تعدّ النّافورات إرثا اجتماعيا اكتسبته الأسر الجزائرية منذ أمد بعيد على مستوى بيوتها وفيلاّتها أو »بيوت العرب« كما يطلق عليها. النّافورة التي عادة ما تتوسّط ساحة المنزل أو تكون على مستوى السطح، وتعدّ الملجأ الوحيد لأهل البيت بحثا عن الرّاحة وقضاء بعض السويعات بالقرب منها تحت ظلال الأغصان الملتفّة من حولها. وتعدّ النّافورة تحفة جميلة تتوسّط أغلب البيوت الواقعة في المقاطعات العريقة على مستوى العاصمة وغيرها من الولايات المحاذية لها كالبليدةوالمدية وتيبازة، وهناك من العائلات الجزائرية من جعلت تلك الساحات التي تتوسّط تلك النّافورات كمكان لإقامة حفلات الزّفاف مستغنية بذلك عن قاعات الحفلات. ذلك ما التزمت به العديد من الأسر الجزائرية التي أبت إلاّ المحافظة على ذلك الكنز الغالي والإرث النّفيس المتوارث عن الأجداد، دليل ذلك بقاء تلك النّافورات في مكانها على حالها من دون أن يلحقها أيّ ترميم أو تعديل، حتى وإن جفّت عن بعضها المياه التي كانت تزيد من جاذبيتها إلاّ أنها بقيت على حالها واكتفي بها لتجميل ساحة البيت أو سطحه. وتعتبر ولاية المدية كغيرها من الولايات الأخرى مميّزة ب »دويراتها« كما يحلو لسكان العاصمة إطلاقه على المباني المعمارية بتلك النّافورات، ويشكّل امتلاك نافورة عنوان رخاء ورفاهية بالنّسبة للعديد من العائلات بولاية المدية التي تتباهى بهذا الامتياز الذي عادة ما يسمح لها ولضيوفها بقضاء أوقات ممتعة بمحاذاة تلك النّافورات التي تزيد من عراقة الطابع المعماري التقليدي لتلك السكنات. وتوجد بولاية المدية عدّة بيوت وأحواش أنجزت ما بين القرنين 19 و 20، وما يميّزها خاصّة هو تواجد تلك النّافورات التي لازال البعض منها مزوّد بالمياه انطلاقا من منابع جوفية تزخر بها المنطقة إلى حد الآن. وتعتبر النّافورة بالنّسبة لسكان ولاية المدية كغيرهم من الجزائريين بالولايات الأخرى، على غرار العاصمة، البليدة، تيبازة ،خاصّة القليعة المعروفة بالمحافظة الشديدة على كلّ ما هو تقليدي، النّواة الحضرية القديمة للمدينة، وغالبا ما تكون تلك النّافورات مزيّنة بالخزف أو الفسيفساء (الزليج) الذي يعدّ عنصرا أساسيا في حياة العائلات »المدانية« ويشابهونهم في ذلك سكان القصبة الذين تتميّز بيوتهم أو »دويراتهم« كما يحلو للبعض الإطلاق عليها بتنميقها المضاعف بالرخام والفسيفساء. والنّافورة علاوة على كونها تحفة تزيّن البيت كان أصحابها لوقت غير بعيد يعتبرونها بمثابة علامة تمييز اجتماعي ترمز إلى الرّفاهية و المركز الاجتماعي للعائلة، فيستعملونها في الجلسات وعادة ما يلتفّ الضيوف والأقارب حول النّافورة التي تتوسّط ساحة البيت بمناسبة الاحتفال بالأعياد الدينية والتقليدية وحفلات الزّفاف وفي سهرات فصل الصّيف. كما يتّخذ سكان الأحواش المتناثرة حول المدينة من النّافورات التي غالبا ما تنجز بالقرب من كروم العنب والنباتات العطرية كالحبق والياسمين ملجأ لهم في فصل الحرّ، حيث يقصدونها لتناول فنجان قهوة أو تقاسم طبق تقليدي مع الضيوف في ظلّ حقول الكروم وتلك النّسمات العبقة المنطلقة من شتى النباتات العطرية. ورغم التوسّع الحضاري الذي شهدته مدينة المدية في العقود الأخيرة، إلاّ أن هذا الموروث الذي يرجع تاريخه إلى العهد العثماني صمد في وجه العصرنة والتمدّن، حيث احتفظت النّافورة بمكانتها كعنصر تزيين ورمز اجتماعي عريق. ومع ارتفاع عدد السكان والاحتياجات إلى الماء بات من الضروري تقاسم هذا »الملك« بين كافّة أفراد المجتمع ممّا أدّى إلى مضاعفة عدد النّافورات التي يتردّد عليها السكان للتزوّد بما يحتاجونه من مياه. وقد قام العديد من سكان المدية بإنجاز عمليات ربط انطلاقا من آبارهم الشخصية لتمكين المواطنين من التزوّد بالمياه ليلا و نهارا، علما أن مدينة المدية وضواحيها تتوفّر على عدد كبير من منابع المياه تقدّر بأكثر من 1500 منبعا مستغلاّ من طرف السكان. ولاتزال العديد من الأحياء السكنية بالمدية تحمل اليوم أسماء نافورات قديمة هي جزء من التراث المحلّي منها »عين تاقبو«، »عين لعرايس« و»تالا عيش« التي يتردّد عليها السكان منذ سنين للتزوّد بمياه باردة وطبيعية. وباتت تلك النّافورات وسيلة من أجل الترابط الاجتماعي وتوسيع العلاقات بين القرى المجاورة بعد أن يلتقي حشود المواطنين هناك من أجل التزوّد بالمياه العذبة التي تطلقها تلك النّافورات التقليدية العريقة التي تعدّ إرثا هامّا غاليا وجب المحافظة عليه والاعتناء به وحمايته من كلّ بطش يطاله.