رئيس الجمهورية يشرف على انطلاق نهائي كأس الجزائر العسكرية لكرة القدم    السيد مراد يشرف على تنصيب أحمد بلحداد واليا جديدا لولاية تبسة    إطلاق حملات تحسيسية حول الكشف المبكر لمرض السكري    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 43736 شهيدا و103370 مصابا    تصفيات كأس إفريقيا 2025 لأقل من 20 سنة: أول حصة تدريبية لأواسط الجزائر بمصر    رئيس الجمهورية يعزي في وفاة الشيخ سيدي عبد المطلب التيجاني    حمزة حسام : طوفان الأقصى أعاد احياء القضية الفلسطينية كقضية تحرر أولى    الجزائر-الكونغو: التوقيع على بروتوكول اتفاق في مجالي الجيولوجيا والمناجم    الديناميكية المتواصلة للاقتصاد الجزائري سمحت برفع معدل النمو    المحكمة الدستورية تشارك بأرمينيا في أشغال الاجتماع 21 المختلط حول القضاء الدستوري    حوادث الطرقات: وفاة 53 شخصا وإصابة 232 آخرين خلال أسبوع    البوليساريو تجدد مطالبة مجلس الأمن بالتعجيل في تفعيل المسؤولية القانونية والأخلاقية للأمم المتحدة تجاه الشعب الصحراوي    إقبال واسع للزوار على جناح جامع الجزائر في أول مشاركة له بصالون الكتاب    سيلا 2024: دعوة إلى تثمين الشعر الثوري    مجلس الأمة: السيد فايد يعرض نص قانون المالية ل2025    الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم : الجزائري وليد صادي يعلن ترشحه رسميا لعضوية اللجنة التنفيذية للكاف    بداوي يُشدّد على كبح الجريمة    إحباط محاولات إدخال 9 قناطير من الكيف    مباراة رسمية بطابع تحضيري    شياخة يسرد تفاصيل مؤثرة عن دعم عائلته    بن جامع يدعو لفرض وقف إطلاق النار في غزّة    إبرام اتفاق مع جمعية الفجر    الدرك يفكّك عصابة تزوير واحتيال    مشروع إنجاز قطب حضري عمراني كبير ببودواو    لن نسامحكم..    كيف يخطط نتنياهو لتغيير الشرق الأوسط؟    الأمل في الله.. إيمان وحياة    عصرنة الخدمات على طاولة الحكومة    التصريح الجزائري في قمة الرياض لا يدعو إلى إعادة الحظر العربي ل1973    عقب جلسة التصويت على مشروع قانون المالية لسنة ،2025،فايد:    أمين شياخة فخور بأول استدعاء له مع "الخضر"    الجامعة العربية تحثّ كافة المؤسسات على تحمّل مسؤولياتها    التكفّل بدفع الأجور والعلاوات لمستخدمي قطاع الصحة    الجزائر تترأس لجنة "إيكات" لسمك التونة بقبرص    الاستثمارات ستساهم ب30% في الناتج الداخلي في 2025    منظمة حماية المستهلك تطلق حملتها الموسمية    أكتب عن تاريخنا القديم لتصفيته من الأكاذيب الاستعمارية    مؤتمر "كوب 29" للمناخ ينعقد في أجواء دولية بالغة التعقيد    جدي يفصّل "النقد ونقد النقد" عند طرابيشي    المطالبة برسم سياسة وطنية للكتاب    في روايتي الجديدة أسئلة عديدة حول الكتابة    "الرائد" في تنقل صعب و"العميد" و"الحمراوة" لخطف الريادة    مازة في مفكرة أتليتيكو مدريد الإسباني    توقيف 22 متورطا في عدة قضايا    مروجا المهلوسات بتيغنيف في قبضة الشرطة    بغلاف مالي قيمته 2.56 مليار دج: سوناطراك تموّل مشروع إعادة تأهيل الطريق الوطني رقم 3 بورقلة    صالون الكتاب: مشاركة المجلس الوطني لحقوق الانسان تهدف الى المساهمة في تعزيز نشر ثقافة حقوق الانسان    مشاركون في ندوة "الصوفية إرث وحضارة" : الزوايا قاومت الإستعمار.. وإرثها التراثي والحضاري لا يمكن تجاهله    حماية التراث الثقافي اللامادي : الجزائر شاركت بشكل فعال في صياغة اتفاقية اليونسكو    الجهاد في سبيل الله    لجنة مشتركة لمتابعة تهيئة شبكة السكة الحديدية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    إنتاج أدوية السرطان أولوية    رقم أعمال مجمع صيدال سيرتفع الى نحو 23 مليار دج بنهاية 2024    وزير الصحة يتفقد مركز طب الأورام للأطفال بمستشفى لمين دباغين بالعاصمة    دعوة لتطوير الممارسة الصيدلانية في الجزائر    إلا أن يتغمدنا الله برحمته    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرب يروّج ل خطر وهمي ويسعى إلى السيطرة
نشر في أخبار اليوم يوم 13 - 11 - 2024


مراصد
إعداد: جمال بوزيان
فيما الإسلام دين ومنهج عالمي دون تمييز
الغرب يروّج ل خطر وهمي ويسعى إلى السيطرة
تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ.
***
يوسف القرضاوي: الإسلام و الغرب تفاهم أم صِدام؟
أ.سعدون يخلف
مع كل هجمة غربية ضد جغرافية العرب والمسلمين ( العدوان الصهيوني الحالي على غزة) يعود الحديث عن أطروحة صِدام الحضارات لصموئيل هنتنغتون (1927- 2008) التي صاغها بعد تفتت الاتحاد السوفياتي وانهيار النظام الشيوعي إذ زعم في مقاله المشهور في مجلة فورين آفيرز (1993) أن الصراع وإن انتهى إيديولوجيا بعدما كانت للاختلافات السياسية والاقتصادية التأثير الغالب في نشوب النزاع بين الدول لكنه بعد الحرب الباردة سيتغير الوضع ويصبح الاختلاف الثقافي والديني هو المحرك الأساسي في النزاع بمعنى أن الصراع المستقبلي سيكون بين الحضارات المؤثرة في العالم محددا إياها في سبعِ حضارات أو ثمان ولعل أبرزها أي التي تشكل تهديدا على حضارة الغرب هي الحضارة الإسلامية أو بالأحرى الدين الإسلامي والحضارة الكونفوشيوسية أو الصينية وبدرجة أقل روسيا (المسيحية الأرثوذكسية).
ومن بين الذين ناقشوا هذه الأطروحة من منظور حضاري قيمي العلامة يوسف القرضاوي (1926- 2022) وهو من الشخصيات الدينية المؤثرة في العقود الأخيرة بإنتاجه الفكري الغزير وفتاواه المثيرة للجدل شخصية تركت بصمتها في تاريخ الإسلام بما قدمت من خدمات جليلة للأمة على الرغم من الاختلاف حوله ما بين مادح له ولعلمه ونضاله وبين قادح فيه وفي فتواه ومنهجه.
وفي الحقيقة أن الاختلاف حوله لا ينقص من قيمة الرجل ولا يقلل من نضاله وفكره فقد كان بحق مدرسة تنهل منها الأجيال كلامه مسموع وفتاواه مؤثرة ألف أكثر من مئة وسبعين كتابا في مختلف التخصصات العلمية الشريعة والفكر والتاريخ والأدب منها على سبيل المثال: العقل والعلم في القرآن الكريم الحلال والحرام في الإسلام الاجتهاد في الشريعة الإسلامية فقه الزكاة فقه الجهاد الإسلام والعلمانية وجها لوجه عالم وطاغية (مسرحية تاريخية).
بين صِدام الحضارات ونهاية التاريخ
يرى الشيخ يوسف القرضاوي مبدئيا أن أطروحة صِدام الحضارات لا تختلف كثيرا من حيث الأهداف عن رؤية فرانسيس فوكوياما (1952) القائلة ب نهاية التاريخ (1989) التي يزعم فيها أن التاريخ انتهى وأن النظام الليبرالي الديمقراطي والاقتصادي هو الشكل الأخير لانتقال البشرية إلى الفردوس الأرضي الموعود حيث المساواة والسلام والعيش السعيد فكلتاهما في الحقيقة استراتيجية تعمل على ضمان بقاء الهيمنة الغربية على العالم وإن اختلفت العبارات الدالة على ذلك من حيث القوة والليونة ومن حيث الحرب أو السلام ولهذا يخلص في التحليل الأخير إلى أنهما محاولتان لتحديد أو معرفة من هم أعداء الغرب في المستقبل من أجل إعداد العدة لهم من هو العدو الطارئ أو المؤقت ومن هو العدو الدائم؟ ولحساب من تدور عجلة التاريخ؟ لأي فلسفة؟ ولأي نظام؟ ولأي أمة؟ ومن ثم فإن القضية هي حسابات استراتيجية مستقبلية والهدف المخفي من وراء ذلك يتمثل في كيفية كبح أي منافس أو عدو يريد استهداف هيمنة الغرب وفي سبيل تحقيق ذلك تفتعل الأزمات وتشعل الحروب وتختلق الفوضى.
صدام الحضارات:
لقد كان العالم يأمل بعد نهاية الشيوعية الدخول إلى الفردوس الأرضي المبشر به من طرف الدعاية الغربية فيأتي هنتنغتون من دون مقدمات فيهدم ذاك الأمل معلنا في الوقت نفسه أن انهيار النموذج الشيوعي ليس معناه نهاية مسببات الحرب ولا انعدام موجبات النزاع بين الدول ولا سيادة منطق التفاهم والسلام على منطق الخلاف والقوة لأن ما يتبدل في الحقيقة وفقالهنتنغتون هو المحرك الحقيقي للصراع إذ ينتقل من الفاعل الإيديولوجي إلى فواعل أخرى لا تقل تأثيرا عن الفاعل الأول متمثلة هنا في الاختلاف الحضاري أو الثقافي باعتبار أن الثقافة هي جوهر الحضارة وعلى الرغم من كل ما قيل عن هذه الأطروحة إلا أنها تحمل في ثناياها إيجابيات محمودة ولعل من أبرز تلك الإيجابيات بحسب القرضاوي هي اعتراف هنتنغتون أن هناك حضارات مختلفة في العالم يتميز بعضها عن بعض وهذا في حد ذاته أمر مهم وفيها زيادة على ذلك ردٌّ على مزاعم البعض عندما يجعلون من الثقافة أو الحضارة الغربية هي الحضارة الكونية الوحيدة في هذا العصر.
فضلا عن ذلك وهذا هو الأهم اعترافه بالحضارة الإسلامية كواحدة من أبرز الحضارات القوية والمؤثرة الموجودة في العالم الآن.
وبما أن العالم هو مجموعة فسيفسائية من الثقافات والحضارات المعبرة عن التنوع والتلون والاختلاف فهل الصدام بينها ضرورة؟ أم هل هو مجرد احتمال فقط؟
هل صِدام الحضارات ضرورة؟
ينطلق الشيخ يوسف القرضاوي في الجواب عن هذا السؤال من قاعدة فقهية تناولها علماء الدين مفادها: الأصل في العلاقة بغير المسلمين: الحرب أو السلم؟ إذ يرى أن هناك من يزعم أن الأصل فيها هو الحرب وهناك من عارض ذلك بالقول إن الأصل هو السلم والقتال عارض مستدلا على ذلك بالعديد من النصوص القرآنية أو السنة النبوية منها قوله تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وبالتالي فالحرب حسبه مشروعة في حدود معينة وفي ظروف خاصة ووفق شروط مهمة بعبارة أخرى أن الحرب تستمد عادلتها من توفر أسبابها وموجباتها من ردّ للعدوان ودفاع عن الأرض ولكن عندما تنتفي هذه المسببات والموجبات فستنتفي بالطبع ضرورتها ولزومها بين المختلفين.
وبناء على هذا يصل إلى نتيجة مفادها أن صِدام الحضارات ليس ضرورة تفرضها طبيعة الاختلاف في الحضارات فبإمكانها أن تتعايش وتتحاور وبإمكانها أن تتعارف وتتفاهم وتأخذ بعضها من بعض عن طريق الأخذ والعطاء يقول القرضاوي: فقد تستطيع الحضارات المختلفة أن تتحاور وأن تتعايش ولا تتصارع بل يأخذ بعضها من بعض عن طريق التلاقح والتبادل .
لكن المشكلة الحقيقية تظهر عندما تريد حضارة ما فرض قيمها ونشر أفكارها وتعميم نموذجها بمنطق القوة وتجد في المقابل معارضة من الآخر الرافض للذوبان والتميع فعندئذ ينشأ الصراع ويسود الصدام على أن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: ما البديل عن الصِدام؟ هنا الشيخ القرضاوي يعود مرة أخرى إلى ثقافته الدينية من أجل إيجاد البديل الأفضل عن الصِدام البديل الذي يقلل من الحروب والنزاعات وينقص من مفعول الأحقاد والضغائن ويقود من ثم البشرية إلى التقارب والتعارف والتعايش والبديل المقصود هو سنة التدافع المركزة في الخلائق من عالم النبات إلى الحشرات إلى الحيوان إلى عالم الإنسان والتدافع كما هو معلوم سلاح ذو حدين فهو يدفع الفساد عن الأرض ويمنع الأقوياء من استضعاف الضعفاء وبالتالي فهو ضرورة ولولاه لسادت شريعة الغاب يقول القرضاوي موضحا الفكرة: فالتدافع سنة كونية وضرورة لدفع الفساد من الأرض حتى لا يبغي بعض الناس على بعض ويغتال الأقوياء المستضعفين فلولا هذا التدافع لساد قانون الغاب وافترس القوي الضعيف أو الأضعف منه وأكل الكبير الصغير كما هو قانون البحر .
على صعيد متصل يحاول القرضاوي تفسير الداعي الحقيقي للصدام بين الحضارات طارحا التساؤل التالي: أهو صِدام حضارات أم صِدام مصالح أم صِدام أديان؟.
لا ينفي الدكتور القرضاوي أن الصِدام قد يكون منشأه حروب المصالح كما يرافع بذلك المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1935-2010) الغرب مصالح ولا شيء غير المصالح وكل حوار معه أو تفكير ضده لا ينطلق من المعادلة التالية (الغرب = المصالح) إنما هو انزلاق وسقوط في شباك الخطاب المغالطي التمويهي السائد في الغرب وأن الغرض من إضفاء البعد الحضاري أو الديني أو الثقافي على الصراع حسبه هو إخفاء الهدف الحقيقي ب صرف الأنظار عن المصالح وتوجيهها إلى الانشغال بما يخفيها يرى الجابري أن المصالح هي العامل الأساسي في الصراع بين المختلفين وما سوى ذلك فهو تابع لها ودليله على ذلك أن أمريكا استغلت الإسلام في حربها ضد الاتحاد السوفياتي على أرض أفغانستان وكان أفضل حليف وخير داعم.
إن الجابري في هذا الصدد يحاول إنكار الواقع والقفز على حقائق التاريخ لأن هنتنغتون نفسه لا يخفي أن من بين أهداف رؤيته الصِدامية هذه استهداف الإسلام كونه قوة قادرة على لجم الغرب وكبح هيمنته وبالتالي فالخوف من الإسلام هو الداعي الأساسي لهذه الأطروحة وما سوى ذلك فهو يأتي تبعا يقول القرضاوي رادا على الجابري: صحيح أن الغرب تحكمه المصالح قبل كل شيء ولكن الغرب بالنسبة للإسلام تحكمه -مع المصالح- عقد قديمة جديدة هي عقدة الحقد وعقدة الخوف بمعنى أن الحقد الناتج عن الماضي والخوف الذي يثور في النفوس مما يحمله المستقبل من عودة للإسلام هو من يتحكم في سلوك الغرب تجاه الإسلام والمسلمين ومن ثم كما يستنتج الدكتور في الأخير: أن هاجس الخوف مع هاجس الحقد هما اللذان يؤثران في السياسة الغربية بل والفكر الغربي دائما تجاه الإسلام .
الخلاصة: الإسلام و الغرب تفاهم أم صِدام؟
بناء على ما سبق هل العلاقة بين الإسلام و الغرب علاقة تعارف وتفاهم أم صراع وصِدام؟ للجواب عن هذا السؤال يقوم الشيخ يوسف القرضاوي ببيان حقيقة الإسلام باعتباره رسالة عالمية إذ يؤكد أنه لا فرق بين شرق وغرب فهما جزء من مملكة الله ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله كما أن الغربيين هم جزء من العالمين المستهدفون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين لكن مشكلة الغرب أنه يتغذى على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الصِدام من خلال إحياء عقدة الحقد التي كانت في الماضي وتسويقه للخطر الذي يمثله الإسلام على الغرب في مجتمعاته من خلال إعلامه ومراكز أبحاثه.
وبما أن الإسلام رسالة عالمية فالمطلوب من المسلمين الانفتاح على الغرب والعمل على نسج كل ما يؤدي إلى اللقاء والتقارب والتفاهم في المقابل ذلك يجب على الغرب التقليل من منسوب العداوة مع العالم الإسلامي ويبدأ ذلك بأن يتخلى عن أحقاده القديمة وأطماعه الجديدة والرغبة في السيطرة وأن يتخلى عن استعلائه ونظرته الفوقية ويتعامل مع الآخرين بأنهم جزء من الإنسانية وأن يتجرد من مخاوفه من المسلمين ويرفع يده عن بلادهم لكي تكون حرة مستقلة وألا يتخذ منهم أعداء خطرين على مشروعه وعلى الغرب أن يدرك أن الإسلام ليس خطرا إلا على الإباحية والإلحاد وعلى الظلم والاستعباد وعلى الرذائل والفساد وفيما عدا ذلك هو رحمة الله للعالمين والمسلمون هم دعاة الخير والمحبة والسلام للعالم .
===
المستشرقون الجدد والعدوان على غزة..
عودة لصدام الحضارات
* طارق الزمر
لا شك أن الهجمة العدوانية التي تقودها الحكومات الأمريكية المتعاقبة على العالم الإسلامي ولا سيما منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تدعو إلى المزيد من الدراسة للوقوف على خلفياتها وأهدافها وأهم مشكلاتها الفكرية.. ولا شك أن الوقوف على نتاج المستشرقين الجدد في الولايات المتحدة يعد من أهم مشكلات الوعي بهذه الحقبة العدوانية ولا سيما تجاه قضية فلسطين وما نشاهده ويشاهده العالم معنا اليوم من الإبادة الجماعية في غزة وذلك بعد أن عاينا التدمير الشامل والوحشية منقطعة النظير في العدوان على أفغانستان والعراق.
فكل ذلك لم يأت من فراغ بل جاء محملا بعبوات شحن فكري ونفسي بالغة الكراهية فقد بلور المستشرقون الجدد بالفعل صورة شوهاء للإسلام والمسلمين كما أنهم لم يتصوروا غير الصدام مع العالم الإسلامي وحتى النهاية. وبرغم أنهم في ذلك ليسوا منفصلين عن التراث التاريخي للاستشراق الغربي المعبأ بذات المضامين إلا أن معاصرتهم وتأثيرهم الواضح يلزم بضرورة الوقوف على جوانب تفكيرهم وتصورهم للعلاقة مع العالم الإسلامي.
وأهم من عبّر عن هذا الاتجاه الصدامي داخل العقل الإستراتيجي الأمريكي: صموئيل هنتنغتون وبرنارد لويس ولأننا نشهد اليوم في حرب الإبادة المشرعة تجاه غزة صورة واضحة من صور صدام الحضارات فإن أهمية كتاب صموئيل هنتنغتون صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي تتصدرها جميعا وخاصة أنه يؤكد على ضرورة المواجهة بين الحضارة الغربية (المسيحية اليهودية) مع الإسلام كما أنه يمثل التيار الأهم بين النخب الثقافية والسياسية في الولايات المتحدة والتي تتحكم إلى حدّ كبير في مؤسسات الحكم والمجتمع الأمريكي.
أما عن أهم محاور الكتاب التي تتعلق بالإسلام والعالم الإسلامي فيمكن رصدها كالتالي:
1- التأكيد على أن الحضارة الإسلامية عادت تفرض وجودها بشكل تدريجي وأصبحت تشكل تحديا سافرا للغرب ولا سيما خلال الربع الأخير من القرن العشرين.
2- يحاول الكتاب تثبيت فرضية خطورة الإسلام ويحرض على مواجهته وإن أدخل الصين في هذه الحرب إلا أن ذلك يأتي بشكل عرضي مثل الحديث عن احتمال التحالف الصيني/ الإسلامي.
3- يصف العلاقة بالإسلام بأنها علاقة صراع وتصادم في كثير من الأحيان ويؤكد على أن المشكلة لا تتعلق بالإسلاميين وإنما الإسلام نفسه ولهذا فهو يطرح فكرة صدام الحضارات من خلال فكرة العدو البديل للشيوعية.
4- يعتبر الكتاب أن السبب الرئيس لتحدي المسلمين للحضارة الغربية إنما يعود لنموهم الديموغرافي وحيويتهم وانبعاثهم الثقافي والاجتماعي والسياسي المتواصل ورفض القيم والمؤسسات الغربية وتوجه غالبيتهم نحو الإسلام كمصدر للهوية والتوازن والشرعية والقوة والتنمية والأمل وذلك في إطار شعار مركزي الإسلام هو الحل .
5- كما يعتبر أن الانبعاث الإسلامي الذي تشهده المنطقة والذي يتميز بالشمول والعمق والاتساع هو المرحلة الأخيرة لتموقع الحضارة الإسلامية بالنسبة للغرب فهو جهد داخلي كبير يبحث عن حل إسلامي لا يعتمد على الأيديولوجيات الغربية كما يستند إلى الإسلام كمنهج حياة ويرفض الثقافة الغربية.
6- كما يرى أن الإسلام يمتلك العديد من المخاطر على الغرب منها النمو السكاني الكبير و الثروات الطبيعية والحركية الاجتماعية التي تحدثها الحركات الإسلامية في شتى مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والتي ستؤدي إلى امتلاك زمام الحكم.
7- برغم أن المسلمين لا يمتلكون قوة عسكرية أو اقتصادية كبيرة.. وبرغم أنهم لا تتوافر لديهم دولة محورية تجمع قوى العالم الإسلامي المبعثرة إلا أنهم يعدون أخطر من الحضارة الصينية فلقد كان الغرب دائما تحت تهديد الإسلام كما أنه يهدده اليوم من داخله من خلال تزايد عدد المهاجرين داخل المجتمعات الغربية والنمو الكبير لأعداد المهاجرين.
8- ويؤكد الكتاب على أن أطماع الغرب وعمله على فرض عالميته تقوده حتما إلى الدخول التدريجي في صراع مفتوح مع الإسلام والصين.
9- كما يعتقد أن ظهور حروب حدودية على المستوى المحلي بين المسلمين وغير المسلمين ستنشئ تحالفات جديدة تؤدي إلى تصعيد العنف.
10- ويروج الكتاب لأن الحضارة الإسلامية تمثل الحدود الدموية في العالم فهي الحضارة الوحيدة التي لها علاقات صراع مع كل الحضارات عدا الصين وذلك في تجاهل واضح لمحنة الأويغور في تركستان الشرقية.. لهذا فهو يحذر من إمكانيات التحالف الذي بدأت تظهر معالمه بين الصين والإسلام في مواجهة الغرب الذي يعد عدوا مشتركا بالنسبة لهما.
11- كما يرى أن الصدامات الخطيرة المرتقبة والتي ستشكل مستقبل العالم ستكون بين ما أسماه الكبرياء الغربي و اللاتسامح الإسلامي ! و إرادة فرض الذات الصينية ولا يستبعد التحالف الإسلامي/ الصيني في مواجهة الغرب الذي يمثل العدو المشترك لهذا فهو يحذر من إمكانية نقل التكنولوجيا الخاصة بالصواريخ وأسلحة الدمار الشامل إلى العالم الإسلامي عبر الصين وكوريا الشمالية ويؤكد على خطورة التعامل بين دول هاتين الحضارتين.
12- ضرورة تنبيه الغرب إلى المخاطر التي تهدده من الداخل بسبب الانهيار الأخلاقي و الانتحار الثقافي و التفكك السياسي والتي تعتبر أخطر من ضعف النمو السكاني و الركود الاقتصادي و المخدرات كما أن العنف يتنامى داخل المجتمعات الغربية والأسرة تنهار (ارتفاع معدلات الطلاق- الأولاد غير الشرعيين- حمل المراهقات.. إلخ) كما أن المشاركة المجتمعية التطوعية تتآكل كما يتراجع الاهتمام بالمعرفة والنشاط الفكري.. وفي الوقت الذي يرى الكتاب أن استمرار قوة الغرب مرتبطة بقدرته على مواجهة هذه المشكلات فإنه يرى أن الشعوب المسلمة تتميز على الغرب فيها.
13- وأهم ما ينصح به الكتاب لمواصلة الهيمنة الغربية والتصدي للانبعاث الإسلامي و الحضارة الصينية الآتي:
- حسن إدارة الاندماج السياسي والاقتصادي والعسكري بين أمريكا وأوروبا وتنسيق السياسات بينهما.
- إدماج أوروبا الوسطى في الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلنطي.
- تشجيع حركة تغريب أمريكا اللاتينية والعمل على إلحاقها بدول الحضارة الغربية.
- السيطرة على القوة العسكرية التقليدية وغير التقليدية في العالم الإسلامي.
- اعتبار روسيا دولة محورية في العالم الأرثوذكسي وتوظيفها في مواجهة الإسلام في آسيا الوسطى.
- إبعاد اليابان عن الصين ومنع الشعوب الصينية من امتلاك أسباب القوة العسكرية وإدارة حرب باردة اقتصادية على الجبهة الصينية وسياسية على الجبهة الكورية الشمالية.
- استمرار الهيمنة العسكرية والتكنولوجيا الغربية على كل الحضارات.
- استغلال الخلافات والصراعات بين الدول الإسلامية والكونفوشية (الصينية).
- الاستعداد الغربي لصراع مرير مع التحالف الإسلامي/ الصيني لقهره ولو بالقوة ثم التعايش معه بعد ذلك!
ومن المهم ملاحظة أن هنتنغتون قد عاد بعد 11 سبتمبر 2001 يدعو إلى إدارة حرب داخل الإسلام حتى يقبل بالحداثة والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي: فصل الدين عن الدولة كما ورد في نيوزويك (فبراير 2002) وهو ما دعا إليه أيضا توماس فريدمان الذي اعتبر أن الحرب الحقيقية في المنطقة الإسلامية هي في المدارس! وهو ما يجب أن يلفت الانتباه للأدوار المدعومة والمرسومة لدعاة الحداثة و التكوين الفكري الجديد على أنقاض الثقافة والثوابت الإسلامية.
====


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.