** أصدر الداعية السعودى المعروف الشيخ محمد بن صالح المنجد فتوى تقضى بوجوب الطهارة قبل لمس جهاز الهاتف المحمول أو الأجهزة الإلكترونية المشغلة للقرآن الكريم، والتي تظهر على شاشاتها الآيات القرآنية كأجهزة "آي باد" أو "آي فون" وبعض الأجهزة الأخرى. وجاء فى الفتوى: أن القرآن إذا ظهر على الشاشة صار للجهاز حكم المصحف (الطهارة للمس) فإذا اختفى زال الحكم. فهل هذه الفتوى مجمع عليها بين الفقهاء أم هو رأي تبناه الشيخ؟ وما دليل من يقول بأن المصحف لا يشترط الطهارة للمسه؟. * الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فلا يشترط الطهارة في مس المصحف إذا كان على أجهزة التشغيل الحديثة المتنوعة أو المكتوبة، مع بيان استحباب الوضوء، وإليك تفصيل ذلك في فتوى الشيخ حسين عامر من علماء الأزهر الشريف: الطهارة لمسُّ المُصْحَفِ للعلماء فيها أقوال: الرأي الأول: قَول الأئمة الأربعة :يحرم على المحدِث (حدثاً أصغر أو أكبر) مسُّ المصحف، واستدلوا بالآتي: 1- قوله تعالى: " إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ *تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الواقعة:77-80). وجه الدِّلالة: أنَّ الضَّمير في قوله: "لا يمسُّه" يعود على القرآن؛ لأن الآيات سِيقت للتَّحدُّث عنه بدليل قوله: "تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الواقعة) والمنزَّل هو هذا القرآن، والمُطَهَّر: هو الذي أتى بالوُضُوء والغُسُل من الجنابة؛ بدليل قوله: " وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ" (المائدة:6). 2- ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبيُّ إلى أهل اليمن وفيه: "... ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر". والطَّاهر: هو المُتطهِّرُ طهارة حسِّيَّة من الحَدَث بالوُضُوء أو الغُسُل؛ لأن المؤمن طهارته معنوية كاملة، والمصحف لا يمسُّه غالباً إلا المؤمنون، فلما قال: "إلا طاهر" عُلم أنها طهارة غير الطَّهارة المعنوية، بل المراد الطَّهارة من الحَدَث، ويَدُلُّ لهذا قوله تعالى: " مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ" ( المائدة:6) أي طهارة حسِّيَّة؛ لأنه قال ذلك في آية الوضوء والغُسل. 3- من النَّظر الصَّحيح: أنَّه ليس في الوجود كلام أشرف من كلام الله، فإذا أَوْجَبَ الله الطَّهارة للطَّواف في بيته، فالطَّهارة لِتِلاوَةِ كتابه الذي تَكَلَّم به من باب أولى؛ لأننا نَنْطق بكلام الله خارجاً من أفواهنا، فَمُمَاسَّتنا لهذا الكلام الذي هو أشرف من البناء يقتضي أن نكون طاهِرِين؛ كما أن طوافنا حول الكعبة يقتضي أن نكون طاهرين؛ فتعظيماً واحتراماً لكتاب الله يجب أن نكون على طهارة. الرأي الثاني: قَول داود الظَّاهري والشوكاني ووافقهم حديثا الألباني والقرضاوي وبعض أهل العلم: لا يحرم على المُحْدِثِ أن يَمَسَّ المصحف. واستدلُّوا: بأن الأصل براءة الذِّمة؛ فلا نُؤَثِّم عباد الله بفعل شيء لم يَثْبُتْ به النَّص. وأجابوا عن أدلَّة الجمهور: أما الآية فلا دلالة فيها؛ لأن الضَّمير في قوله: "لا يمسُّه" يعود إلى "الكتاب المكنون"، والكتاب المكنون يُحْتَمَلُ أن المرادَ به اللوحُ المحفوظ، ويُحْتَملُ أن المرادَ به الكتب التي بأيدي الملائكة. فإن الله تعالى قال: "كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ *فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ *فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ *مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *كِرَامٍ بَرَرَةٍ" (عبس:11-16)، وهذه الآية تفسير لآية الواقعة؛ فقوله: "فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ" كقوله: "فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ"، وقوله: " بِأَيْدِي سَفَرَةٍ"، كقوله: "لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ". والقرآنُ يُفسِّر بعضه بعضاً، ولو كان المراد ما ذَكَرَ الجمهور لقال: "لا يمسُّه إلا المطَّهِّرون" بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين، وفرق بين "المطهَّر" اسم مفعول، وبين "المتطهِّر" اسم فاعل، كما قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" ( البقرة:222). وأما قوله: "تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" فهو عائدٌ على القرآن؛ لأن الكلام فيه، ولا مانع من تداخل الضَّمائر، وعود بعضها إلى غير المتحدَّث عنه، ما دامت القرينة موجودة. ثم على احتمال تساوي الأمرين فالقاعدة عند العلماء إنه إِذا وُجِدَ الاحتمال بَطلَ الاستدلال؛ فيسقط الاستدلال بهذه الآية؛ فنرجع إلى براءة الذِّمة. وأما بالنسبة لحديث عمرو بن حزم: فهو ضعيف؛ لأنه مُرسَل؛ والمرسل من أقسام الضَّعيف؛ والضَّعيف لا يُحْتَجُّ به في إثبات الأحكام؛ فضلاً عن إِثبات حُكْمٍ يُلْحِقُ بالمسلمين المشَقَّة العظيمة في تكليف عباد الله ألا يقرؤوا كتابه إلا وهو متوضؤون. وإذا فرضنا صِحَّتَهُ بناء على شُهْرَتِهِ فإنه كُتِبَ إلى أهل اليَمَنِ، ولم يكونوا مسلمين في ذلك الوقت، فَكَوْنُهُ لِغَيْرِ المسلمين يكون قرينة أنَّ المراد بالطَّاهر هو المؤمِن. فإن كلمةَ "طاهر" تَحْتَمِلُ أن يكونَ طاهرَ القلب من الشِّرك، أو طاهر البَدَنِ من النَّجَاسَة، أو طاهراً من الحدث الأصغر أو الأكبر، فهذه أربعة احتمالات، والدَّليل إِذا احتمل احتمالين بَطلَ الاستدلالُ به، فكيف إِذا احتمل أربعة؟ وكذا فإِن الطَّاهر يُطْلَقُ على المؤمن لقوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ" (التوبة:28)، وهذا فيه إثبات النَّجاسة للمُشرك. وقال: "إِنَّ المؤمنَ لا يَنْجُس"، وهذا فيه نَفْيُ النَّجاسة عن المؤمن، ونفي النَّقيضِ يستلزم ثبوت نقيضه؛ لأنَّه ليس هناك إِلا طَهَارة أو نَجَاسة؛ فلا دلالة فيه على أن من مَسَّ المصْحَفِ لا يكون إِلا من مُتَوضِّئ. وخلاصة الحكم : أرى والله أعلم جواز مس المصحف سواء مطبوعا على ورق أو على أجهزة التشغيل الحديثة المتنوعة، مع بيان استحباب الوضوء. والله أعلم. * القرآنُ يُفسِّر بعضه بعضاً، ولو كان المراد ما ذَكَرَ الجمهور لقال: "لا يمسُّه إلا المطَّهِّرون" بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين، وفرق بين "المطهَّر" اسم مفعول، وبين "المتطهِّر" اسم فاعل، كما قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" ( البقرة:222).