سؤال يتبادر إلى ذهن كل مسلم: هل يكفى أداء العبادات وحدها في إصلاح حياة الناس؟ فنحن نرى البعض يقومون بأداء العبادات كما ينبغي لكن في معاملاتهم أفعالاً يستنكرها العقل، ولأن الدين معاملة، يطرح السؤال نفسه: هل يؤجر المرء على أدائه الحركي دون السلوكي؟ وما الشروط الصحيحة في أداء مناسك العبادة وأثر ذلك في سلوك الفرد المسلم؟ يقول الشيخ خيري الدريني أن أداء العبادات يتطلب نقاء النفس المسلمة من كل ألوان الشر ومعاول الشياطين التي يتسرب منها الأذى للناس، ومن البديهي أن فاعل الشر يأثم ولن تثمر فيه العبادة طالما أن النفس موحشة لم ترتق بها أداء العبادات للتحلي بأخلاق الإسلام الطيبة· ويضيف الشيخ أن أداء العبادات يتطلب الإخلاص في العقيدة فالمؤمن القوى صاحب عقيدة قوية وسلوك سويّ ترى فيه الخير والسماحة والتقوى والالتزام بمنهج الله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)· والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر بل إنها تعوّد المرء على الالتزام والطاعة والإخلاص لله تعالى (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)· تطهير النفس وإذكاء الروح من جانبه، يشير الشيخ محمد النواهلى أن العبادات تطهيرٌ للنفس وإذكاء للروح ومنها الزكاة التي تعلى قيمة التكافل الاجتماعي بين المسلمين في بقاع الأرض، فدور المسلم الناهض يأتي في بناء المجتمع وما ينشره من أفعال نبيلة وحكيمة تنفع البشرية ولا تدمرها (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولاشك أن جماليات أداء الفرائض ومنها الزكاة أن الله جعلها حقا من الحقوق للفقراء وليست امتنانا من الأغنياء (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وإن كانت مصحوبة بشيء من الرياء والمنّ والمباهاة فلن تُقبل، لأن النية محلها القلب والجزاء من جنس العمل (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين)· والمسلم دائما ما يستمد سلوكه من عقيدته وإيمانه يخطو خطواته صوب نفسه لا يظلم ولا يغتاب ولا يراهن أو ينافق أو يكذب أو يدفع نحو هلاك مجتمعه من أجل مصلحة شخصية أو مغنم ولا يظن في الناس الظنون كما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)، وليس من أخلاق المسلم العناد والمكابرة والظن بالناس السوء كقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسبوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)· واجبات المسلم الحياتية عدم الدفع بالشر والتخريب وإيذاء إخوانه أو ترويعهم، هكذا أشار الشيخ الدريني وأكد على ضرورة الالتزام بالسلم وزرع القيم عند النشء الصغار والالتزام بالطاعة والإيمان والوفاء بالوعد والحفاظ على مقدرات الأمة ومصالح الناس فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، لأنه وحدة متكاملة ظاهره يماثل باطنه، أداؤه السلوكي يقارن معاملاته الحياتية بين الناس ليتسامى عن الخطايا والآثام، لا يقبل غير منهج الله بديلا في سلوكه الحياتي، يتمتع بالأخلاق والفضائل والحرص على مصالح أمته ومجتمعه حتى ينال مرضاة الله فخيركم خيركم لأهله والله سبحانه من يجازى العباد (وما ربك بظلام للعبيد)·