بعد مرور 57 سنة على اندلاع أروع ثورة في تاريخ العصر الحديث، ها هو الشعب الجزائري يقف مستذكرا مآثر الثورة، متذكّرا من وهب الحياة لهذا الوطن، إلاّ أن العقبة الوحيدة التي تصادف هذا الجيل هو التعرّف على تفاصيل الذاكرة من مصادر موثوقة، فتاريخنا ما زال مهمّشا معرضا للتدليس والتدنيس إذا لم يستيقظ ما تبقّى من مجاهدين لإعادة بعث الرّوح لمبادئ نوفمبر وتفاصيل من خلال تدوينها ومنحها للشباب من اجل تعلم قيمة الوطن وكيفية الحفاظ على أرضه· وفي ظلّ قلّة المصادر يشهد تاريخ الثورة المجيدة حملة مسعورة من بعض المؤرّخين الفرنسيين الذين يريدون تشويه قيم تضحيات أبطال أزاحوا اللّثام عن الوجه البشع لجرائم فرنسا في الجزائر واستطاعوا ان يطردوها ويدحروا وهم الأمّ الكبرى التي لا تهزم أبدا. ورغم أن بعض المجاهدين الذين عايشوا عن قرب أحداث الثورة لجأوا في الفترة الأخيرة إلى تدوين مشاهداتهم في ما يعرف بالمذكرات، إلاّ أن أغلبها أثار الكثير من الجدل أكثر ما لعب دورا في إبراز الحقيقة وجعلها في متناول الشباب الذين ضاعوا ما بين هذه الآراء الشخصية ولم يعرفوا من يتّبعون، لذلك فإن البعض يدقّ ناقوس الخطر بوجوب تولّي كتابة التاريخ من طرف مختصين ومؤطّرين في هذا المجال، حيث تكون الموضوعية السمة الغالبة على تاريخ نقش بدماء نفوس طاهرة لم تنظر يوما ورائها فقط الوطن كان الأهم وقبل كل شيء فمن يرفع التدليس على تاريخ الشهداء؟ ** إجماع على ضرورة الاهتمام أكثر بالتأريخ للثورة أجمع المجاهدون والنخبة الجزائرية المتكوّنة من أدباء ومختصون في التاريخ والاجتماع والأدب على وجوب وضع سياسة محددة لكتابة تاريخ الثورة، ففي ظل الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة من تكالب الأعداء على طمس هويتها وإغراقها في عوالم الضياع بهدف الاستحواذ على ثرواتها وهذا ما يعبّر عنه البعض بالاستعمار الجديد الظاهر في ثوب آخر وقناع آخر أكثر بشاعة مستغلاّ عدم معرفة الشعوب بتاريخها وهويتها. لذا، فإنه يجب تجنيد كلّ الوسائل البشرية والمادية على كل النطاقات لتدوين هذا الإرث قبل فناء البراهين والشهادات الحيّة. وقد تعالت النّداءات من مختلف الحناجر الجزائرية التي اقترحت العديد من البرامج على الدولة من خلال التكفّل بجمع الوثائق والشهادات وتمحيصها من قبل المختصّين بكلّ موضوعية ثمّ تدوينها في أرشيف ذاكرة الجزائر، ومن أبرز المنادين بتدوين تاريخ الثورة نجد الأديب المعروف الدكتور أمين الزاوي الذي صرّح خلال ندوة نظّمت حول كتابة التاريخ بمناسبة الذكرى 50 لليوم الوطني للهجرة بأن (الجزائر لا تتوفّر على باحثين ومتخصّصين في مال الشهادات التاريخية وتدوينها كما ان كتابة التاريخ تحتاج إلى شجاعة لهذا فان الجامعة والمجرسة الجزائرية لا تزالان مقطوعتان تماما عن دراسة التاريخ الذي ما يزال مغيبا)، ونفس الأفكار عبر عنها رئيس لجنة العلاقات الخارجية والهجرة بالمجلس الشعبي الوطني السيد عبد الحميد بن عفيف والذي قال: (الجزائر بحاجة إلى كتابة التاريخ لكن بشرط الاعتماد على الشهادات الحية للمجاهدين والمناضلين الذين ما يزالون على قيد الحياة). كما طالب آخرون بضرورة إدماج المزيد من النصوص التاريخية في المقررات المدرسية والجامعية، كما عبّر آخرون عن عدم رضاهم عن المذكّرات المؤلّفة من طرف بعض المجاهدين والذين تركوا العنان لآرائهم الشخصية دون التعمق في تفاصيل الثورة بما فيها من غموض ومميزات لم يعرفها الجزائريون حتى اليوم على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على اندلاعها، فعلى الرغم من العدد الكبير للمذكّرات خاصّة الصادرة حديثا وبشكل متوالي وفي ظرف واحد. فعلى الرغم من أنها كتبت بأقلام شخصيات عايشوا الأحداث، بل شاركوا في صنعها إلا ان الأمور الشخصية غلبت على صفحات مذكراتهم، فالمختصّون في ميدان التاريخ لم يجدوا أيّ فائدة أو معلومة جديدة في بعضه كتاباتهم، فأحيانا تكون مجرد سرد لمشوار الكفاح والثناء على شخص المتحدث دون التعمق في التفاصيل الجانبية المحيطة بالحدث، وإذا حدث وأن تعمقوا فاللبس والغموض والآراء الشخصية تطغى على كل التفاصيل، ومن أهم المناضلين الذين شاركوا بمذكراتهم نجد محمد حربي، بلعيد عبد السلام، علي هارون، لخضر بورفعة، علي كافي ومحمد مشاطي، ومذكّرات الشيخ خير لدين وأحمد توفيق المدني والمناضل السياسي أحمد طالب الإبراهيمي وآيت حمد وغيرها من المذكّرات التي تدفّقت تباعا دون ان تقدم حقائق جديدة لهذه الشبيبة المتعطشة لتاريخها، ** ثورة أوّل نوفمبر صمام أمان الجزائر أشار الأستاذ سعيد معول وهو مدير التكوين وتحسين المستوى بوزارة الشؤون الدينية ومختصّ في التاريخ الجزائري في تصريح ل (أخبار اليوم) إلى أن بعض المذكرات تحمل الكثير من المغالطات، والتي يقع ضحّيتها هو الجيل الجديد الذي ل يعرف تاريخه ولم يطّلع على كتب التاريخ الجزائري التي كتبت بأيدي أنقياء عرفوا كيف يقدّمون هذه الأمانة إلى هذا الشعب. فالمهمّ هو توجيه الجيل الجديد للاطّلاع على هذه المصادر القليلة المتواجدة في أرشيف الجزائر وعلى ضرورة البحث وتقي خطى هذا التاريخ، وهذا واجب وليس فقط حب معرفة واطلاع، بل إن إطلاعنا على تفاصيل هذه الثورة وإنجازات هؤلاء الأبطال سيحمي الجزائر من السقوط في وحل الظروف الخارجية التي تعصف بالمنطقة. فالتعرّف على حقيقة المستعمر كما يقول نفس المتحدّث سيحمي الجيل من الاغترار بالديمقراطية التي تزعم الأنظمة الامبريالية تصديرها للشعوب العربية، ومن بين كل الثورات المعاصرة لا تجود أعظم وأنقى من ثورة الشعب الفيتنامي والشعب الجزائري اللتان قامتا ضد هذه الأنظمة لأجل تحرير الإنسان والأرض فكانت الإنسانية طابعها فكانت متعطشة للعدل والتقدم وللحرية ولكل شيء· ** لا خوف على الجزائر من تربّص الحاسدين على الرغم من تربص بعض المغرضين بأمن الجزائر والكيد لها من خلال استغلال بعض الثغرات لإحداث الفتن والبلبلة بينها وبين الشعوب العربية الشقيقة، وهذا كله لمكانتها التي أهّلتها لها ثورة أول نوفمبر التي أعزت الوطن، ووفّرت له حماية خاصة، وهذا ما عبر عنه العديد من المختصّين والمحللين السياسيين، سواء هنا في الجزائر أو الخارج، وهذا ما عبر عنه الأستاذ سعيد معول الذي يؤكد انه لا يتصور أبدا ان الجزائر ستعيش بعض حالت التوتر لان شعبها عرف معنى الحرية وذاق طعمها وعرف معنى الاحتلال القادم في شتى أقنعته، فالأمل كبير في هذا الشعب حتى ولو تعرض لأي شيء داخلي أو خارجي، يلزمه فقط بعض الجهد، خاصّة بالنّسبة للشباب الذي يجب أن يتبع خطى الأسلاف الذين استطاعوا أن يهزموا الحلف الأطلسي وجميع الاستراتيجيات الموضوعة من طرف جنرالات فرنسا، فالشعب الجزائري سيظل رغم الكائدين أعزّ وأغنى شعب من بين شعوب محيط البحر الأبيض المتوسط· ** مجاهدون يلقون الكرة في مرمى الشباب قال المجاهد الشيخ الطاهر آيت علجت في تصريح ل (أخبار اليوم) إن الجزائر التي قدمت النّفس والنفيس من أجل يعيش الجيل الحالي دون ظلم أو هضم للحقوق، تنتظر الكثير من الشباب لان المجاهدين قدموا 50 بالمائة من ماضي هذا الوطن أمّا صنع المستقبل فيقع على عاتق الشباب من أجل تكملة 50 بالمائة الباقية في معركة التقدم وعدم الالتفات للمغرضين، بل التكافل والتعاون وزرع روح الأخوّة ما بين الشعب مع ضرورة التآخي ما بين جميع أبناء الأمة فالعدو لن يستطيع التغلغل ما بين الجماعة إذ ان يد الله مع الجماعة، فرغم التفرق الحاصل إلا ان كل الوقائع تشير من الأمة ستنهض من سباتها لتعاود بناء الوطن وإعادة المجد للإسلام والعروبة·