تشهد خارطة الأديان والنِّحل في البرازيل تشكيلة عجيبة غريبة جمعت بين الشرق والغرب وتستطيع أن تشاهد في البرازيل أتباعا لأي دين أو نحلة موجودة على وجه الأرض، ويعيش كل هؤلاء فيما بينهم نوع من التسامح الديني وقبول الآخر كيفما كان اعتقاده، لأن هذا الوطن الكبير يجمعهم وكذلك قانون الدولة الذي يحارب أي نوع من أنواع التعصب الديني. وبرغم هذه الحرية، إلا أنه لوحظ في السنوات الأخيرة بروز التعصب الديني من بعض الفرق المسيحية وخصوصا الإنجيليين الجدد والذين يمثلون حاليا 15.5% من مجموع سكان البرازيل أي ما يعني 26.200.00 مليون نسمة، هذا التعصب تمثل في اتهامهم بالكفر لأتباع الديانات الأخرى، وتمزيق الكتب الخاصة ببعض الديانات علنا على قنوات "يوتوب"، واستخدام وسائل الإعلام المختلفة في تعزيز الكراهية الدينية، وكذلك من جهة أخرى تهديد تجار المخدرات لأصحاب النِّحل الإفريقية بالقتل إذا لم يعتنقوا الإنجيل . لجنة مناهضة التعصب ازدياد حالات التعصب الديني وخصوصا في مدينة ريو دي جانيرو دفعت أتباع بعض الأديان والنِّحل إلى تأسيس لجنة لمناهضة التعصب الديني ضمت أديانا سماوية ونِحلا أرضية وهم "الكاثوليك، والمسلمون، واليهود، والروحيون، والبهائيون، والبوذيون، وهاري كريشا، والغجر.... الخ "، ويمثل المسلمون في هذه اللجنة الجمعية الخيرية الإسلامية بمدينة ريو دي جانيرو وهي عضو باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل . لقد استطاعت هذه اللجنة تحقيق الكثير من المكاسب تمثلت في وضع أساس لخطة وطنية لمكافحة التعصب الديني وتم رفع هذه المقترحات لرئيس البرازيل السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا في نوفمبر 2008م، وقامت الشرطة المدنية بمدينة ريو بتفعيل قانون رقم 7716/89 والذي ينص على عقوبة من 1 إلى 5 سنوات بالسجن لمن يثبت اتهامه بجرائم ضد الأديان . كذلك قامت اللجنة بتعميم دليل لمكافحة التعصب الديني والعنصرية على جميع مراكز الشرطة والكنائس والمعابد والساحات والغرض الأساسي من هذا الدليل توجيه المجتمع المدني لخطورة التعصب الديني . تم إنشاء لجنة قضائية لمتابعة القضايا الخاصة بضحايا التعصب الديني أمام المحاكم لضمان حقوقهم، وكذلك برنامج لرعاية ضحايا التعصب الديني وتم علاج 118 حالة وتوجد 69 دعوى قضائية أمام المحاكم ضد التعصب الديني والكراهية حتى سبتمبر 2010م . مسيرة كوبَّا كابانا قامت لجنة مناهضة التعصب الديني بتنظيم مسيرة مؤخراً على شاطئ "كوبا كابانا" بمدينة ريو وشارك فيها قرابة 200 ألف مشارك، وشارك اتحاد المؤسسات الإسلامية والجمعية الخيرية الإسلامية بمدينة ريو في هذه المسيرة، وكانت مشاركة مميزة بدأت بمؤتمر صحفي للقيادات الدينية صرح فيه الشيخ خالد تقي الدين مدير الشؤون الإسلامية بالاتحاد أن "الإسلام دين السلام والتسامح والحث على حرية الإنسان الدينية وأننا في البرازيل يجب أن نعمل جميعا لأن تسود معاني المساواة في الحقوق والتعايش السلمي بين أتباع الأديان والنِّحل المختلفة ونكون مثالا للأمم والدول" . المشاركة الإسلامية كانت مهمة ومميزة حيث ارتدى شباب المسلمين زيا موحدا كُتب عليه عبارات تدل على التسامح والاعتزاز بالإسلام "الإسلام سلام" و "الإسلام حب" و"تعرف قبل أن تتهم"، وقد قامت مجموعة "إعرف الإسلام" التابعة لاتحاد المؤسسات الإسلامية بتوزيع 3000 كتاب ومطوية تتحدث عن الإسلام على المشاركين في المسيرة، وتحدث الشيخ أحمد مظلوم ممثل مكتب الندوة العالمية للشباب المسلم في أمريكا اللاتينية لجموع الحضور عن الإسلام وأوامره التي تدعو للتسامح وحرية الاعتقاد . لقد أظهر المتظاهرون والقيادات الدينية المختلفة وكذلك المقابلات الميدانية التي قمنا بإجرائها، تخوفا ملحوظا من الكثيرين بخصوص المستقبل، وازدياد نفوذ وتعصب الإنجيليين الجدد، حيث يوجد توجيه للرأي العام لهذه الطائفة ينعت المسلمين بالكافرين والأعداء مع أن الكثيرين منهم لا يعرفون شيئا عن الإسلام، وكذلك يصفون المسلمون بأنهم أعداء المسيح عليه السلام، ومع قلة الحالات المسجلة للكراهية والتعصب الديني إلا أنها تعطي مؤشرا خطيرا إذا استمرت بهذه الوتيرة يهدد التعايش السلمي الذي تنعم به دولة البرازيل . لذلك الواجب علينا أن ننشر المعرفة بالدين الإسلامي في كل نواحي البرازيل عن طريق توزيع الكتب والنشرات، وكذلك المشاريع الإعلامية التي تخدم التعريف بدين الإسلام "إذاعة – تلفاز – صحف" باللغة البرتغالية، وهذا يلقي مسؤولية على إخواننا في المشرق تتطلب منهم زيادة تواصلهم مع الجالية المسلمة في البرازيل، ودعمهم للمشاريع الدعوية التي تخدم نشر تعاليم الإسلام في هذه البلاد البعيدة * بقلم: الشيخ خالد رزق تقي الدين. الأمين العام للمجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل.