تصاعدت موجات التحامل والكراهية ضد المسلمين بشكل كبير في بدايات هذا القرن وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فيما يشبه النكوص الحضاري والردة إلى عهود التمييز العنصري في بدايات القرن المنصرم. وتطورت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ حتى استحالت مادة إعلامية لها مريدوها وصناعة فكرية لها أربابها وخطابا سياسيا له سادته وكبراؤه؛ وانتقلت الحرب الداخلية ضد الإسلام في الغرب فيما يعرف بالإسلاموفوبيا من الأوساط الفوقية ممثلة في التيارات السياسية اليمينية والنخبة الفكرية المحافِظة إلى حرب تحتية استخدمت فيها القاعدة الجماهيرية التي انقادت لهذا الخطاب العديد من مظاهر التعبير عن الكراهية. وازدادت هذه المظاهر عنفا طال الجميع، حتى أصبح العنف ضد النساء المسلمات في الولاياتالمتحدة ظاهرة مستقلة ومادة خاصة داخل دائرة الإسلاموفوبيا الفسيحة. وازداد الاشتباك مع هذه الظاهرة لسبر أغوارها ومعرفة أسبابها البعيدة أهمية بداية من العام الماضي وتحديدا في أعقاب الجدل الذي أثير حول مسجد غراوند زيرو، حيث تعددت التقارير عن تعرض النساء المسلمات للاعتداء الجسدي والتهديد في الأماكن العامة. حوادث وأحداث متكررة ومن بين مواد عديدة تحاول مدارسة هذه الظاهرة، نشرت مجلة"هوفينغتون بوست"، 2 نوفمبر 2011 تقريرا هاما عن العنف الإسلاموفوبي ضد المسلمات في الولاياتالمتحدةالأمريكية للكاتبة "سحر عزيز"، أستاذ القانون بمدرسة القانون التابعة لجامعة تكساس ويسليان بالولاياتالمتحدةالأمريكية. وبدأت "سحر عزيز" مقالتها باستعراض نماذج من الحوادث والاعتداءات التي شهدتها الولاياتالمتحدة مؤخرا، في أماكن متفرقة، لكنها تنتظم جميعا في نسق واحد هو مشاعر الكراهية ضد الضحايا المسلمات والعزيمة الماضية لدى العديد من المواطنين الأمريكيين على "تطهير بلادهم" مما أسموه "أرجاس المسلمين". ففي نهاية العام الماضي تعرضت امرأة من جزيرة ستاتين بنيويورك لهجوم من قبل أحد المارة قام خلاله بالاعتداء عليها ونزع غطاء رأسها مستنكرا أسباب تواجدها على الأرض الأمريكية ومتهما كل العرب والمسلمين بالإرهاب. وفي السياق ذاته، وبعد أسبوع واحد من هذه الحادثة، تعرضت اثنتان من الأمريكيات ذوات أصول صومالية لاعتداء جسدي في محطة للوقود بحي سياتل بواشنطن من قبل امرأة أمريكية وصفتهن ب"الإرهابيات الانتحاريات" وطالبتهن بمغادرة أمريكا والعودة إلى بلادهما، وكان من نتائج هذه الحادثة أن التزمت إحدى الضحايا مسكنها ولم تبرحه خوفا من أن يجلب عليها حجابها مزيدا من العنف الجسدي. ولم تمض أيام حتى وجدت امرأة أخرى ترتدي الحجاب في أوهايو بكولومبس نفسها تحت مطرقة سيل من السباب واللعن لم يخلُ من عبارات التمييز العرقي والديني من شاكلة: "أخبري كل المسلمين أن هذه ليست بلادكم" و"عودوا من حيث أتيتم" وبعض التهديدات مثل "سأقتلك.. سأقتلكم جميعا". ولم يأفل هذا العام حتى تعرضت امرأة مسلمة أخرى ترتدي الحجاب وطفلاها في 23 ديسمبر 2010 بتوين فولز، أيداهو لسيل آخر من اللعن والتوعد لأنها مسلمة. أما المتحولات إلى الإسلام من أصول أمريكية فلم يكنَّ بأسعد حال، فقد أفادت امرأة بداية هذا العام تلقيها العديد من رسائل التهديد من أحد جيرانها من قبيل "سأقتلك" و"سأطلق النار على كلبك وأغتصبك"، وتجاوز الأمر التهديد اللفظي إلى الاعتداء على المرأة برطمها في الجدار مرة ومراقبتها بالمنظار مرة أخرى، ومحاولة اقتحام مسكنها مرة ثالثة. مَأْسَسة الإسلاموفوبيا النسوية والحقيقة أن هذه الحوادث، كما تؤكد الكاتبة، ليست إلا غيضا من فيض، وأن غيرها الكثير مما يطال المسلمات الأمريكيات، لاسيما المرتديات للحجاب، من أمريكيين يرفضون الاعتراف بالآخر الإسلامي ويؤطرون لبني وطنهم من المسلمين بأنهم "أعداء جاءوا إلى بلادهم من أجل السيطرة عليها وبناء مملكتهم الثيولوجية على أنقاض حضارتها الديمقراطية". إن موجات التحيز الديني المتصاعدة ضد المسلمين لم تعد سرا يخفى عن أحد، كما لم تعد أحداثا متفرقة يقوم بها مهووسون أو شواذ بل صارت على مدى السنين الفائتة إستراتيجية منظمة وأجندة سياسية واقتصادية وفكرية تتبناها مراكز ومؤسسات ذات أيديولوجيات معروفة للجميع وتتبع تيارات مترسخة في النسيج الأمريكي تعمد إلى عمليات حشد شعبي للزج بالمجتمع في معركة طويلة الأمد ضد المواطنين المسلمين. وفي هذا السياق تورد سحر عزيز نشاطات مركز التقدم الأمريكي الذي يضم سبع مؤسسات تنفق ما يزيد على أربعين مليون دولار لتدشين حملات دعائية مناهضة للإسلام يعكف عليها عديد من الرموز والقادة السياسيين وجماعات الإقصاء وبعض المؤسسات الإعلامية. وقد أكد مركز قانون الفقر الجنوبي، وهو أحد المراكز المتخصصة والخبيرة في دراسة جماعات التحريض والكراهية بالولاياتالمتحدة، على تصاعد موجات الكراهية ضد المسلمين والتي يقودها عدد من النشطاء والتي تؤدي إلى العنف ضد المسلمين. ومع هذا النكوص في السلام الاجتماعي وزيادة الهوة الثقافية بين أبناء الوطن الواحد، أضحت المحجبات الأمريكيات هدفا واضحا وصيدا مباحا لجماعات العنف الإسلاموفوبي، لاسيما أن هؤلاء النساء لا يملكن أصواتا أو تمثيلا يعتد به في الخطاب أوالسياسات التي تتعاطى مع التعصب المناهض للمسلمين. الإسلاموفوبيا بين حقبتين وتؤكد سحر عزيز أن التهديد الأكبر للنساء المسلمات لم يعد محصورا في دائرة العنف المنزلي، بل تتجاوزه إلى عمليات اعتداء في الأماكن العامة على يد متعصبين مجهولين، حيث أضحى غطاء الرأس دليلا دامغا لإدانة صاحبته بتهمة جاهزة وهي "الإرهاب"، أو "التآمر مع الجماعات الإرهابية" على أحسن تقدير، كما أن كونها امرأة يجعلها صيدا سائغا للهجوم الجسدي وانتهاك كرامتها. وتلفت سحر عزيز إلى استمرار مسلسل اتهام الإسلام قبل الحادي عشر من سبتمبر وبعده مع الاختلاف فقط في نوع التهمة. ففي حقبة ما قبل 11 سبتمبر كانت عمليات العنف المنزلي من قبل الزوج ضد زوجته المسلمة تثير الخطاب التنميطي آنذاك بشأن دونية المرأة في المنظور الإسلامي وضرورة مرور هذا الفكر الثيولوجي بالغربلة الحداثية التنويرية لتحظى المرأة المسلمة بكامل الحقوق التي تحظى بها المرأة في المنظومة الحقوقية الغربية. أما حقبة ما بعد 11 سبتمبر، فقد شهدت "سيناريو" آخر في مشهد الهجوم القديم الجديد على الإسلام للتحول بالتهمة من النكوص الحضاري وتديين المرأة (وضعها في مرتبة دون الرجل على سلم الحقوق الإنسانية) إلى تهمة "الإرهاب" الذي يحل معه جسد المرأة وكرامتها على أرض أمريكا من قبل شرائح سياسية وفكرية ومجتمعية مختلفة تتبنى استراتيجيات تحض على الكراهية وتدعو إلى العنف ضد المسلمين، ممثلا في المسلمات، وربما الإسلام ذاته، ووسط صمت يثير الدهشة، وربما الريب، من قبل المنظمات الحقوقية الأمريكية عامة ومنظمات حقوق المرأة خاصة. فلم تعد "كليشيهات" حقوق المرأة المسلمة وخطابات دونية المرأة في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة (تلك المجتمعات التي لطالما وُسمت بالذكورية والبربرية) تملأ الآفاق الفكرية والإعلامية الأمريكية كما كانت من قبل، بل لم تعد أعمال العنف الجسدي في الأماكن العامة ورسائل التهديد ضد النساء المسلمات يحرك ساكنا في الأوساط الرسمية الأمريكية أو لدى المدافعين عن حقوق المرأة أو عند أي أمريكي مهتم بالشأن والكرامة الإنسانية. وتنهي الكاتبة مقالتها بتصدير توصية إلى المدافعين عن حقوق المرأة بالتعاون مع المسلمات الأمريكيات لتأمين كافة الحقوق الإنسانية عامة والنسوية خاصة لحماية المرأة الأمريكية، بغض النظر عن خلفيتها الدينية، من كافة أشكال العنف الجسدي سواء كان داخل البيت أو في الأماكن العامة. وتمتد التوصية إلى القائمين على برامج الحد من جرائم الكراهية وأعمال العنف ضد النساء والتمييز الديني ضد المسلمين بضرورة العمل للحد من هذه النسخة العنصرية الجديدة ضد المسلمات الأمريكيات كمسلمة وكامرأة، لأن إعلان الولاياتالمتحدة كأرض للتسامح والحريات مرهون بحرية الجميع، رجالا ونساء، مسلمين وغير مسلمين، في التعبير والممارسة الدينية والثقافية. * موجات التحيز الديني المتصاعدة ضد المسلمين لم تعد سرا يخفى عن أحد، كما لم تعد أحداثا متفرقة يقوم بها مهووسون أو شواذ بل صارت على مدى السنين الفائتة إستراتيجية منظمة وأجندة سياسية واقتصادية وفكرية تتبناها مراكز ومؤسسات ذات أيديولوجيات معروفة للجميع وتتبع تيارات مترسخة في النسيج الأمريكي تعمد إلى عمليات حشد شعبي للزج بالمجتمع في معركة طويلة الأمد ضد المواطنين المسلمين.