يعتبر الزبون في عملية التجارة عاملا أساسيا، والتاجر الذكي هو الذي يسعى إلى الحفاظ على زبائنه، وذلك بالعمل على إرضائهم ليس بجودة منتوجاته فحسب، بل حتى بحسن المعاملة، ومنح الراحة والحرية للزبون في التبضع والاختيار، وهو العامل المفقود في الكثير من محلاتنا وأسواقنا، وهي الصفة التي لا نجدها عند اغلب البائعين والتجار. بعض التجار تفطنوا لهذه النقطة، وأدركوا أن الزبون ملِك في المحل، لهذا فقد أصبحت العديد من الأسواق تمنح الحرية للزبون في اختيار السلعة التي يريد اقتناءها، وهو ما لاحظناه بعد جولة في بعض الأسواق الشعبية، حيث صار كثير من التجار يضعون سلعتهم في متناول المواطنين الذين يملئون الأكياس كما يحلو لهم، ثم يعطونها إلى البائع الذي يقوم بوزنها، ثم تحديد ثمنها وقبضه، وهي الطريقة التي لا بد أن يتعامل بها كل التجار وليس فئة منهم، خاصة وأنهم سيكسبون بذلك زبائن دائمين، وهو ما أبداه لنا بعض المواطنين الذين تحدثنا إليهم في سوق شعبية بغرب العاصمة، بعد أن انتهوا من التبضع، حيث قال لنا رضا (32 سنة) انه غالبا ما يأتي لهذا السوق لأنه يعرف بائعا يحسن معاملة زبائنه، ويسمح لهم بانتقاء حبات الخضر والفواكه التي يريدونها، وأنا أقدم من بلدية أخرى خصيصا لكي اشتري من هذا البائع، ولا ادري لماذا لا ينتهج كل التجار هذا الأسلوب في البيع، والذي سيجعلهم حتما يربحون أكثر وبل يكسبون احترام الزبائن والناس"؟! أما السيدة سعاد فقد حدثتنا عن الموضوع قائلة: "لا اخفي عنكم أني كثيرا ما انفر من هذا البائع او ذاك، بسبب طباعه او معاملته، ولا أن يناولني البائع سلعة هو اختارها لي، ثم اكتشف في النهاية أنها ليست صالحة واجد نفسي ارمي معظمها، ويوجد في حينا بائع يمنح الزبائن الحرية في اختيار السلعة، لكنه يبيعها بضعف ثمنها، كأنه يتناول مقابلا على هذه الخدمة التي لا بد أن تكون واجبا اتجاه الزبائن وليس منّا عليهم. أما البائعون من جهتهم فقد صرحوا لنا أن هذه الطريقة في البيع تربحهم زبائن، ولكن قد تخسرهم كميات كبيرة من السلعة التي يعزف المواطنون عن شرائها، وهو ما يسبب لهم بعض الحرج أحيانا حيث صارحنا رضوان، وهو بائع خضر وفواكه في ذات السوق قائلا: "ما لا يعلمه الزبون أننا عندما نشتري السلعة من بائع الجملة، فانه لا يسمح لنا بالاختيار لهذا فإننا لا نستطيع أن نبيع الصالح ونترك الطالح، فالمواطن لا بد عليه أن يتفهم مهنتنا، قبل أن يحكم علينا، وأنا لا اترك المواطن يختار السلعة إلا في ساعات المساء المتأخرة، قبل أن أغلق محلي، ولا استطيع أن ادعه يفعل قبلها، وإلا فسأخسر أكثر مما اربح". أما رابح وهو بائع فواكه فقد عارض زميله عندما قال: "لا احد بإمكانه أن يفرض علي سلعة لا أريد بيعها، فانا انهض في الصباح الباكر لكي يتسنى لي الوقت لكي اختار منها ما يناسبني، فالمسالة أولا وأخيرا في يد التاجر، إذ لا بد عليه أن يحسن اختيار تاجر الجملة الذي يتعامل معه، وهو ما افعله أنا، كما لا بد عليه أن يتحلى بالضمير الذي يمنعه من أن يخدع زبائنه، او يبيعهم سلعة مغشوشة او مشوهة."