أجمع علماء النفس على أن القلق في معناه هو الخوف مما قد يحدث، أي الخوف من الغيب، لأن كل أفعالنا المستقبلية تدخل في غيبيات القدر، إذ ما الداعي للقلق إن كنتَ تعلم جيداً عاقبة أمرك أو أنك لن تضارّ إذا فعلت شيئا ما لاحقاً، أو أن الأمر الذي ستقوم به سيعود عليك بالضرر إن فعلته؟ بالطبع لن تفعله وستنتهي المشكلة إذاً· ولكن الله تعالى أراد أن يحجب عنا الغيب رحمة بنا وقياسا لمدى إيماننا به سبحانه، والقلق متعلق بكل ما يجول في خاطرنا عن الثانية الآتية من حياتنا وتوقعاتنا لها، وعلى الرغم من علمنا أنه غيب حتمي لن يغيِّره تفكير، ولن يوقفه اعتقاد، إلا أننا نستطيل الفكر بشأنه خوفا من حدوث ما نخشاه أو ما سيؤول إليه حالنا، ناسين في الحقيقة أن الله تعالى هو المقدر والمتصرف في مصير عباده· ولهذا فالقلق ليس مرضا نفسيا ونحن نتفق على هذا كما اتفق علماؤنا من قبل، إذاّ فما حقيقة القلق؟ في الواقع القلق ظاهرة غير إيمانية؛ إذ المؤمن الحق لا يترك للريب بؤرة في رحمة الله وقدره، ويتخذ من قوله تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) قانونا لا يحيد عنه، وسببا لسكينة حياته ومستقبله، فلا يحزن لما أصابه، ولا يفكر فيما قد يصيبه، إنما يبذل ما بوسعه من سبل الكد والسعي وبلوغ الأسباب ومن ثم يتوكل على الله وهو محسن الظن فيه سبحانه أنه سيوفقه لما فيه صلاح نفسه، راج منه الرضا في الدنيا والآخرة· وكمثال عملي، الإنسان الذي يقلق لعدم وجود فرصة عمل وبالتالي فإن الحالة المزاجية والمالية لديه أسوء ما يكون، فتراه منحازا على نفسه ومنطويا، شديد العصبية يائسا، وإذا بحث عن عمل ووجده غير مناسب له أو تعرض فيه إلى ما لا يرضيه، أصابه الضجر وأحاطت به الهموم مقتنعا بأن محاولته هذه كافية، وأنه فعل ما بوسعه، أيمكن لهذا الشخص أن يحصل على العمل الذي يريده إذا سيطر عليه اليأس أو إذا اعتمد على الآخرين؟ أو هل يحق أن يوفقه الله إلى عمل دون أن يبذل أقصى ما لديه من جهد؟ وهل نفعه القلق الآن؟ وكل هذا لأنه لم يتوكل على ربه ولم يجتهد بخطوات فعلية تساند توكله على خالقه، فانجرف إلى أعماق القلق دونما أي جهد منه، بل وتهاون في انتهاز الفرص التي ربما كانت ستتاح له إن بحث عنها· وهناك نقطة قد تغيب عن البعض، أن كل شيء في حياتنا متعلق بمدى سعينا نحوه، وما قدمناه من أعمال أو اجتهادات تحقق لنا ما نأمل تحقيقه، فالإنسان يكد ويجتهد بمجموعة من الخطوات التي تتعلق بأمله والله تعالى يكتب له الفلاح في أمره بعد إحدى هذه الخطوات لا يعلمها إلا الله، وفي وقت محدد كتبه الله له إن كان آجلا أو عاجلا· كل هذه الحقائق تؤكد لنا أهمية الصبر وحسن الظن بالله وتعلمنا أن نروض أنفسنا على الطاعة والأمل في الله، فهيا ندعو بعضنا بعضاً ألا نقلق وأن نجتهد في الدنيا ونحن محسنون الظن بالله ومتوكلون عليه سبحانه راضين بكل ما يكتبه لنا أو علينا، متذكرين قول النبي البشير صلى الله عليه وسلم (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، فإذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن لو الناس اجتمعوا على أَن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) حديث حسن صحيح رواه الترمذي· * المؤمن الحق لا يترك للريب بؤرة في رحمة الله وقدره، ويتخذ من قوله تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) قانونا لا يحيد عنه، وسببا لسكينة حياته ومستقبله، فلا يحزن لما أصابه، ولا يفكر فيما قد يصيبه، إنما يبذل ما بوسعه من سبل الكد والسعي وبلوغ الأسباب ومن ثم يتوكل على الله وهو محسن الظن فيه سبحانه أنه سيوفقه لما فيه صلاح نفسه، راج منه الرضا في الدنيا والآخرة·