يبدو أن شركة »بلاك ووتر« الأمنية الأمريكية التي ارتكبت الكثير من الجرائم ضد الشعب العراقي، تبحثُ عن مسار آخر لتبثَّ فيه سمومها، حيث بدأت تظهر في جنوب السودان للحصول على صفقات تسليح وتدريب وأمن من حكومة الجنوب، فضلا عن دعم نصارى الجنوب. اللاّفت في الأمر أن هذا الإجراء يأتي في الوقت الذي تفرِض فيه الإدارة الأمريكية حظرًا اقتصاديا على السودان، وكأنه اعترافٌ صريح من الأمريكيين بأن جنوب السودان يختلف عن شماله، في إشارة واضحة وصريحة إلى الانفصال. وتشكِّل انتهاكات الحظر الاقتصادي التي ارتكبها إريك برينس مالك »بلاك ووتر« محورًا رئيسيا من محاور التحقيقات التي تُجريها السلطات الفيدرالية حول أنشطة »بلاك ووتر« المشبوهَة، لكنها تحقيقاتٌ دون فاعلية، وهذه الأنشطة تشمل التصديرَ بطرق غير قانونية، وتقديم الرِّشَى. وفي هذا السّياق، فإن برينس له صلاتٌ وارتباطات وثيقة مع مسؤولين كبار في البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية في عهد جورج بوش، في الوقت الذي تتفاوض فيه إدارة أوباما مع »بلاك ووتر« على غرامة بملايين الدولارات لتسوية اتِّهَامات انتهاك الشركة لضوابط التصدير الأمريكية الخاصّة بالسودان، والعراق وفي أيّ مكان آخر، على الرغم من تنصُّل برينس من اسم شركته وطرحه تسميةً جديدة لها وهي »إكس إي م للخدمات« لكي يتملَّص من التّهم والسمعة السيّئة التي اقترنت بالاسم القديم. ** نَهْبُ السُّودان وتشير تقارير إعلامية أمريكية إلى أن »بلاك ووتر« تسعى إلى إيجاد موْطِئِ قدَمٍ لها في جنوب السودان لكي تستغلَّ ثرواتِه النّفطيةَ والمعدنية، ووفقًا لاثنين من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية السابقة، عَرَض برينس على حكومة جنوب السودان تقديم حزمة أنشطة وتجهيزات دفاعية تنفِّذُها شركته مقابل تعهّد حكومة الجنوب بتخصيص نصف ثروة جنوب السودان المعدنية لمنفعة »بلاك ووتر« وكأنه استنزافٌ جديد للشركة لمصالح عربية، لتضاف إلى الفظائع التي ارتكبتها شركته في العراق، وهو المعروف بتطرّفِه الديني وعداوته الكاسحة للإسلام والمسلمين كونه عضوًا في منظّمة إنجيلية موتورة، أحد أهدافها العليا إبادة المسلمين، لذلك اهتمَّ برينس بتغلغُل شركته في جنوب السودان لرغبتِه في مناصرة الجنوب ذي الأغلبية النّصرانية على حساب شمال السودان الذي يضُمُّ أغلبية مسلمة. يُضاف إليه أيضًا فورد فيليبس، والذي يعَدُّ من أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في »بلاك ووتر«، وهو ناشطٌ إنجيلي متطرِّف عمل سابقًا في الكونغرس ويُدير حاليًا مؤسسة غير ربحية مقرُّها ولاية فرجينيا تروِّج لما تسمّيه »محنة المسيحيين في جنوب السودان«، وتدّعي المؤسسةُ أنها تعمل من أجل مناصرة نصارى جنوب السودان. ** تحرُّكاتُ فاعلة في الجنوب وبناءً على طلب من إريك برينس، التقى براد فورد فيليبس مع مسؤولي حكومة جنوب السودان، وقام بتزكية خدمات الحماية الأمنية التي تسوّقها »بلاك ووترش، ووفَّر الظروف الملائمة لعَقْد اجتماعات بين سيلفا كير وإريك برينس في إفريقيا وواشنطن. وفي اجتماعات واشنطن، كان الشخص الذي يقودُ الترويجَ لخدمات ومبيعات »بلاك ووتر«، رجلا يُدعى كوفر بلاك، وهو مسؤول رفيع سابق في ال »سي آي إيه« وفي وزارة الخارجية الأمريكية. وبعد التفاوض على عقد مبدئي بمليوني دولار لتدريب أطقُم الحراسة الشخصية للجنرال سيلفا كير، قدَّمت »بلاك ووتر« عقودًا قُدِّرت قيمتُها بأكثر من مائة مليون دولار لتجهيز وتدريب جيش جنوب السودان. ولأن جنوب السودان كان يُعاني نقصًا في السيولة، سعت »بلاك ووتر« حسب ما ذكر مسؤول أمريكي سابق، للحصول على نسبة 50 بالمائة من ثروة الجنوب المعدنية الكامِنة. وإلى جانب احتياطيات البترول والغاز المعروفة، يمتلك جنوب السودان احتياطيات ضخمة وغير مستغلَّة من الذَّهَب والحديد والماس، ويقول مسؤولون أمريكيون إن غالبية النّاس لا يعلمون بأن هذه المواد موجودةٌ في جنوب السودان، لكن »بلاك ووتر« تعلمُ بأمرِها. والانتهاكات التي يشتبه في أن »بلاك ووتر« ترتكبُها تشمل التوسُّط لتقديم خدمات دفاعية من دون الحصول على ترخيص مصدَّق من الحكومة الأمريكية، وشحن هواتف تعمل بالأقمار الصناعية وتجهيزات بريد إلكتروني مشفَّر لمسؤولي حكومة جنوب السودان، والسعي إلى فتح حساب مشترك مع حكومة الجنوب في مصرف في ولاية مينيسوتا. ولذلك يأتي تهافُت »بلاك ووتر« على العمل في السودان كمحاولة لتوسيع أعمالِهَا خارج العراق، خاصّةً بعد تسرُّب معلومات وتقارير عديدة تشير لأنشطتها القَذِرة فيه، ومقتل أربعة من حرّاس أمنيين تابعين للشركة في كمين عام 2006، فضلا عن أنها ترى أن إفريقيا تمثّل لها سوقًا جديدة.