لا يمكن أن نقرأ العدوان الإنجيلي على الإسلام الذي قاده القس تيري جونز في الذكرى التاسعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا في إطار إستراتيجية شاملة، وضع أسسها وقواعدها التطبيقية مفكرو الغرب، بمفهوم التحالف المسيحي الصهيوني، وكانت أبرز تلك الاستراتيجيات وثيقة خريطة الطريق التي وضعها اليميني المحافظ صاموئيل هنتغتون في كتابه صدام الحضارات. وصف فيه مستقبل العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بصورة سوداوية تكون اتجاهاتها دموية بين الغرب والإسلام، شارحا الأسباب التي جعلته يصف صدامات خط الصدع الدموية، بكون الإسلام دينا شريرا وعدوانيا ودين حرب لا دين سلام، كما أن المسلمين يعيشون مجموعة من العقد التي كرسها فيهم الاستعمار الغربي مما يجعلهم في صدام دائم مع العالم الغربي، إضافة إلى أن العالم الإسلامي وعلى كثرته لا يملك دولة مركزية يمكن أن تجمع حولها المسلمين كما كانت الدولة العثمانية فيما سبق، وأهم ما ينطلق منه هنتغتون والمفكرون الغربيون في تعليلهم لمستقبل الصدام الإسلامي مع الغرب، أن المجتمعات الإسلامية تعرف تزايدا ديمغرافيا رهيبا في الوقت الذي تتراجع فيه نسبة النمو السكاني في الغرب الذي يتجه نحو مجتمع الشيخوخة وهو ما يجعل الهجرات المتتالية من العالم الإسلامي إلى دول الغرب نقطة للصدام بين الثقافات والحضارات. كانت هذه هي رؤية هنتغتون وهو يرسم مستقبل العالم الجيوبوليتيكي في القرن الواحد والعشرين، والرؤية ذاتها تم صناعة أفكارها وتسويقها من قبل الجماعات المسيحية الصهيونية، التي تمثل فئة واسعة داخل المجتمع الأمريكي وبالأخص فيما يعرف بالحزام الإنجيلي في الجنوب يزيد عدد معتقديها عن 50 مليون نسبة، مما يعطيها قوة انتخابية يراهن عليها الحزب الجمهوري وبالأخص في فترة بوش الابن الذي ركب موجة الإنجيلين وادعى أنه ولد من جديد، مما جعله يتبنى خطابا دينيا متطرفا صور العلاقات الدولية بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر على أنها صراع بين الخير والشر وأن معركته في أفغانستان هي معركة صليبية، وأخطر ما في المعتقد المسيحي الصهيوني، وفي قلبها البروتستانتية، أنها قائمة على اعتقاد يزعم بأن عودة المسيح في الألفية السعيدة لا تتم إلا بعد معركة هرمغدون بين قوى الشر وقوى الخير، والشر بالنسبة للصهيونية المسيحية يجسده الإسلام لأنه دين شرير وعنيف، والأخطر من كل ذلك أن عودة المسيح في الألفية السعيدة لا تتم إلا بعد بناء دولة إسرائيل الكبرى، هذه المعتقدات كان يؤمن بها بوش الابن الذي تلقى تعاليمه الدينية على القس بات روبرتسون وجيري فالويل اللذين يمثلان رمز الصهيونية المسيحية، وهو ما يجعلنا هنا نعيد طرح الفكرة من جديد وهي أن تهديد القس النكرة جونز بحرق القرآن يمثل نقطة في بحر من العداء العقائدي التي تؤمن به المسيحية الصهيونية. والأهم من كل ذلك أن تطبيق كراهية الغرب للإسلام تصاعدت مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي اتهم فيها تسعة عشر نفرا ينتمون للعالم الإسلامي لدفع الرأي العام الغربي لكره الإسلام وتثبيت الصورة النمطية التضليلية بأن الإسلام دين سيف ودم، وهذا التكريس الدعائي بعد تسع سنوات جعل الحدث الإعلامي للقس جونز الذي أخذ الطابع العالمي في تغطيته يهمش الأصوات الأمريكية والغربية التي تبحث عن حقيقة ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، على غرار الجمعية الأمريكية التي تطلق على نفسها واشنطن دي سي وحقيقة الحادي عشر من سبتمبر، طالبت في الذكرى التاسعة للأحداث بإبراز الحقيقة التي تؤشر على تورط الرئيس بوش الابن ونائب الرئيس ديك تشيني بعد رفضهما لتحديد لجنة تقصي الحقائق عن الأحداث، كما أن كل الدلائل المادية تشير إلى تورط الجيش الأمريكي لأسباب أهمها عدم استخدام القوات الجوية التي تخضع لسلطة نائب الرئيس الأمريكي أي إجراءات ردعية ضد الطائرات المختطفة، وما صاحبها من فضيحة البانتاغيت التي أثبتت التقارير الإعلامية والأمنية أنه لم تكن هناك طائرة قد هاجمت البنتاغون، كما أن من بين الحقائق التي تطالب بها هذه الجمعية الأمريكية لكشفها تورط القوات العسكرية الأمريكية في تدمير البرجين التوأمين، وجود مادة الكبريت ومزيج من مسحوق الألمنيوم والحديد وهي مواد لا يستخدمها إلا الجيش الأمريكي، لأن الطائرتين اللتين اصطدمتا بالبرجين لا يمكنهما أن تذيبا الحديد والمعدن لهيكل البرجين، وهو ما يرجح تحضير التفجير من قبل أجهزة أمنية محترفة. هذه الحقائق وغيرها كتب عنها الكثير من الخبراء الأمنيين وأكدوا أنه من المستحيل لجماعات غير محترفة تختطف الطائرات وتصوبها بتلك الدقة نحو البرجين إذا لم تكن هناك رقابة إلكترونية محكمة من الخارج وتصوب بدقة نحو الهدف، والغريب من كل ذلك أن الحديد والمعدن يذوب في البرجين لكن يتم اكتشاف جواز سفر أحد المتهمين في موقع الحدث، وهنا المعضلة أن الأوراق لا تحترق في الوقت الذي يذوب الحديد. لعله من نافلة القول، أن القس جونز وأشكاله هي شخصيات نكرة يتم توظيفهم إعلاميا لتوجيه الرأي العام الأمريكي والإسلامي عن حقيقة ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، فبعد تسع سنوات لم يثبت الغرب وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق كما أنه لم يثبت أي علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة، بل الغريب أن تنظيم القاعدة ولواحقها نمت وتصاعدت مع الاحتلال الأمريكي للعراق، وأسطورة مصعب الزرقاوي تبقى قائمة مع التضليل الإعلامي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، قد ننتظر في الأيام القادمة صوت بن لادن قادم من طورا بورا أو نائبه الظواهري لكي يثبت مرة أخرى أن تنظيم القاعدة حي يرزق رغم مطالبة عبد الحميد كرازاي من طالبان المفاوضات المباشرة لإنقاذ الجيش الأمريكي من حرب أثبت التاريخ السياسي للقوى والإمبراطوريات أن أفغانستان ستظل مقبرة لكل إمبراطورية آيلة للسقوط من بريطانيا إلى السوفيات إلى الأمريكان.