لا زالت الإذاعة الجزائرية تحتفظ بمكانتها رغم ظهور وسائل تكنولوجية جديدة في الساحة أزاحت عنها بعض بريقها خاصة عند الجيل الجديد الذي لا يعرف ربما ما هي الإذاعية وما هي القنوات الإذاعية التي تحويها، فلقد أبهرته كل الوسائل الحديثة كالقنوات الفضائية والانترنت والهواتف المحمولة ذات التقنيات المتعددة التي أغنته عن الاستماع للإذاعة التي تركها للجيل القديم كما يقول، ومن جانبه الجيل القديم لا زال متشبثا بالإذاعة والاستماع إليها خاصة في الصباح إذ يعتبر هذا من الأساسيات لديهم، فهي أسرع وأسهل وسيلة لتلقي المعلومات مباشرة من المصدر الموثوق، كما أنهم يثقون بها أكثر من الإعلام المكتوب والمرئي.. وأكثر فئة تستمع للإذاعة الجزائرية بمختلف قنواتها، هم السائقون خاصة سائقي سيارات الأجرة الذين لا يستغني اغلبهم عن الاستماع خاصة إلى إذاعة البهجة والقناة الثالثة، فهاتان الإذاعتان لهما شعبية كبيرة لدى المستمعين، بالإضافة إلى إذاعة القران التي بدأت هي الأخرى تأخذ مكانة متميزة بفضل برامجها المتنوعة الموجه لكل أفراد الأسرة الجزائرية، فاستماعها يكون جد محبذ لدى السائقين في الفترة الصباحية ليكون افتتاحهم ليومهم مباركا، أما القناة الأولى فلقد فقدت بعض شعبيتها بسبب دخول العديد من الإذاعات المحلية في الخط، ففضل البعض الاستماع إلى إذاعته المحلية بغرض معرفة معلومات وأخبار أدق في منطقته التي تكون مهمشة في بعض الإذاعات الرئيسية الأخرى، على ان إذاعة البهجة قد أخذت حصة الأسد بين هذه الإذاعات فهي تستقطب كل الفئات خاصة الشباب وربات البيوت اللاتي تستمعن إليها كثيرا أثناء أداء أشغال البيت فيما فضل بعض كبار السن سواء من النساء أو الرجال إلى الاستماع إلى إذاعة القران التي تبث برامجها من الساعة الخامسة صباحا إلى غاية الواحدة ظهرا كما لها فترة ليلية تبدأ من الساعة الحادية عشرة ليلا إلى غاية الواحدة بعد منتصف الليل. و حتى المقاهي وبعض محلات الألبسة في الأسواق لا تستغني هي الأخرى عن الاستماع للإذاعة خاصة البهجة والقناة الثالثة، ويزداد الطلب عليها خاصة في مواعيد اللقاءات الرياضية، خاصة إذا لم تبث المباراة المنتظرة على التلفاز فالمفر سيكون حتما إلى الإذاعة خاصة إذاعة القناة الثالثة والأولى اللتان لا تغيبان أبدا عن بث هذه المواعيد جلبا للمستمعين. ومن جهة أخرى فان الإذاعة غائبة بشكل كلي لدى البعض من الجزائريين خاصة الشباب، الذين يعتبرونها وسيلة تقليدية تصلح للقرون الوسطى ولم تعد تستجب وتلبي رغباتهم خاصة بالنسبة لبرامجها التي تبث نفس المعلومات وأيضا نفس الأصوات لم تتغير منذ زمن، لذلك فهم لا يملكون جهاز راديو في بيوتهم ولا يستعملون أبدا الجهاز الذي بسياراتهم. ويرجع المختصون بعلم الاجتماع هذا العزوف لدى هذا الجيل عن الاستماع للإذاعة، إلى حالة نفسية اجتماعية بسيكولوجية، وليس لها علاقة مع برامج الإذاعة أو عدم مواكبة هذه الأخيرة لتطور وسائل الاتصال، فالفرد في الوقت الحالي لم يعد له القدرة على الاستماع وانتظار تلقي المعلومة، فهذا غائب عن التربية التي تلقاها من العائلة ومن المحيط، فحالته النفسية لا تسمح له بالمكوث أمام الراديو لساعات أو حتى للحظات من اجل الاستماع لحوارات أو برامج سمعية، فاعتماد شخصيته على الجانب البصري اثر ذلك بشكل كبير على قدرته على الاستماع وهذا ما سبب له العديد من المشاكل في محيطه خاصة مع الجيل القديم كالأبوين. ورغم ذلك فان الجيل القديم لا يمكنه تخيل إغلاق الإذاعة مثلا، فهي بمثابة ذاكرة وطنية عايش معها أروع اللحظات، فمنهم من استمع إلى اسمه ناجحا في البكالوريا في الإذاعة فكانت علاقة وطيدة، وهناك من قدمت له الإذاعة الكثير من الإعانات والفرص التي لم يحلم بها في حياته عبر الكثير من الحصص الخيرية والمسابقات الفكرية والأدبية، والكثير من الفنانين والأدباء الجزائريين هم من خريجي الإذاعة الجزائرية بكل قنواتها الوطنية والمحلية، فالإذاعة الجزائرية هي جزء من هذا الوطن.