مراصد إعداد: جمال بوزبان أخبار اليوم ترصد آراء أساتذة حول تكريم حفظة القرآن بناء الجيل الناجح يبدأ من تحفيز حملة كتاب الله يحفظ كثير من البراعم القرآن الكريم في سن مبكرة في كثير من بقاع العالم الإسلامي وحتى غيره ويبرع منهم أفذاذ في تجويد وترتيل آيات الله وتتنافس الجمعيات الدينية على جلبهم إلى المساجد التي تنشط بها. سألنا أساتذة هذه الظاهرة في الشهر الفضيل وفي غيره وهل ترى تكريمات مناسبة لأهل القرآن احتفاء بهم في العالم الإسلامي؟ وما اقتراحاتهم؟ تشجيع حفظة القرآن الكريم واجب علينا جميعا أ. د. ناعوس بن يحيى المنافسة في علاوة القرآن الكريم في الجيل الجديد ظاهرة تستدعي الاهتمام والتشجيع والتحفيز.. ومن هنا نصنع ونبني جيلا نعرف قدره ومكانته في الأيام اللاحقة وعليه فتشجيعه أمر واجب سنحمد الله على التوفيق له وفي ذلك يتنافس المتنافسون ولنا في تاريخنا صفحات مشرقة عن جُبير بن مُطعم رضي الله عنه قال: ((كُنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالجحفة فخرج علينا فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن القرآن جاء مِن عندِ الله؟)) قلنا: نعم قال: ((فأبشِروا فإن هذا القرآن طرفه بيدِ اللهِ وطرفه بأيديكم فتمسَّكوا به ولا تهلكوا بعده أبدًا)) المعجم الكبير (2/ 126) جاء سعد بن هشام بن عامر إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن قيام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: (( أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَة )) [1] فقيام الليل على هذا عامل أساسٌ في تحسين العلاقة بين الإنسان والقرآن الكريم إنه لا صلاح لهذه الأرض ولا راحة لهذه البشرية ولا طمأنينة لهذا الإنسان ولا رِفعة ولا بركة ولا طهارة ولا تناسُق مع سُنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلى كتاب الله تعالى تدبُّرًا وحُبًّا وقراءة وتطبيقًا. والرجوع إلى كتاب الله له صورة واحدة وطريق واحد واحد لا سواه إنه العودة بالحياة كلِّها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم إنه تحكيم هذا الكتاب وحدَه في حياتها والتحاكم إليه وحدَه في شؤونها وإلا فهو الفساد في الأرض والشقاوة للناس والارتكاس في الحمأة والجاهلية التي تَعبد الهوى مِن دُون الله ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص:50] [2]. ومِن هنا نجدُ في سيرة السلف صفحات نيِّرة ومُشرقة صنعتها صِلَتُهم القوية بكتاب الله تعالى تدبُّرًا وتلاوةً وقراءةً متأنِّيةً واعيةً ترمي إلى الكشف عن الرسائل التي يتضمنها النص الشريف في سياقاته المتعددة والمتنوعة والمزهرة بالخير والبركة والنماء لكل البشرية وفي هذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليلِه إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مُفطرون وبحزنه إذا الناس فرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا مَحزونًا حليمًا حكيمًا سكيتًا ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيًا ولا غافلًا ولا سخَّابًا ولا صيَّاحًا ولا حديدًا وصايا غالية ثمينة ذهبية. ***** أدعو إلى تكريم وتشجيع أهل القرآن الكريم أ. د. أحمد جاد في شهر رمضان من كل عام تنشط في ربوع العالم الإسلامي مسابقات في حفظ القرآن الكريم تشمل مستويات عدة للحفظ بداية من المسابقات التي تجرى بين الصغار الذين يحفظون جزءًا من القرآن وانتهاءً بمن يحفظون القرآن الكريم كاملا ثم مسابقات لمن يحفظونه مجودا وأخرى لمن يحفظونه مجودا ومنغما بأداء صوتي متميز. وتتبارى في ذلك الجمعيات الأهلية والمؤسسات الحكومية والأفراد أحيانا لتكريم حملة كتاب الله تعالى وإجازتهم. كيف لا؟ وهو حَبْل الله المَتِين ونُورُه المبين وصراطه المستقيم مَن قال به صدَق ومن حَكَم به عدَل ومن عَمل به أُجِر ومن دَعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم. إنه الذكر الحكيم والنور المبين والكتاب الذي لا ريب فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهذا لا شك فيه جهد مشكور يحمد لتلك الجمعيات وهذه المؤسسات العلمية وللأفراد الذين يسهمون بقدر طاقتهم وإمكانياتهم في تلك المحاولات الطيبة لتشجيع الصغار والكبار على حفظ القرآن الكريم وتجويده. لكن هل هذه المحاولات كافيه؟ الحق أنها غير كافية بلا شك فالاحتفاء بكتاب الله تعالى لا يتصور قصره على وقت محدد من العام وهو شهر رمضان. نعم يجب أن يكون ذروة الاحتفاء بالقرآن هو رمضان لأنه ذلك الشهر الذي أنزل فيه القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }[البقرة:185] واقتداء بسنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم فعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَة يُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدَ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلا وهو ما يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل وتجتمع فيه الهمم ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً). يُرْوَى أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يَسِير في طرقات المدينة وإذا به يرى طفلاً صغيرًا ذاهبًا إلى المسجد ليحْفظ كتاب الله وكان هذا الفتى يمشِي كعادة الفِتْية لاهيًا ولاعبًا في طريقه لكنَّه كان يردِّد آيات الله التي سيَقوم بتسميعها لمعلِّمه في المسجد وإذا بأذُنِ عمر بن الخطاب تَسمع هذه الآية من هذا الصبي الصغير: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِع سورة الطور. فسقط عمر بن الخطاب من سماعها علي الأرض مغشيًّا عليه وكلما كلَّمَه أحد قال: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِع . الطور يا ربِّ ارْحم عمر بن الخطاب يا رب ارحم عمرَ بن الخطاب وظل مريضًا في فراشه لمدَّة شهر. ما يعزز مضاعفة الأجر في رمضان هو نزول القرآن الكريم فيه جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ومدارسة جبريل القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فهناك إذاً فضل لتلاوة القرآن الكريم في رمضان. ذلك كان حال السلف مع القرآن في رمضان يختلف عنه في باقي أيام العام زيادة في القراءة والاحتفاء. فكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام. وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. وكان قتادة: يختم في كل سبع دائما وفي رمضان في كل ثلاث وفي العشر الأواخر كل ليلة. وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة. وعن أبي حنيفة نحوه. وما أراه وأدعو إليه هو أن تعمل المؤسسات الدينية كما يفعل الأزهر الشريف بترخيص كتاتيب تقوم على تحفيظ القرآن الكريم ويشرف ليها علماء متخصصون ومؤهلون لذلك ومجازون له. ثم يأتي دور الحكومات للقيام على هذه الدور والكتاتيب برعاية العاملين عليها والمرتادين لها والتكفل بنفقاتهم جميعًا ليتفرغوا لحفظ كتاب الله تعالى. كما أدعو لعقد المسابقات الكبرى أمام العلماء جميعًا كل في تخصصه من طب وهندسة وكيمياء وفيزياء ليستخرجوا من القرآن ما انطوى عليه من إعجاز وعلم بدلا من التهليل لكل مكتشف غربي يثبت أن القرآن أشار إليه من أكثر من ألف وأربعمائة عام. كما أدعو لتشجيع النماذج القرآنية في المجتمع وتكريمها حتى لا يقتصر الأمر على مجرد الحفظ والتلاوة وحسب. وكأني بالشيخ الغزالي رحمه الله تعالى وقد عبَّر في كتابه الماتع كيف نتعامل مع القرآن؟ عن أسفه لواقع أمتنا وعجزها عن التعامل مع القرآن على النحو الذي يليق به باعتباره وحيًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقال: بقاء هذا القرآن هو العزاء الوحيد عن ضياع مواريث النبوات الأولى لأنه استوعب زبدتها وقدّم فى هداياته خلاصة كافية لها... لكن موقف المسلمين من القرآن الذي شرفوا به يثير الدهشة. ويقول رحمه الله تعالى: مِن عدة قرون ودعوة القرآن مجمَّدة ورسالة الإسلام كنهر جفّ مجراه أو بريق خمد سناه..! والأمة التي اجتباها الله تتعامل مع القرآن تعاملاً لا يجوز السكوت عليه. كان الجاهليون الأقدمون يصمون آذانهم عن سماعه ويتواصون بالشغب على مجالسه ويعالنون بتكذيب صاحبه حتى شكا صاحب الرسالة إلى ربه هذا الكنود قائلاً: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30). أما المسلمون المتأخرون فهم يسمعون وقد يتأوّهون أو يسكنون ولكن العقول مخدَّرة والحواس مبعثرة ومسالك الأفراد والجماعات في واد آخر وكأنها تُنادَى من مكان بعيد! الأمة المنتمية إلى القرآن مجهولة مستوحشة والحضارة التي يصنعها لا تجد من يصوِّر معالمها بإتقان ولا من يعبِّد طريقها بذكاء ولا من يفتح لها دكانًا صغيرًا في سوق امتلأ بلافتات خداعة لسلع ما تساوى شيئًا أو مذاهب باطلة بالتعبير الصريح. أهكذا يتصرف أصحاب الحقيقة مع الحقيقة التي شرفوا بها وانتموا إليها؟. لقد كانت تقوم بهذا الدور قديمًا الأوقاف الإسلامية فقد كان أهل اليسر والبر على مر العصور يوقفون أملاكًا لهم للإنفاق على مثل هذه الأوجه وغيرها فكانوا يوقفون على حفظة كتاب الله وكانوا يوقفون على متعلمي مذهب فقهي ما وكانوا يوقفون على رعاية المرضى وكانوا يوقفون على رعاية الأيتام وغير ذلك كثير من أوجه البر من تعليم وصحة وغير ذلك. أما وقد أصبحت هذه الأوقاف تدار من قبل الدولة فعليها شرعا تحقيق شرط الواقف فيما أوقف فلا يخرج إلا في الوجهة التي أراد. *****