اختار البعض من الأطفال تمضية العطلة الشتوية في العمل بدل الراحة مثلهم مثل أقرانهم وذلك بامتهانهم بعض الحرف المعهودة على غرار بيع المطلوع ومختلف الأكلات التقليدية عبر الطرقات السريعة وبذلك كانوا في مواجهة حرارة الشمس صيفا وهم الآن في مواجهة البرد والأمطار في فصل الشتاء، بحيث نجدهم يتسلحون بالألبسة إلا أنها لا تنفعهم في مقاومة تلك الرياح الشديدة على مستوى طرقاتنا السريعة، ومكثوا هناك بالرغم من الأخطار التي تتربص بهم وسهولة تعرضهم إلى شتى المخاطر على غرار حوادث المرور بل حتى استغلالهم أو التحرش بهم هذا إن سلموا من الخطف· خ· نسيمة وعلى الرغم من اعتيادنا على مشاهدة تلك السيناريوهات في فصل الصيف الذي يلائم نوعا ما امتهان تلك التجارة فلا يعقل أن يمارس هؤلاء الأطفال بيع مختلف الحاجيات على مستوى الطرقات السريعة في فصل الشتاء، حيث تشهد تلك الطرقات خلوا تاما بسبب الجو الذي يخيم على مناخ فصل الشتاء وطبيعته الغاضبة، لكن هؤلاء الأطفال تحدوا تلك الصعاب وامتهنوا تلك الحرف وقاوموا البرد بل حتى الجوع من أجل العودة إلى عائلاتهم المعوزة ببعض المداخيل لفك كربها· وتتكرر تلك المشاهد عبر طرقاتنا السريعة في مختلف النواحي داخل العاصمة وخارجها بحيث نجد هؤلاء الأطفال مصطفين على حواف الطرقات وهم يعرضون ما جادت عليهم به تجارة اليوم وتتنوع سلعهم بين المأكولات التقليدية أو بعض الحشائش التي توفرت لديهم بطريقة مجانية خاصة وأنها مطلوبة بكثرة مما يؤدي بهم إلى عرضها على السائقين· اقتربنا من بعض هؤلاء الأطفال على حواف الطريق الرابط بين الجزائر العاصمة وبئر توتة التقينا بأمل التي اضمحل أملها منذ صغرها وهي مزودة بالألبسة الشتوية التي أظهرتها ثخينة على الرغم من ضعف بنيتها، هي فتاة في الربيع الثاني عشر دفعتها الظروف إلى بيع المطلوع التي تعده أمها كل صباح اقتربنا منها فاستقبلتنا بابتسامة عريضة على الرغم من الحالة التي كانت عليها، بحيث مالت يداها الاثنتين إلى الازرقاق من شدة البرد لاسيما مع الرياح التي تعرفها حواف الطرق السريعة، أخبرتنا أنها تزامنا مع العطل الفصلية تذهب إلى امتهان تلك الحرف ببيع المأكولات التقليدية على مستوى الطرق السريعة والتي تعرف رواجا كبيرا مما يكلفها عقد ثلاث رحلات من وإلى بيتهم من أجل تجديد الكمية بعد نفاد الأولى، وعن الأخطار التي تتربص بها هناك على رأسها احتمال تعرضها لحوادث مرور خطيرة قالت إنها دأبت على ذلك النشاط منذ عامين ولم يصبها أي مكروه لا في الصيف ولا في الشتاء، أما عن دراستها فقالت إنها نالت معدل 12 من 20 فهي لا تستغني أبدا عن دراستها على حد قولها لعلها في يوم من الأيام ستفك عنها غبنها· أما إبراهيم ذو 11 سنة الذي كان يحاذيها وكان يعرض بعض أنواع الحشائش المستعملة في الطبخ فقال إنه دأب على القدوم إلى ذات المكان في كل يوم من أجل مزاولة نشاطه هناك ولا يبرحه إلا مع وقت الغروب بالنظر إلى الطلب الكبير لسلعته في الفترة المسائية، وعن المداخيل قال إنها لا بأس بها وتمكنه من اقتناء بعض مستلزمات المدرسة بدل طلبها من أوليائه· تبقى هي وضعية بعض أطفالنا الذين دفع بهم القدر وأولياؤهم أيضا إلى تحمل مسؤولية تكبر عنهم بكثير بل وتعرضهم إلى مخاطر شتى تتربص بهم من كل جانب·