الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرضاوي: لا يجوز للعراقي التجنس بجنسية المحتل الأمريكي
مؤكدًا أن المفتي يوقع عن الله تعالى
نشر في الشروق اليومي يوم 09 - 09 - 2009


تغير الفتوى يؤكد صلاحية الشريعة للخلود
الرسول كان يجيب عن السؤال الواحد بعدة إجابات مراعاة للحال
شدد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال والعرف يعد من العوامل المؤكدة على صلاحية الشريعة الإسلامية للخلود، موضحًا أن دائرة الأحكام المتغيرة تشكل أكثر من 95% من الشريعة، بينما النسبة الباقية تمثل الأحكام القطعية التي لا يجوز اختراقها. وأشار القرضاوي إلى أنه يختلف مع من أفتوا بحرمة التجنس بجنسية أخرى، موضحًا أن ذلك ينطبق على الدول المحتلة، كما هو حال أمريكا في العراق وأفغانستان، حيث لا يجوز للعراقي أو الأفغاني التجنس بالجنسية الأمريكية، أما بالنسبة للأقليات المسلمة فلا بأس في حمل أفرادها لجنسية الدول التي يقيمون بها
شدد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال والعرف يعد من العوامل المؤكدة على صلاحية الشريعة الإسلامية للخلود، موضحًا أن دائرة الأحكام المتغيرة تشكل أكثر من 95% من الشريعة، بينما النسبة الباقية تمثل الأحكام القطعية التي لا يجوز اختراقها.
وأشار القرضاوي إلى أنه يختلف مع من أفتوا بحرمة التجنس بجنسية أخرى، موضحًا أن ذلك ينطبق على الدول المحتلة، كما هو حال أمريكا في العراق وأفغانستان، حيث لا يجوز للعراقي أو الأفغاني التجنس بالجنسية الأمريكية، أما بالنسبة للأقليات المسلمة فلا بأس في حمل أفرادها لجنسية الدول التي يقيمون بها.
وتطرق القرضاوي، خلال حلقة الأمس من برنامج "فقه الحياة" الذي يستضيف العلامة القرضاوي طوال شهر رمضان على قناة "أنا" الفضائية ويقدمه أكرم كساب إلى العوامل التي اتفق العلماء على تغير الفتوى بموجبها، وهي تغير الزمان والمكان والحال والعرف.
وأوضح القرضاوي أن الفتوى قبل الابتلاء بالفعل، غير الفتوى بعد الابتلاء به، بمعنى أنه إذا ابتلي الرجل بالشيء فعلى المفتي أن يجد له مخرجًا.
** الفتوى من الأمور التي عرفت منذ القدم، ومازال الناس حتى الآن يستفتون والعلماء يجيبون، ونود في البداية أن نعرف ما الفتوى؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا، وأسوتنا، وحبيبنا، رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد..
فالفتوى يراد بها بيان الحكم الشرعي في اجتهاد المفتي، أي كما يراه المفتي من خلال الإجابة عن سؤال، وهناك في بيان الأحكام نهجان، حتى في القرآن نفسه: بيان مبتدأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) وبيان إجابة عن السؤال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) إلى آخره.
وهذان هما الطريقان لبيان الأحكام الشرعية؛ فإما أن يبدأ الإنسان ببيان هذه الأحكام، كما نفعل في تأليف كتب الفقه، وهناك كتب للفتاوى، وبعض المذاهب تسميها كتب النوازل، بمعنى الحوادث التي تنزل بالناس ويسألون عنها العلماء، فهذه تسمى "الفتاوى"، وجاء في القرآن (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ) فالمفتي الأول هو الله عز وجل فهو الذي يبين الحكم، والنبي مبلغ عنه، والعالم يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول الشاطبي، فهو ينوب عن الله أو يوقع عن الله كما يوقع بعض الناس عن الملوك والأمراء، فكأن الله أعطى حق التوقيع لهؤلاء العلماء الراسخين، الذين يبينون الحلال من الحرام.
** هل هناك ثمة فرق بين الحكم والفتوى؟
البعض لا يرى فرقًا بين الحكم والفتوى؛ ولذلك قالوا الفتوى تتغير والأحكام تتغير، وفي مجلة الأحكام العدلية الشهيرة، المادة التاسعة والثلاثون منها، تقول: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان" ولكن الأولى أن نفرق بين الحكم والفتوى، ولذلك أنا أؤيد تعبير الإمام ابن القيم، بأن الفتوى هي تنزيل النص على الواقعة، أو تنزيل الحكم ودليله على الواقعة، ولذلك تغير الفتوى وارد؛ لأن الواقع يتغير، فيتغير بذلك الحكم المنزل على هذه الوقائع.
الثبات والتغير
** إذن الحكم له خاصية الثبوت، والفتوى لها خاصية التغير؟
ليس كله، ولو قلنا هذا لأبطلنا قاعدة المجلة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان"، وأنا كان لي ملاحظات على صياغة هذه المادة، إذ أنه كان من المفروض أن يقول: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والعرف والحال، وأن يقول الأحكام الاجتهادية أو الأحكام الظنية، إنما الأحكام القطعية لا تقبل التغير بحال من الأحوال.
** الشريعة الإسلامية من صفاتها الثبات، فهل هذا الثبات يتناقض مع تغير الفتوى؟
الشريعة أيضًا لها دائرتان: دائرة ثابتة لا تقبل التغير ولا الاجتهاد، وهي دائرة القطعيات، بمعنى الأحكام الثابتة بسندها القطعي ودلالتها القطعية، فهذه تمثل وحدة الأمة العقدية، والفكرية، والتشريعية، والسلوكية، وهي تمثل الثوابت التي لا يجوز اختراقها، وهذه الدائرة محدودة جدًّا لكن مهمة جدًا، أما الدائرة الأخرى فهي واسعة جدا، وتشمل حوالي خمسة وتسعين أو أكثر من أحكام الشريعة وهي قابلة للاجتهاد، وقابلة للتغير بموجبات التغير المختلفة.
** ذكرتم أن الإمام ابن القيم رحمة الله عليه اعتبر المفتي موقعًا عن رب العالمين، والبعض يظن أن في هذا نوعًا من أنواع المبالغة؟
المفتي هو بمثابة من يوكلهم الملوك ليوقعوا عنهم، ففي بعض الشركات والوزارات، يقوم المسئول بتوكيل شخص للتوقيع نيابة عنه، وهكذا المفتي فكونه يقول هذا حلال وهذا حرام فإنه يتحدث باسم الشرع، أو كأنما يتحدث باسم الله، وإن كان الحديث النبوي قد نهى عن أن يقول الإنسان: هذا هو حكم الله، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإن أرادوا أن تنزلهم على حكم الله تعالى فلا تنزلهم، فإنكم لا تدرون ما يحكم الله فيهم، ولكن أنزلوهم على حكمكم" فمع أن هذا هو اجتهاد المفتي، لكن يترتب عليه أن تمتثل الناس لهذا الأمر أو تمتنع عنه، أي يحل لهم أو يحرم عليهم، وهذا بمثابة من يوقع عن الله عز وجل.
خلود الشريعة
** لفضيلتكم كتاب بعنوان "موجبات تغير الفتوى" وذكرتم فيه عشرة موجبات، فيها أربعة ذكرها الأقدمون، ومنَّ الله عليكم فذكرتم ستة موجبات أخرى، فهل تحدثنا عنها؟
الأقدمون ذكروا أن الفتوى تغيير بتغير المكان، والزمان، والعرف، والحال، والإمام ابن القيم ذكر ذلك، وذكره قبله الإمام شهاب الدين القرافي المصري، كما ذكرها من بعده علامة المتأخرين من الحنفية ابن عابدين في رسالته الشهيرة "نشر العرف فيما بني من الأحكام على العرف"، وذكر فيها أحكامًا عدة عند الأحناف، غير فيها المتأخرون الفتوى عما كان عليه المتقدمون، لأن الزمن تغير، وكذلك الحال.
وهناك بعض الناس يقولون إن الشريعة لا تصلح حاكمة لحياة الناس؛ لأن حياة الناس متغيرة، والشريعة ثابتة، فلذلك يجب أن يحكم الناس بالمنهج العلماني، لا بالمنهج الشرعي، وهذا ما قاله جماعة أتاتورك ومن تبعهم، حينما ألغوا الشريعة الإسلامية وأحلوا محلها القوانين الوضعية التي استوردوها من أوربا في ذلك الوقت.
ونحن نرد بأن ما قالوه غير مسلم به في الناحيتين، فليست الشريعة كلها ثابتة، وليست الحياة كلها متغيرة.
** هذا فيه تغير وثبات، وذاك فيه تغير وثبات؟
نعم، فالحياة ليست كلها متغيرة، فهناك ثوابت، فالأرض أرض والسماء سماء، ولا تزال الشمس تطلع علينا وتغيب، وكذلك الشريعة ليست كلها ثابتة، وهذا من عوامل صلاحية الشريعة للخلود، حيث فيها من السعة والمرونة ما فيها، وقد ألفت في ذلك كتابًا ذكرت فيه أسباب المرونة والسعة في الشريعة الإسلامية، والتي أهلتها للخلود، وكان من هذه الأسباب رعاية تغير الفتوى بتغير موجباتها.
تغير المكان
** لنبدأ بالعامل الأول لتغير الفتوى، وهو تغير المكان، ما المقصود بهذا؟
للأسف بعض إخواننا من العلماء المعاصرين يقول إن الفتوى لا تتغير بتغير المكان، وأن الذي انفرد بهذا هو الإمام ابن القيم، وأنا أخالفهم في هذا، وأرى أن التغير المكاني هو من التغيرات الحقيقية للإنسان، فالإنسان في البادية غير الإنسان في الحضر، والإنسان في البلاد الباردة غير الإنسان في البلاد الحارة، والإنسان في الإسكيمو أو عند القطب الشمالي له أحكام تتعلق به، فمثلاً حينما نقول (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، فإنه في القطب الشمالي لا يوجد "صعيد"، فهو لديه ثلج، وفي هذه الحالة صعيده هو الشيء المناسب لمكانه.
كذلك لا يوجد عنده أبقار، والكلاب هي التي تجر الأشياء، إذن فاقتناء الكلاب في هذه الحالة جائز وليس فيه حرج، كذلك هناك بلاد الشمس تغيب عنها ستة أشهر، وتطلع ستة أشهر، وهذه البلاد لها أحكامها الخاصة في الصلاة والصيام.
والعلماء من قديم انتبهوا لذلك، فمثلاً راعوا أن البدوي له أحكام خاصة، حتى قالوا لا يصح أن يؤم البدوي الحضري إلا إذا خرج من بداوته وتفقه، وذلك أن الرسول نهى عن عودة الشخص بعد الهجرة إلى البادية وجاء في الحديث: "من بدا جفا"، يعني أصبح عنده جفوة، وإلى ذلك أشار القرآن (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ).
كذلك فإن العلماء قالوا إن من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، مثل الزكاة، والصيام، فقد كفر، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام ولم يتمكن من معرفة هذه الأشياء بحيث تصبح معلومة بالضرورة عنده، أو كان يعيش في بادية ليس فيها علماء على علم بالإسلام، فلابد أن يعطى فرصة حتى يتعلمها وتثبت عنده، وتصبح معلومة من الدين بالضرورة.
** بعض المفتين أحيانًا إذا جلس على كرسي الإفتاء في قناة فضائية ما، يريد أن يجعل فتواه لكل الناس، فهل ترون أنه لابد أن يراعى أيضًا اختلاف المكان في ذلك؟
لابد أن يراعي المفتي أن بعض الأشياء هي خاصة بأهل الشرق، وليس لها علاقة بأهل الغرب، وأن هناك أشياء معروفة في المغرب وليست معروفة في المشرق، فالمفتي لابد أن يلاحظ الفرق بين الناس بعضهم وبعض، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام كان يُسأل السؤال الواحد فيجيب عنه بإجابات مختلفة لماذا؟ لأنه يعطي كل سائل بحسب حاله، وهو أشبه بالطبيب، فليس كل من يأتي إليه ويقول له: رأسي تؤلمني، يعطيه نفس الدواء، فلابد أن يعرف أسباب المرض حتى يعطيه الدواء المناسب له.
وبعض إخواننا أنكر تغير الفتوى بتغير المكان وقالوا إن ابن القيم انفرد بهذا، لكن هذا ليس بصحيح، ففي تراثنا الفقهي ذكروا أن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالشاهد واليمين حينما كان أميرًا على المدينة، ولكن حينما وصل إلى الخلافة في دمشق، لم يكن يأخذ بهذا ولما سئل عن ذلك، قال: إنا رأينا الناس في الشام، على غير ما كان عليه الناس في المدينة.
تغير الزمان
** ننتقل للعامل الثاني من موجبات تغير الفتوى، وهو تغير الزمان؟
الإنسان لابد أن يعيش في مكان، ولابد أن يعيش في زمان، وكل زمان له ظروفه، والحقيقة أنه إذا حللت التغير الحقيقي، فتجد أن الذي يتغير هو الإنسان، فكما تقول الخنساء: إن الجديدين في حال اختلافهما لا يفسدان، ولكن يفسد الناس، وكما قال الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
فالإنسان هو الذي يتغير، ولكن مرور الزمن له أحكامه، حتى رأينا أصحاب أبي حنيفة يخالفونه في أكثر من ثلث المذهب، وهم لم يخرجوا عن أصول المذهب، ولكن قال الحنفية: أن اختلافهم هو اختلاف عصر وزمان، وليس اختلاف حجة وبرهان، رغم أن اختلاف زمان أبي حنيفة، وزمان أبى يوسف أكبر أصحابه كان في حدود 32 عاما، فهو ليس بالزمن البعيد، كما أن الحياة كانت في ذلك الوقت بطيئة التغير.
والإمام الشافعي غير مذهبه، حيث كان لديه مذهب قديم وأصبح له مذهب جديد، ويقول الشافعية: قال في القديم كذا وقال في الجديد كذا، وذلك ناتج عن تغير الزمان كما أنه مرتبط بتغير المكان أيضًا، فتغير المكان جاء من أنه رأى في مصر ما لم يكن قد رأى من قبل، أما تغير الزمان فيتعلق بتغير الزمان العام، وتغير زمانه هو، من الشباب إلى النضج والشيخوخة.
والأخذ بتغير الزمان بدأ منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم فالرسول لم يحد حدًا في عقوبة الخمر، وكان يضرب الواحد بالنعل، أو باليد، أو بالثوب، أو بالجريدة، لكن في عهد سيدنا عمر بدأ يضرب ثمانين جلدة؛ لأن الناس تجرأوا على الشرب، فكان لابد من تشديد العقوبة عليهم، وجاء عن عمر بن عبد العزيز قوله: تحدث للناس أقضية، بقدر ما أحدثوا من الفجور.
** وماذا عن عصرنا هذا؟
زماننا هذا حدث فيه تغير هائل فهناك أشياء اقتضت أيضًا التشديد، مثل فعل سيدنا عمر، وهناك أشياء جعلت علماء العصر يدخلونها في حد الحرابة، مثل اغتصاب النساء، فإذا قام مجموعة شبان باغتصاب فتاة أو امرأة بعد خطفها من زوجها، أو خطفها من سيارتها، فإن الحكم الشرعي العادي يقول: نجلدهم مائة جلدة، لكن ما حدث هو عملية سطو على الأعراض، وهتك للحرمات، وإخافة للناس، ولذلك علماء العصر قالوا إن ذلك يدخل في حد الحرابة والقتل، أي الإعدام، وكذلك من يروج المخدرات، لأنها سموم تقتل شباب الأمة، وتضيعهم.
كذلك هناك أشياء اقتضت كتابة وتسجيل الملكيات العقارية، وتسجيل الزواج، بينما في السابق كان الأب يقول: زوجتك ابنتي، والزوج يقول: قبلت، مع وجود اثنين شهود وينتهي الموضوع، لكن الآن الناس يمكن أن تنكر ذلك، ويمكن أن شخصًا يدعي أنه تزوج واحدة، ويأتي بشاهدي زور، أو واحدًا يدعي أن هذه الأرض له ويأتي بشهود زور، ولذلك كان لابد من التسجيل العقاري للملكيات، ولابد من توثيق الزواج عند المأذون أو عند القاضي في المحكمة، وكل هذا من تغير الزمان.
تغير الحال
** العلماء أيضًا ذكروا أن تغير الحال موجب لتغير الفتوى، بما استدل هؤلاء العلماء؟
تغير الحال هذا ثابت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه كان يفتي لكل حال بما يناسبه، وقد سأله رجل عن القبلة للصائم فأجاز له، وسأله آخر فمنعه، فلما بحث الصحابة وجدوا أن الذي أجاز له كان شيخًا كبيرًا، وأن الذي منعه كان شابًا، وقال إن الشيخ يملك نفسه، ولذلك السيدة عائشة لما قالت إن النبي كان يُقبل وهو صائم، قالت: وكان أملككم لأربه، أي ضابطًا لنفسه.
فهذا من رعاية الحال، وكما ذكرنا أنه كان يجيب السؤال الواحد بأجوبة مختلفة رعاية لحال كل سائل وما يناسبه، وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه جاءه سائل يقول: هل للقاتل توبة؟ فصوب فيه النظر وصعده ثم قال: ليس للقاتل توبة، فولى الرجل فقال أصحاب ابن عباس له: كنا نسمع منك أن للقاتل توبة، فقال: إني نظرت إليه فوجدته مغضبًا، يريد أن يقتل مؤمنًا، وأنه لو كان قاتلاً وجاء يسأل هل للقاتل توبة؟ لكنت قلت إن للقاتل توبة، ولكنه يريد أن يأخذ فتوى بأن للقاتل توبة فيذهب ويقتله، فسددت عليه الباب، وفعلاً أصحاب ابن عباس ذهبوا إلى الرجل وسألوه، وجدوا فعلاً أنه كان يريد أن يقتل.
وهذا ما جعل العلماء يقولون إن الفتوى قبل الابتلاء بالفعل، غير الفتوى بعد الابتلاء بالفعل، بمعنى أنه إذا ابتلي الرجل بالشيء فعلى المفتي أن يجد له مخرجًا.
** بعض العلماء تحدثوا عن قضية التجنيس، بمعنى أخذ جنسية دولة أخرى، وقالوا بالحرمة، وفضيلتكم تفتون بجواز التجنيس، فهل هذا من باب تغير الحال؟
نعم، فالعلماء قديمًا حرموا التجنس بجنسية المحتل، وبعض مشايخ تونس في أيام مقاومة تونس للاحتلال الفرنسي، أفتوا بأن من يتجنس بالجنسية الفرنسية فهو مرتد، باللغة الوطنية يسموه خائن وبلغة الفقه يسموه مرتدًا، وذلك معقول، إنما إذا لم يكن الأمر كذلك، فيمكن للإنسان أن يتجنس بجنسية أخرى، ونحن نجيز للمسلمين في أوربا وأمريكا أن يأخذوا الجنسية، مخالفين بذلك ما أفتى به شيخنا الإمام حسن البنا رحمه الله الذي شدد في هذه القضية، وقال إنها كبيرة من الكبائر، وجريمة من أعظم الجرائم، ولم يجز هذا بحال من الأحوال، ولعله كان متأثرًا بمقاومة الاستعمار، ويرى أن هذه البلاد كلها بلاد مستعمرة، وأعتقد لو امتد به الحال حتى رأى الأقليات الإسلامية أصبحت تتجنس بالجنسيات، فهناك أربعة ملايين أو أكثر من المسلمين في ألمانيا أكثرهم أتراك، ومثلهم في بريطانيا وأكثرهم باكستانيون وهنود، وأكثر من هؤلاء في فرنسا منهم مغاربة، وجزائريون، وتونسيون، وليبيون، وموريتانيون، وسنغاليون، أنكفر كل هؤلاء؟
** العراق الآن محتل من قبل أمريكا، فهل لا يجوز للعراقي إذا خرج من دياره مضطرًا أو غير مضطر، أن يتجنس بالجنسية الأمريكية؟
في هذه الفترة بالذات لا نجيز له، لكن هناك عراقيين تجنسوا بهذه الجنسية قبل ذلك في فترة الهجرة من البلاد والفرار من الاضطهاد والملاحقة .. فهؤلاء لا مشكلة بالنسبة لهم، إنما الآن لا يجوز لعراقي أن يتجنس بالجنسية الأمريكية.
** حتى ولو خرج مضطرًا من نيران الفتنة الطائفية التي حدثت؟
يذهب إلى أي بلد آخر وأرض الله واسعة.
** ونفس الحكم على أفغانستان؟
نعم نفس الشيء .
تغير العرف
** العلماء ذكروا أيضًا أن من موجبات تغير الفتوى تغير العرف عند الناس، فما المقصود بالعرف؟
العرف هو عادة الجماعة، والعادة هي الفعل الذي يكرره الإنسان، ويخرج عنه بيسر وسهولة، ومعظم حياة الإنسان عادات؛ لأن الإنسان خرج من بطن أمه لا يعرف شيئًا، وتعلم كل شيء عن طريق العادة، فلم يكن يعرف الأكل وتعود أن يأكل، ولم يكن يعرف السير وتعود أن يسير، ولم يكن يعرف الكلام وتعود أن يتكلم.
فحياتنا هي مجموعة عادات، ويقولون العادة هي طبيعة ثانية، ولذلك فينبغي للمفتي أن يراعي تغير العادات والأعراف، ومن القواعد التي اتفق عليها الفقهاء قولهم: العادة محكمة، واستدلوا لهذا بقول ابن مسعود: "ما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح"، وبعضهم ظنه حديثًا مرفوعًا، والحقيقة أنه من كلام ابن مسعود، ولكن له أصل أن الشرع يعتبر رؤية المؤمنين معتبرة (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، معناه أن رؤية المؤمنين لها أهمية، ومن أجل هذا يجب أن تراعى أعراف الناس؛ لأنهم ما تعارفوا على هذا الشيء إلا لأنهم يحتاجون إليه، وأنه يحقق لهم مصلحة، فرعايته معناها رعاية المصالح التي من أجلها كان هذا العرف سائدًا.
** هل موضوع الشيكات التجارية، وهي ليست قبضًا حقيقيًا، يعد من الأعراف التي تتغير من أجلها الفتوى؟
رجال الشريعة والاقتصاد الإسلامي المهتمون بفقه المعاملات، أجمعوا على أن الشيكات تعتبر قبضًا حكمًا وثبت القبض لا يقدر، فأحيانًا الشيك يأخذ يومين وأكثر، وإذا كان هناك شيك صادر يوم الخميس في بلادنا، وسوف يصرف من أوربا أو أمريكا، ويوم الجمعة عندنا عطلة، والسبت والأحد عندهم عطلة، فمعنى ذلك أنه لن يصرف إلا يوم الاثنين، فمثل هذا يعد رعاية للعرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.