كتابهم المقدس ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وعنصرية الغرب وإزدواجية معاييره تجعل من هذا العمل الأرعن وسيلة يلجؤ إليها المأزومون منهم متى عجزت طرقهم وسائلهم الخبيثة الأخرى وللتاريخ تعرض المصحف للتدنيس والحرق وسجل ذلك في مختلف الدول الغربية عموما من أمريكا إلى فرنسابريطانياألمانياالدانمارك... وغيرها لكن كان لهذا العمل الإجرامي القبيح أهمية خاصة ربما ل: -رمزية موقع الحرق (أمام السفارة التركية)المرشحة نظريا لقيادة المسلمين.. -أنه تم على يدي رجل سياسي يمثل تيارا متناميا داخل المجتمعات الغربية.. -أنه يثير الكراهية ويستنهض العنصرية المسممة لحياة المسلمين في الغرب.. -أنه يضر بتعايش الأقليات المسلمة ويقوض جهود إدماجها. 3-كيف نتعامل مع مثل هذه الاستفزازات: نجح الغرب الحديث في الكثير من المحطات في استفزاز المسلمين ودفعهم لردود أفعال غير منضبطة يستغلونها إعلاميا لقلب الأدوار فيحولون العنصري المعتدي إلى ضحية رأي والمسلم المُعتدى عليه إلى إرهابي لا يحسن إلا استعمال العنف المفرط للتعبير عن آرائه.. أو ينال المعتدي هدفه من الشهرة والذكر في كل أنحاء العالم (أمثال سلمان رشدي شارلي إيبدو ... وغيرهم).. فبين التجاهل وبرود المشاعر الذي يميز المسلم لكيوت وردود الأفعال الغير مدروسة التي تصدر عن أي كان وفي أي وقت بمنطق هذا لِما في قلبي..! كيف نتعامل بصفتنا مسلمين مع من يعتدي على قيمنا ومقدساتنا ثم يرمينا بدائه؟ وفي تقديري لاتوجد وصفة مثالية تحدد بروتوكولا دقيقا للتعامل مع مثل هذه الاعتداءات لأن منطلقاتها وتأثيراتها مركبة ومتعددة فقط سنحاول الإشارة إلى مجموعة من النقاط المنهجية نسردها في ما يأتي: 1-التجاهل فن من فنون المعاملة: استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- مبدأ الإعراض عن الجاهلين تطبيقا لأمر ربه اقتصادا للجهد والوقت وقطعا لمسار رداءة لا ينتصر فيه إلا السفلة والحمقى ومن ثمار التجاهل خنق الإساءات في مهدها وقطع الطريق أمام انتشارها وتداولها على نطاق واسع كما تفقد بريقها ولاتشجع السفلة المأزومين على تقليدها فهي لا تحقق مبتغاهم..وفي تقديري أيضا نحصر هذا في الإساءات الفردية التي لاتمثل دولا أو توجها سياسيا أو تنظيم من التنظيمات. السويد ترفض منح تصريح جديد.. 2-الرد من جنس الإساءة: بما أننا ندعي أننا أصحاب مشروع حضاري وجب أن يكون غضبنا لمقدساتنا حضاريا أيضا يستعمل لغة وأدوات تفهمها المجتمعات المعتدية فهاهي مثلا السلطات السويدية تدوس على مبادئها الكاذبة وترفض منح تصريح جديد لمن طلب إعادة حرق المصحف مستعملة حجة إثارة اضطرابات خطِرة للأمن القومي وهم في حقيقتهم شعروا بأن مصالحهم مهددة وهي اللغة الوحيدة التي يفهمونها وهذا نتاج موجة المظاهرات والتنديدات في مختلف أنحاء العالم والضرر البالغ الذي لحق علاقات السويد بدول العالم الإسلامي. 3-لنكن متصالحين مع أنفسنا: فمن يثيره حرق نسخة ورقية للقرآن الأولى أن يكون غضبه أشد لما تنتهك قيمه التي نحن مطالبون بالتزامها وتدبرها فالقرآنالذي تقوم دعوته على تحريم الظلم ويعلن الحرب على الاستبداد بكل أشكاله(..وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُون)-هود113- فليس من المنطق أو العقل أن يجمع المسلم الحقيقي بين الغضب لحرق نسخة منه وتأييد الظلمة المستبدين وتبرير ظلمهم؟! فالظلم بصوره المختلفة: -سلطوي سياسي(التضييق على الحريات السياسية وقمع الناس).. -اقتصادي مادي(التضييق في لقمة العيش ومحاصرة الناس).. -اجتماعي (التفريق بين الناس على أساس العِرق اللون أو المعتقد)... أولى بالرفض والمقاومة فحتى القرآن الذي نغضب لأجل امتهانه يربط نصرنا (..ثم لاتنصرون) بعدم الميل والركون إلى الظلم والظلمة.. وحتى على مستوانا الفردي فالمسلم الغاضب لإهانة المصحف فالأولى أن يراجع نفسه متى فتح آخر مرة مصحفا تلاوة حفظا وتدبرا؟! وما مساعيه لإقامة قيمه ورسالاته؟!. 4-لاتحملنا عداوة القوم على أن لا نعدل: فمن قيمنا الأساسية أن العدل واجب علينا لكل أحد على كل حال.. ومن أخطائنا المنهجية في التعامل مع الأحداث والوقائع التعميم والتهويل فكلما أراد حثالة دخول التاريخ بمنطق الرجل الذي تبول في بئر زمزم ليشتهر..! نسارع لتحميل كل من هو غربي مسؤولية ذلك.. والحقيقة أن ليس كل الشعوب والكيانات الغربية تؤيد ذلك بل يوجد منهم من يرفض ويدين مثل هذه السلوكات العدائية ومن الذكاء والحكمة أن نميز هؤلاء ونضع أيدينا في أيديهم لقطع دابر المجرمين السفلة ومحاصرتهم..فكما نطالب بصفتنا مسلمين أن لايعمم علينا وصف الإرهاب أو غيره فكذلك وجب علينا أن ننسب الفعل العدائي لفاعله ومؤيده ولايعمم على بلد أو دِين أو عِرق أو لون. 5-كفانا خبط عشواء: ومصداقا للمثل الشعبي القائل: ..حجرات البلاء تجمع في العافية.. الأولى أن ننتقل من رد الفعل إلى الفعل فمن أخطائنا القاتلة والتي طال أمدها أننا لانستبق الأحداث ولانستشرف مستقبلنا ونكتفي بالسكون ثم التفاعل اللحظي غير المدروس عند وقوع الوقائع والأحداث والأسوأ أن نبني دفاعاتنا على التمركز حول ذواتنا ونتج عن ذلك كأننا لانستطيع التقدم بتحقيق إنجازات أومراكمة مكتسبات.فالعاقل الواعي الذي يختار العمل المخطط برؤى واضحة لايتوقف عند حادث عرضي إلا بمايستحق من خيارات دون المساس برؤيته الكلية وتصوراته لموقعه وغاياته أما مانحن عليه فهو ردود فعل يحركها الغضب في عمومها ينتج عنها في الغالب: -التوقف عن العمل أو الانحراف بمجهوداتنا عن مسارها.. -سوء تقدير النتائج فينتصر خصومنا ونخسر نحن على الرغم من عدالة قضيتنا. علينا أن نهندس غضبنا ونجعله تحت السيطرة 4-العبرة مما حدث علينا هندسة الغضب وليس التنفيس عنه: من الواجب أن توضع دراسات وتقييمات لمنهجياتنا في التعامل مع الإساءة لمقدساتنا تجيب عن مدى فعاليتها في تحقيق أهدافها..؟! ولانبقى كل مرة صيدا ثمينا يتسلى بنا ويحقق أهدافه باستغلال غضبنا كل متطرف عنصري حاقد..فالتجربة أوضحت لنا أنه قد: -اشتهر الرسام وحارق أوراق المصحف الشريف بعد أن كان مغمورا لا يسمع به أحد -انتعشت الجريدة السيئة ووزعت ملايين النسخ بلغات مختلفة بعد أن كانت على وشك الإفلاس -انتقلت الرسوم من فصل دراسي أمام بضعة تلاميذ إلى صفحات ومواقع عالمية.. وأما ماكسبه المسلمون في الغرب خاصة: -تأكد عزلتهم عن المجتمعات التي يعيشون فيها -فقدانهم للقدرة على التأثير وجمع الأنصار المؤيدين لهم والرافضين للإساءات -انشغالهم عن قضاياهم ومشروعاتهم الاستراتيجية.. وبصفة عامة صار من اليسر أن يسحبنا خصومنا إلى الملف الذي يريدون في اللحظة التي يريدون ويشغلوننا به من الوقت ما يشاؤون. ومن باب التعلم من أخطائنا بدراسة ماضينا حتى نتفادى إعادتها في المستقبل علينا أن نهندس غضبنا بأن نجعله تحت السيطرة فلا يقودنا لأنه أعمى وإنما نستغله بحيث: -نضع خطوات عملية لتصحيح علاقتنا بالقرآن.. -أن ننتقل من رد الفعل المؤقت إلى العمل الواعي المستدام .. -أن نحول عاطفة الغيرة على المقدسات إلى طاقة دفع للسعي والتطور.. فالغضب من أجل قيمنا ومقدساتنا صفة محمودة وغيرة في موقعها تحتاج فقط ترشيدا وتصويبا. *****