الأوروبيون يحتفلون ب"عيد ميلاد الأورو" وسط أزمة خانقة بعد أن صرّح مسؤول كبير بوزارة المالية أن الجزائر لن تكون في منأى عن تداعيات وتأثيرات ما يعرف بأزمة الأورو التي زلزلت الاقتصاد الأوروبي، مشيرا إلى أن التأثير أكيد، ولكن مداه وتوقيته غير معلوم، يشير متتبعون إلى أن أولى تأثيرات الأزمة المذكورة ستمس سوق السيارات بالجزائر، حيث يُرتقب أن تشهد أسعارها زيادة كبيرة خلال الشهور القادمة· ويرى متتبعون أنه بالنظر إلى تراجع مبيعات السيارات في الأسواق الأوروبية، نتيجة الأزمة، فإن صانعي السيارات في أوروبا سيلجأون، خلال سنة 2012، إلى تقليص الإنتاج، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على أسعار السيارات في الأسواق الجزائرية، ناهيك عن اضطرار المنتجين الأوروبيين للسيارات إلى رفع أسعار منتجاتهم الموجهة للأسواق غير الأوروبية، ومنها السوق الجزائرية، بهدف تعويض خسائرهم في أوروبا، وهو ما ينذر بارتفاع كبير في أسعار المركبات الأوروبية المسوقة بالجزائر، علما أن هذه الأسعار ملتهبة أصلا· مبيعات السيارات تتراجع في أوروبا كشفت بيانات اتحاد منتجي السيارات الأوروبي أن مبيعات السيارات الأوروبية تراجعت بنسبة 3.5 في المائة في نوفمبر من العام الماضي نتيجة اشتداد أزمة ديون منطقة الأورو· وقال الاتحاد - ومقره بروكسل - إن الهبوط سببه تراجع حاد في أسواق السيارات الرئيسية في دول الاتحاد الأوروبي·· باستثناء ألمانيا التي خالفت الاتجاه لتسجل زيادة نسبتها 2.6 في المائة في عدد التراخيص الممنوحة للسيارات في الشهر المذكور· وقال الاتحاد إن المبيعات الألمانية في الأحد عشر شهرا الأولى من العام الماضي ارتفعت بنسبة 9.1 في المائة· ويتضح أن ما جعل إجمالي مبيعات السيارات الأمريكية يتراجع هو أسواق السيارات في الدول التي تقع في قلب أزمة ديون منطقة الأورو المؤلفة من 17 دولة، التي سجلت أكبر تراجع الشهر الماضي، ومنها هبوط بنسبة 6.4 في المائة في إسبانيا و9.2 في المائة في إيطاليا· كان التراجع أكثر من حاد في آيرلندا والبرتغال اللتين سجلتا نسبة كبيرة بلغت 48.8 في المائة· وكان اللافت، انتعاش السوق اليونانية بنسبة 16.5 في المائة· وتجري كل الدول جولة صارمة من إجراءات التقشف بهدف ضبط مالياتها العامة· وسجلت فرنسا تراجعا بنسبة 7.7 في المائة· وانعكس ذلك في بيانات المبيعات الأوروبية لشركات السيارات الوطنية مع تسجيل شركة (بيجو - ستروين) الفرنسية تراجعا في عدد التراخيص بنسبة 13.7 في المائة وإيطاليا بنسبة 12.2 في المائة· في المقابل، سجلت شركة (فولكس فاغن) الألمانية، أكبر منتج للسيارات في أوروبا، قفزة نسبتها 5.7 في المائة في عدد تراخيص سياراتها في نوفمبر الماضي، مما يساعدها في تحقيق طموحها بأن تتخطى مجموعة (تويوتا) اليابانية كأكبر منتج للسيارات في العالم· وكانت (فولكس فاغن) قد أعلنت أنها تعتزم استثمار 1.5 مليار أورو (ملياري دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة لزيادة الإنتاج في مصانعها في سلوفاكيا وذكر متحدث باسمها إن مصنع اللحام الجديد في براتسلافا سيدخل مرحلة التشغيل في الربع الأول من عام 2012· وسجلت مبيعات السيارات في بريطانيا حيث تجري الحكومة جولة صارمة من خفض الميزانية تراجعا بنسبة 4.2 في المائة· وقال اتحاد منتجي السيارات الأوروبي إن إجمالي تراخيص السيارات في الاتحاد الأوروبي تراجع بين جانفي ونوفمبر 2011 إلى 12.16 مليون سيارة أي بنسبة تبلغ 1.4 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي· وبالمقارنة مع نظيراتها من الشركات الأوروبية، سجل العديد من شركات السيارات الآسيوية أداء طيبا خلال شهر نوفمبر الماضي فقد سجلت (تويوتا) زيادة في مبيعاتها الأوروبية بلغت نسبتها 4.1 في المائة وشركة (كيا) الكورية الجنوبية ارتفاعا آخر بنسبة 3.2 في المائة· من ناحية أخرى، سجلت الدول الأوروبية التي لا تتعرض لأزمة ديون الأورو مبيعات قوية خلال شهر نوفمبر المذكور، ومنها أسواق السيارات في بلغاريا وجمهورية التشيك وهولندا والدنمارك، فضلا عن دول البلطيق: لاتفيا وإستونيا وليتوانيا· عشر سنوات من اعتماد الأورو·· وأزمة خانقة فرض الأورو نفسه على ملايين الأوروبيين منذ اعتماده قبل عشر سنوات دون أن ينجح في الفوز بقلوبهم ولا في فرض نفسه على الأسواق التي باتت اليوم تشكك حتى في وجوده· وبعدما بدأ التداول بالعملة الأوروبية الموحدة منذ العام 1999 في الأسواق المالية، ظهرت في الحياة اليومية لمواطني 12 دولة أوروبية في الأول من جانفي 2002 مع سحب العملات الوطنية مثل الفرنك الفرنسي والمارك الألماني وغيرهما من التداول· واليوم باتت منطقة الأورو تشمل 332 مليون شخص في 17 دولة بلغت فيها الكتلة النقدية قيد التداول في منتصف 2011، 14،2 مليار ورقة مالية و95،6 مليار قطعة نقدية بقيمة تقارب 870 مليار أورو، بحسب أرقام البنك المركزي الأوروبي· وتثني الأوساط السياسية والاقتصادية الأوروبية على فوائد الأورو فتذكر المفوضية الأوروبية على موقعها الالكتروني أنه أتاح (خيارات أوسع وأسعارا أكثر استقرارا للمستهلكين والمزيد من الأمان والفرص للشركات والأسواق)، فضلا عن كونه (مؤشرا ملموسا إلى هوية أوروبية)· لكن مع اندلاع أزمة الأورو التي انطلقت من اليونان عام 2010 قبل أن تمتد تدريجيا إلى منطقة الأورو برمتها، عادت المآخذ القديمة إلى الظهور فغلب التشكيك في جدوى الأورو والاتحاد الأوروبي وازدادت مشاعر الارتياب ما بين بلدان شمال منطقة الأورو وبلدان جنوبها لتصل إلى حد غير مسبوق· وعلى الرغم من فوائد العملة الموحدة في مجالات مثل السفر، يقول أندري سابير الخبير الاقتصادي في مركز بروجل للأبحاث حول السياسات الاقتصادية في أوروبا: إن(المستهلكين لم يكونوا يوما مرتاحين كثيرا ل(الأورو) وبقيت لديهم تلك الفكرة التي ظهرت منذ بدء اعتماده بأنه يعني زيادة في الأسعار)· وإن كان البنك المركزي الأوروبي حرص على الحفاظ على استقرار الأسعار مع بقاء نسبة التضخم بحدود 2 في المائة سنويا منذ 1999، إلا أن تركيز المستهلكين انتباههم على أسعار مواد الاستهلاك اليومي مثل الخبز والبنزين آثار ظاهرة تضخم شعر بها جميع سكان الدول التي انتقلت إلى الأورو· وأوضح سابير، أن الذين ما زالوا يقارنون الأسعار بالأورو مع الأسعار بعملاتهم الوطنية السابقة (يقومون بتلك (المقارنة) حتما مع الأسعار قبل عشر سنوات)، ما يولد ذلك الانطباع بحصول تضخم قوي الذي ما زال منتشرا لدى عديد من الأوروبيين اليوم· أما الهوية الأوروبية التي كان يفترض أن يرسخها الأورو، فقد تلقت ضربة قوية مع أزمة الديون الأوروبية والمفاوضات الشاقة والمطولة، بحثا عن حل لها والتي واكبتها مشاعر ريبة ونقمة، إذ اتهم الألمان اليونانيين ب (الخمول) فيما بدرت عن بعض الإيطاليين والفرنسيين أخيرا مواقف تنم عن عداء للألمان· والشركات من جهتها تثني على فوائد الأورو، ولا سيما في ألمانيا، حيث يشير يورجن بيبر، المحلل في مصرف ميتسلر الألماني، إلى أن قطاع صناعة السيارات الذي يحتل حيزا مهما من الاقتصاد الألماني حقق مدخرات تراوح بين 300 و500 مليون أورو في السنة على صعيد كلفة التعاملات المصرفية منذ اعتماد العملة الموحدة· لكن سابير يلفت إلى أن الأورو لم يكن سوى (عامل من بين عوامل عديدة) حركت الاقتصاد الأوروبي الذي حقق أساسا اندماجا واسعا منذ معاهدة ماستريشت وإسقاط الحدود بين دول فضاء شينغن عام 1993، ثم توسيع الاتحاد الأوروبي إلى أوروبا الشرقية اعتبارا من 2004، فضلا عن العولمة· وقال فيليب وايت، الباحث في مركز الإصلاح الأوروبي في لندن: إن (كل شيء كان يسير على ما يرام حتى قيام الأزمة المالية التي كشفت عن الثغرات المؤسساتية في منطقة الأورو)· وأدى انعدام الاندماج المالي وقلة الرقابة على النظام المصرفي مع الوقت إلى نقاط خلل كبرى· وقال الباحث البريطاني: إن التدني الشديد في نسب الفوائد في أوروبا الجنوبية الذي واكب الانتقال إلى العملة الموحدة، حث الحكومات وكذلك المؤسسات والأسر على الإسراف في الاقتراض، في حين أن عديدا من دول الشمال (أساء تقدير المخاطر)· واتفقت دول منطقة الأورو في ديسمبر على تعزيز الانضباط المالي من خلال إرسائه في المعاهدات الأوروبية، لكن دون أن تصل إلى عتبة الفيدرالية· لكن على الرغم من هذه المشاكل، إلا أن أحدا لا يفكر جديا في العودة إلى العملات الوطنية السابقة، رغم ظهور حنين إليها، ولا سيما لدى الألمان الذين كانوا متمسكين بالمارك، كونه رمز معجزتهم الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية والذين يتهيأ لهم أنهم يدفعون دائما ثمن أزمات الدول المجاورة لهم· ويحذر الخبراء الاقتصاديون من أن الخروج من الأورو سيكون له وقع الكارثة بالنسبة للمصارف الأوروبية؛ إذ سيترافق على الأرجح مع تدني قيمة عملات دول جنوب أوروبا المقترضة منها· أما ألمانيا التي ستسجل في مثل هذه الحالة ارتفاعا كبيرا في سعر عملتها، فستخسر الكثير من قدرتها التنافسيةو ما سينعكس على صادراتها وسيتسبب بفقدان الكثير من الوظائف· وهزأ ينس فيدمان، رئيس البنك المركزي الألماني، أخيرا من شائعات سرت حول إعادة طبع العملة القديمة للجمهورية الفيدرالية سرا، فقال (ليس هناك خطة بديلة، ولا طابعات في أقبية البنك المركزي الألماني)·