بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف المرسلين، سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أمّا بعد، فهذه خلاصة تقريري عن قافلة »الحرّية« التقرير.. شهادتي.. توجت التحضيرات بالانطلاق يوم22 / 05 / 2010 من المطار الدولي »هواري بومدين«، من وفد جزائري يتألّف من 32 فردا لم يكونوا يعلمون ماذا يخبّئ لهم القدر في صحائفه. كان ينظّم هذه المجموعة ثلاثة أحزاب إسلامية هي: حركة مجتمع السلم، حركة النّهضة وحركة الإصلاح، كانت المجموعة مؤلّفة من رجال ونساء معروفين في الساحة السياسية والإعلامية، ومن هذه الأخيرة أربعة صحفيين من ثلاث جرائد مهمّة في الوطن هي: »الخبر«، »الشروق« و»الجزائر نيوز«، كان التآلف صفة غالبة على مجموعة قافلة »الحرّية«، بحيث لم يبدر خلق سيّئ من أحد حتى عودة المجموعة سالمة إلى ربوع الوطن، نوّه بذلك رئيس الوفد نفسه، فقد كنّا أسرة واحدة، هذا لا يختلف عليه اثنان. كان الوفد يشعر وكأنه ذاهب إلى نزهة منذ الانطلاقة من مطارنا إلى مطار إسطنبول، فمطار أنطالية في جنوب تركيا. في هذه الرّحلة المنظّمة الرّائعة ظهرت على جميع الوفود مظاهر السياحة بسبب مكوثنا هناك حوالي أربعة أيّام، وكذا بسبب انتظار الوفد الأوروبيتن، حيث كان المؤمل في البداية أن نلتقي به في قبرص، وعرقلت رحلتهم فبقوا ينتظرون السماح لهم، وأخيرا إلتمّ جميع أعضاء قافلة »الحرّية« في عرض البحر الأبيض المتوسّط. بيد أن المكوث بأنطاليا لمدّة تزيد عن أربعة أيّام كان جمّ النشاط لكلّ الوفود الملتقية هناك. فإلى جانب السياحة في زورق فاخر في ميناء المدينة دام ساعتين التقط الوفد بعناصره ومن معهم من العرب والأجانب مئات الصور على متن القارب الجميل، كل حجزت في الهواتف والكاميرات وبقيت في إسرائيل إلى الأبد بعد ذلك. نقول إلى جانب ذلك ساعتان أخريتان أتيحت لنا الفرصة فيهما أن نرتاد منتزها من أجمل المنتزهات التي رأتها أعيننا، وكان هذا الترفيه المتتالي يأتي دائما عقب النشاطات في فندق »قرطاس« أو في القاعة المتعدّدة الرياضات، حيث نصبر على الندوات والحفلات التي تقوم بالحشد تلو الآخر قصد التحضير الجيّد للإنطلاق المحتمل في كلّ يوم، وكانت الكلمات والمكالمات والمناقشات والمداخلات جعلت مدينة أنطاليا تبدو كأنها خلية نحل، وكنّا نشعر بأننا في بلد قرّر أن يحدث القطيعة مع إسرائيل، ولذلك لم نشعر بأدنى حرج من المجتمع التركي المضياف، الشجاع، الصبور ونحن نمارس نشاطاتنا المتنوّعة. وقد تواردت الوفود وأعطى الفلسطينيون الحاضرون معنا نكهة مميّزة لوجودنا في أنطاليا، مثل رائد صلاح والمطران كابوتشي وحنين الزغبي العضو في الكنيست الإسرائيلي. كانت الحفلات المتكرّرة في القاعة المتعدّدة الرياضات يغلب عليها الطابع الحماسي بتقديم رؤساء الوفود وبعض الشخصيات المميّزة في أن قافلة »الحرّية« ذاهبة لفكّ الحصار عن غزّة مهما تكن العواقب، وكان طابع التفاؤل غالبا على كلمات المتدخّلين، وكنّا نتدخّل أو نصرّح للقنوات الفضائية ونحن نعرف أن صوتنا يصل إلى كلّ زوايا الكرة الأرضية، وإن كنّا تفاجأنا بتفاعل أمّتنا الإسلامية معنا وبما رأيناه من شعوب الأرض قاطبة، وكان ذلك ما حمل الأنظمة على اللّحاق على استحياء مع شعوب في التضامن مع هذه القافلة، ويطيب لي ونحن في أنطاليا أثناء مكوثنا في المدّة المذكورة آنفا، أن أرصد مايلي: - التآلف السريع لوفودنا مع بعضها البعض دون استثناء. - إنضمام بعض الأفراد من مصر والمغرب وتونس (صحفي فقط) ولبنان إلى وفدنا الذي كان يتكرّم على الجميع بالخلق الطيّب بالموائد العامرة تسدّد من جيوب جزائرية كريمة. - استعداد الوفود لأقصى التضحيات واعتبار ما يحدث لنا شهادة في سبيل اللّه، وأن ما يحدث لنا ربح بلا خسارة مهما يكن نوعه ومستواه في الألم والبلاء. - الإكثار من اللقاءات الجانبية مع بعض الوفود للاطّلاع على آرائهم والتعرّف عليهم ومدّ الجسور معهم. - لقاءات التشاور مع بعضنا نحن الوفد الجزائري للتقييم والتلاحم وإذكاء روح الأخوّة، وحسن تمثيل الجزائر وكذا عناويننا السياسية. - قيام الليل أحيانا بعد العشاء وقبل صلاة الفجر في مطعم الفندق المصحوب بالقنوت. - التقاط صور جماعية لعشرات المرّات خلت من وإلى ربوع الوطن الحبيب ما أرسل قبل الإنزال المشؤوم. - وفّق رئيس الوفد الجزائري في تعامله مع مجموعته ال 32، فلم نراه أساء إلى أحد أو حجر على رأيه أو أغلظ له في القول، والمميّز في ذلك صبره على ذلك حتى افترقنا يوم 02 / 05 / 2010 في مطارنا الدولي على الساعة ال 24 على أمل العودة إلى تركيا بنفس الوفد نحدّده في وقت لاحق إن شاء اللّه. - تميّز رائد صلاح بكلماته في الندوات التي حضرها في قاعة الفندق أو القاعة المتعدّدة الرياضيات، وممّا نذكره دائما من هنا في تركيا بدأت إسرائيل قيامها المزعوم وكذلك من هنا تنتهي. كما تميّز هذا الشيخ الجليل بشيء ينفرد به في نظري، وهو هدوءه النابغ من إيمانه وتواضعه الجمّ وابتسامته الساحرة. - الشيء الذي يستدعي الانتباه ما كانت تفعله مواطنته في داخل عرب 1948، العضو في الكنيست الإسرائيلي حنين الزغبي، حيث صبّت جامّ حقدها على الكيان الغاصب، وعرّفته بحقيقته في مداخلاتها وتصريحاتها والردود على الأسئلة الموجّهة إليها، وحقّا كانت تكرّر لدغ الكيان كالحيّة. - وممّا عرفناه في الوفد اللبناني وجود رجل يضاهي حقده حقد مواطنه هاني سليمان الذي أصيب بعد ذلك في السفينة بجروح بالغة، وحمّل على الأكتاف وهو يلوّح بعلامة النصر (V) وحمل في طائرة مروحية مع بقّية الجرحى الخطيرين. هذا اللبناني صاحب سليمان أو صاحبه سليمان، يحمل صورة وأقراصا مدمجة تريك إمرأة يحيط بها (04) شبّان هم أولاده وقد استشهدوا جميعا في غارات الطيران على لبنان في حرب 2006 التي استبسل فيها حزب اللّه في ردّه الرادع لإسرائيل في حرب مميّزة ضد إسرائيل كما يعرف الجميع، ونحن قافلة سلمية كنّا نخاف من الرجل أن يورّطنا عند اللقاء بالعدو بشيء لا نتوقّعه منه، وذكر أنه لم يتزوّج بعد استشهاد أسرته، ويرى أنه لا معنى لحياته إلاّ بأن يلحق بهم شهيدا. - تميّز وفدنا الجزائري بقيام الليل والسهر على عقد الندوات في قاعة الفندق لتوضيح جوانب الرّحلة المرتقبة لأخذ العبر والتسلّح بتجارب القوافل التي تبعتنا. - صحبنا العلم الجزائري كظلّنا في أنطاليا وفي البحر وإلى إسرائيل، ونجح البعض في أن يكون معهم ورجع معهم إلى أرض الوطن. - كان المزاح البريء الذي برع فيه البعض يصحبنا طوال مكوثنا في أنطاليا واستمرّ معنا عرض البحر، ومنها: أن شخصية مرموقة في البلاد بعث في الوفد زوجته ليتخلّص منها وينال لقب زوج شهيدة، لكن لمّا طار في الطائرة الخاصّة من الجزائر لاستقبالها سالمة في مطار عمان، قال له أحد أعضاء الوفد وهو يحتضنه: كتب اللّه أن تكون زوج المجاهدة وليس زوج الشهيدة، فردّ ببسمته المعروفة: اللّه غالب! قال ذلك وهو يكتم ضحكة كادت تخرج مجلجلة في قاعة الركوب بالمطار. - أنا شخصيا لم أر أجمل من مدينة أنطاليا التي مكثنا بها ما يقرب من أسبوع، إنها المدينة الأنظف التي رأيتها في حياتي، تتميّز بالاقتصاد في المعيشة والرشد في ذلك لا يخفى على الغريب والقريب، شوارع واسعة جدّا، يصول ويجول في أغلب شوارعها الترامواي يسهّل النّقل داخل المدينة إلى حدّ العجب. وما أجمل العمارات وهي تعلوها صهاريح المياه والألواح من الطاقة الشمسية فوق كلّ العمارات بلا استثناء. - لا شرطة في المدينة الكبيرة جدّا، ولم نر اثنين يتخاصمان ولو لمرة واحدة إلى يوم مصاحبة الموكب إلى السفينة. - الاحترام الكبير لعدم التدخين في الأماكن العامّة يبدو أن القناعة لدى الجميع باحترام القانون. - لم نشاهد كنيسة واحدة رغم إصرارنا على ذرع شوارع المدينة يوميا، فقلنا معلّقين: ماذا فعل إذن أتاتورك الرجل الهالك؟ نؤكّد لم نر كنيسة واحدة. - أتاتورك هذا الرجل موجود في كلّ مكان بصوره في مرافق الدولة، وفي المحلاّت، ومصوّرا في الزرابي عكس أردوغان الذي لم نر له صورة واحدة في كلّ جوانب مدينتي إسطنبول وأنطاليا. - كانت كلمات الشيخ رائد صلاح ومواطنته حنين الزغبي ولولاند يلدريم عواصف مزمجرة تعمل على اقتلاع إسرائيل من منبتها المزعوم في أرض فلسطين. - كانت جمعية الإغاثة الإنسانية التركية قد نشطت في الجزائر قبل انطلاق قافلة »الحرّية« بعدّة أسابيع استجاب لها أثناء التعبئة حمس، النهضة والإصلاح ورفض حزبا السلطة المشاركة في قافلة »الحرّية« لكنهما شاركا في التصوير بعد ذلك مشكورين. - من أعضاء الجمعية المذكورة أعلاه الشابّ البدين حسن الذي رأيناه في السفينة معنا، وكان هو الذي جاء إلى الجزائر واستقبلنا في مطار إسطنبول، وكان معنا في واد وناد، إلاّ أنني لم أره مع الأتراك في السجن بعد ذلك أثناء الصلاة والوجبة الوحيدة التي أكلناها في السجن الوحيد الذي دخلته في حياتي. - كانت التوقّعات في الكلمات التي قيلت في الندوات قريبة جدّا من الواقع لأنها مستقاة من واقع زيارة بعضهم لغزة قبل رحلة قافلة »الحرّية«. نهاية الحلقة الأولى بقلم: حملاوي عكوشي