إمّا أن السفير الفرنسي بالجزائر يتصرّف بشكل معزول دون العودة إلى باريس، وهو أمر غير وارد في دولة كبرى كفرنسا، وإمّا أن فرنسا تستخدم دبلوماسية (زوج وجوه) وتعطي من المواقف بيدها اليمنى ما تسحبه باليد اليسرى، وهو أمر غير مستبعد، وإمّا أن سفير فرنسا بالجزائر رجل دبلوماسي أكثر من اللاّزم، وفي كلّ الأحوال بدا أمسية يوم الثلاثاء أشرف بكثير من رئيسه نيكولا ساركوزي· كزافيي دريانكور سفير جمهورية فرنسا بالجزائر وقف يوم الثلاثاء بسجن سركاجي بالجزائر العاصمة وقفة إجلال أمام نصب شهداء حرب التحرير الوطني، والتزم دقيقة صمت أمام النصب الذي نقشت عليه أسماء شهداء الثورة الجزائرية الذين حكمت عليهم سلطات الاستدمار الفرنسي بالإعدام بالمقصلة، وعددهم 54، والذين تمّ إعدامهم رميا بالرّصاص وهم عشرة شهداء· دقيقة الصّمت التي قضاها سفير فرنسا ساكتا قرب نصب شهداء قتلتهم بلاده هو اعتراف فرنسي ضمني بجزء من جرائم الاستعمار في بلاد الشهداء، ولا شكّ في أنه حتى لو سكت المسؤولون الفرنسيون الدهر كلّه ما أعاد ذلك شهيدا جزائريا واحدا إلى الدنيا، لكن ذلك لا يقلّل من أهمّية وقوّة رمزية (مبادرة السفير الفرنسي) الذي نتمنّى أن يمتلك رئيس بلاده بعض أخلاقه ويعترف، ولو من خلال دقيقة صمت، بما فعلته بلاده من مجازر وجرائم في حق آبائنا وأجدادنا· ندرك جيّدا أن ساركوزي غير مستعد للإصغاء لنا حين نطالبه بالاعتراف بجرائم الدولة الفرنسية في حقّ الشعب الجزائري، ولكن قد يكون لديه بعض الاستعداد لسماع أبناء بلده وهم يطالبونه بذلك، خصوصا وأنه مقبل على حملة انتخابية شرسة لانتخابات رئاسية يبدو أنه سيتلقّى صفعة قاسية فيها، وكم نتمنّى أن يلقي (ساركو) السمع للنّداء الذي أطلقته شخصيات فرنسية رفيع الثقافة من أجل (اعتراف رسمي بمأساة 17 أكتوبر 1961 بباريس) قبل أيّام قليلة من إحياء ذكرى هذا التاريخ الذي تمّ فيه اغتبال مئات الجزائريين في فرنسا، وليت ساركوزي يتحلّى بربع أخلاق هذه الشخصيات أو خمس دبلوماسية سفيره بالجزائر ليقول: نعم·· لقد أخطأنا في حقّ الجزائريين· الدكتور شريف يشّار نائب مفتي اليونان ل "أخبار اليوم"