بأقواس ساحة أول ماي، بلوزداد، باب الوادي، ساحة الشهداء... الوضع واحد بعد أن صارت تلك الأقواس مأوى لمن لا مأوى له من جميع الفئات على غرار المتشردين والمختلين عقليا فهي آخر حيلة توصل لها هؤلاء بعد أن صدت في وجوههم مراكز الإسعاف الاجتماعي. ويتساءل المرء منا ما هو دور تلك المراكز في ظل الانتشار الرهيب لتلك الفئات على مستوى الأزقة والشوارع فلا يعدو المرء أن يتابع بضع خطوات حتى يتصادف بمتشردين من الجنسين في أبشع صورة ناهيك عن المختلين عقليا الذين باتوا يشكلون خطورة متربصة بالراجلين في كل وقت. انتهزنا فرصة تساقط الأمطار في هذه الأيام واقتربنا من بعض أزقة وشوارع العاصمة التي تلبس حلة مظلمة مع تساقط الأمطار يشتد ظلامها أكثر على بعض الفئات الهشة من المجتمع على غرار المشردين من مختلف الأعمار وكذا المعتوهين والمختلين عقليا الذين تدفعهم غرائزهم إلى القبوع تحت تلك الأقواس وجعلها مأوى مؤقت إلى حين خروج فصل الشتاء والعودة ثانية إلى المساحات الخضراء المقابلة للشمس تحت درجة حرارة مرتفعة وتتنوع بذلك ماسيهم مع تنوع الفصول ويكون الفصل المنقضي ارحم من الفصل المقبل. بأقواس ساحة أول ماي وقفنا على منظرهم وهم مصطفون هناك منهم من كان نائما يفترش الأرض ومن فوقه بطانية رقيقة لا تحميه من ذلك البرد القارص فيما اختار البعض الآخر الجلوس هناك وإطلاق نظرات بريئة على من يحومون حوله علها تستعطف قلوبهم وتدفعهم إلى مواساتهم والتصدق عليهم، فيما كان البعض الآخر يسال الناس الصدقات وتزويدهم بسندويتشات ساخنة تذهب عنهم قشعريرة البرد مما يدل أنهم يعانون من البرد والجوع وانعدام المأوى، وما جلب انتباهنا هو ذلك الشيخ الذي يناهز العقد السابع والذي كان يمسح علبة الهريسة بكمية من الخبز وكأنه أبى إلا القضاء على البرد بمذاقها الحار وفيما كان يجمع أغراضه ويضعها أمامه راحت سيدة أخرى تضم أبنائها من حولها وتحاول سترهم ببطانية رثة تقربنا منها فأعلمتنا أن زوجها هو من رمى بها إلى الشارع هي وفلذات أكبادها الثلاثة طفل وبنتين وأضافت أنها لا تتقوت إلا من صدقات المحسنين وأنها تتأثر أكثر في فصل الشتاء وطبيعته الغاضبة ولا تجد في وسعها إلا تلك الأقواس التي تحتمي فيها من قر البرد ولم تسلم حتى من جبروت زوجها الذي يحوم عليها في كل أمسية من اجل الاستحواذ على ما تجود به صدقات المحسنين وقالت أنها في ظل تلك الظروف لا تطلب إلا سقف بيت تحتمي فيه مع فلذات أكبادها خاصة وأنها تتخوف كثيرا من المبيت في الشارع الذي تتربص فيه وحوش بشرية لاسيما وأنها صغيرة في السن مما يجعلها مطمعا للآخرين. وفي ظل تلك الظروف المزرية للمتشردين في فصل الشتاء يبقى دور شبكات الإسعاف الاجتماعي مقتصرا على الحوم من حولهم وتزويدهم بأكلات وحساء ساخن بين الفينة والأخرى!.