كانت المخابز تملا أحياء العاصمة في السنوات القليلة الماضية خاصة في سنوات الثمانيات و بداية التسعينيات، ففي كل حي مخبزتان على الأقل، هذا قبل أن تزاحم محلات المواد الغذائية هذه المخابز بعرضها للخبز مع باقي السلع المختلفة ما بين الغذائية والمنزلية وانتقلت سلال الخبز إلى أرصفة الشوارع ليباع الخبز فوق القمامات، في ظل تهاون لمعنيي بالمراقبة وبين استهتار المستهلك بصحته. نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها معظم أرجاء البلاد في الفترة الماضية خاصة فترة الإرهاب، لجأت معظم المخابز إلى غلق أبوابها بسبب تعرضها للإفلاس أو لمشاكل متعددة واجهت أصحابها بسبب منافسة المحلات، إلى غيرها من الأسباب التي تكالبت على هؤلاء الخبازين الذين لم يجدوا دعما حقيقيا من السلطات المحلية ومن اتحاد الخبازين، لذا فان اغلبهم أوصد أبوابه ورحل إلى مناطق أخرى يبحث عن حرفة تجارية أكثر ربحا أو استبدال حرفته الأصلية وتحويل المحل من مخبزة إلى محل لبيع المواد الغذائية أو الأطعمة السريعة أو حتى هاتف عمومي، فالمهم هو جني الربح والتخلص من الأعباء المتراكمة عليهم والديون التي ما فتئت تحاصر أيامهم فقرروا التخلي عن صنعة توارثوها عن الأجداد. هذا ما لاحظناه عند قيامنا بجولة استطلاعية في شوارع العاصمة بعد عيد الأضحى، فمن خلال استجوابنا لعدد لا باس به من أصحاب المخابز الذين لا زالوا ينشطون في ميدانهم رغم كل الصعاب التي تلاحقهم، فلقد عبر لنا مثلا(ن.ت) وهو صاحب مخبزة بإحدى شوارع باب الوادي بأنه مستحيل أن يتخلى عن صنعته التي ورثها عن أبيه وهو الآن يعلمها لأولاده وأقاربه الذين يعمل بعضهم معه الآن في بيع الخبز، ورغم قلة المدخول بلجوء المواطنين إلى شراء الخبز من اقرب محل لهم دون محاولة البحث عنه في مكانه الطبيعي وهو المخبزة، كما انه يرفض بتاتا ان يبيع سلال الخبز لبعض الشباب لكي يعرضوها في الطرقات فتكون سما يهدد حياة المواطنين دون دراية منهم، أما (ب.ح) وهو خباز شاب في الثلاثين من عمره ينشط على مستوى القصبة الوسطى فلقد أكد لنا أن المخبزة لا زالت تجني الكثير من الربح خاصة بانعدام المحلات في المنطقة، إلا انه تحسر على أيام خلت كان لا يخلو شارع من القصبة من مخبزة أو أكثر أما الآن فلقد غاب كل هذا،كما ان الاستثمار في هذه المهنة لم يعد يجذب احد خاصة الشاب الذين يحبون الأعمال السهلة و الميسرة،وعند توجهنا إلى بعض أحياء الجزائر الوسطى وجدنا اغلبها مغلقة مهترئة أوصدت أبوابها منذ زمن، وجدنا ان بعضها لا زالت متسخة تفوح منها رائحة كريهة نتيجة الكلأ الذي كان مخبئا فيها بعد ان استعملت هذه المحلات التي كانت مخابز في السابق إلى اصطبلات يباع فيها الكلأ أو حتى الكباش. حاولنا التقرب من صاحب احد هذه المحلات على مستوى شارع ذبيح شريف إلا انه اعترض عن الإجابة في بادئ الأمر ثم سرعان ما راح يحكي عن معاناته في سنوات الإرهاب وكيف لم يجد أحدا لمساعدته من اجل شراء آلات جديدة للمخبزة و إعادة تهيئتها و في ظل المنافسة من المخابز الجديدة التي ظهرت في الحي لم يستطع الصمود فأغلق المحل و لم يستعمله لمصلحة أخرى إلا من حيث كرائه لبعض الأشخاص أحيانا خاصة أبناء الحي لحفظ أشيائهم و سلعهم، ولم يمانع في كرائه بمناسبة عيد الأضحى لبعض الشاب الذين تشاركوا في تجارة الكلأ(القرط) و من ثمة تحول المخبزة إلى اصطبل،أ ما (م.ك) وهو صاحب مخبزة سابقة في نفس المنطقة فانه لم يرد الإجابة على أسباب غلق مخبزته ومن ثمة تحويلها في العيد إلى مكان لبيع الكباش بع ان تشارك مع احد القصابين من حيث جلب الكباش ثم بيعها ثم استعمال المحل في استقبال الأضاحي وتقطيعها في المخبزة . من جهتهم المواطنون لا يبالون بهذا الانقراض في المخابز، وليس لديهم فرق في شراء الخبز من مكانه الطبيعي أو المحل أو حتى الشارع، ففئة قليلة من الناس من تأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر وتحاول دوما البحث عن المخبزة في منطقتها لشراء خبز طازج معلوم المصدر، والملاحظ أن بعض الخبازين الذين التقيناهم هم على وشك ان يغلقوا أبوابهم في ظل الأزمة والظروف المتكالبة عليهم لهذا فهم يوجهون نداء استغاثة إلى السلطات المحلية بما فيها اتحاد الخبازين وزارة التجارة بان تتدخل سريعا لإنقاذهم ودعمهم لكي لا نستيقظ يوما فلا نجد أي مخبزة في العاصمة .