مازالت تفاعلات أزمة الديون السيادية الأوروبية تطغى على الأحداث الاقتصادية العالمية، ومع تعقد هذه الأزمة لن تكون الجزائر بعيدة عن تداعياتها السلبية، خاصة وأن عددا من الدول الأوروبية تواجه صعوبات مالية قد تدفعها إلى خيارات تدفع ثمنها دول غير أوروبية منها الجزائر. التضخم رفع الواردات بأكثر من 6 ملايير دولار خلال سنة الجزائر ليست في مأمن من رياح الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الأوروبي تواجه دول منطقة الأورو -و هي أهم الدول الشريكة للجزائر ماليا واقتصاديا- أزمة هي الأهم من نوعها، والتي ستكون لها مع سنة 2012 تداعيات سلبية، تؤثر على الجزائر مع ارتفاع نسب التضخم، وبالتالي كلفة الاستيراد وتراجع قيمة جزء من الاحتياطي الجزائري المقيد بالأورو، وتستعد أوروبا وخاصة فرنسا وإيطاليا لتسيير مرحلة ما بعد تخفيض تصنيفها من قبل هيئات التنقيط ودفع مبالغ أكبر نتيجة ارتفاع نسب الفوائد. يرتقب أن تقوم أهم هيئات التنقيط ''موديز'' وستاندار أند بورز'' بمراجعة تصنيفات الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، وتخفيض تصنيف إيطاليا مجددا، مما سيؤدي إلى ارتفاع نسب الفوائد، وصعوبة وصول هذه البلدان إلى قروض جديدة بنسب فوائد متدنية. ففرنسا التي كانت تقترض من السوق المالية لتمويل جزء من عجزها بنسب فوائد تتراوح ما بين 3 و5 ,3 بالمائة، ستضطر إلى دفع نسب أعلى ما بين 5 و6 بالمائة. أما إيطاليا التي تدفع حاليا حوالي 7 بالمائة، فإنها يمكن أن تدفع 8 إلى 9 بالمائة، وهو ما يعني ضرورة إيجاد موارد مالية إضافية، في وقت ستقوم البنوك والمؤسسات المالية والأسواق بالتحفظ على إقراض هذه الدول بسهولة، وترفع نسب فوائدها أكثر. وتكمن خطورة تخفيض التصنيف في ضياع الدولة لقدرتها على المناورة، وبروز شكوك حول قدرتها على تسديد ديونها، فديون فرنسا مثلا تقدر ب1700 مليار أورو، وبتخفيض تصنيفها سيرتفع الدين أكثر، وستضطر إلى تحمل انعكاسات بالجملة، إذ أن تخفيض تصنيف الدولة سيتبعه تخفيض تصنيف البنوك ومؤسسات التأمين وحتى الهيئات التابعة للدولة، وبالتالي ستواجه باريس وضعا جديدا يتضمن سياسة تقشفية وارتفاع نسب البطالة وتضخم وتباطؤ نسب النمو، وهو الوضع الذي ستعيشه أغلب البلدان الأوروبية، فقد اعتبرت هيئة موديز في آخر تقرير لها أن ''غياب إجراءات لتحقيق الاستقرار بأسواق الائتمان على المدى القصير يعني أن منطقة الأورو والاتحاد الأوروبي عموما مازالت معرضة لمزيد من الصدمات وأن تماسك منطقة الأورو لا يزال تحت تهديد مستمر''. كما اعتبرت ''موديز'' أزمة الديون السيادية التي تعاني منها منطقة الأورو لا تزال في مرحلة حرجة، ما يضع تماسك الكيان الأوروبي تحت التهديد المستمر. ومن بين السيناريوهات المحتملة مع استفحال الأزمة الأوروبية، لجوء بعض البلدان إلى خيار ''سحب النقود'' لتوفير سيولة كافية، مما سينجر عنه تضخم عام يؤثر على أسعار المواد وعلى قيمة صرف الأورو، وهو ما جعل الولاياتالمتحدة تدخل في خلاف مفتوح مع فرنساوألمانيا، لأن واشنطن تستفيد من أورو قوي مقابل دولار متدن، لأنه يسمح للسلع الأمريكية بأن تكون تنافسية في السوق الأوروبية والدولية، أما التضخم فإنه سيضر حتما الدول النامية خاصة بالنسبة لمواد التجهيز، وهو ما برز بالنسبة للجزائر، مع زيادة وارداتها هذه السنة بأكثر من 6 ملايير دولار مقارنة ب2010 جزء منها بسبب ارتفاع الأسعار، يضاف إلى ذلك المخاطر المحدقة باحتياطات الصرف الجزائرية المقيدة بالأورو، والتي يوجد جزء منها موظف في بنوك أوروبية، فتخفيض تصنيف معظم البنوك الأوروبية الكبيرة، والدول الأوروبية يجعل من قدرة هذه الأطراف أضعف لتسديد الأقساط، يمكن أن تصل إلى طلب تأجيل تسديدها أو حتى مسح جزء منها كما حدث مع اليونان في أسوء الحالات، لذلك فإن الجزائر ليست بمنأى من هزات رياح الأزمة الأوروبية. الدكتور عبد الرحمان مبتول ل''الخبر توظيف أموال الجزائر في اليونان وإيطاليا وإيرلندا والبرتغال يعرضها للخطر اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمان مبتول أن تخفيض وكالات التنقيط لتقييم قدرة الدول الأوروبية الكبرى مثل فرنساوألمانيا لا يعني أن هذه الأخيرة مفلسة ولا يمثل خطرا على الجزائر بحد ذاته. لكن من الضروري معرفة الدول التي استقطبت احتياطات الصرف الجزائرية لتحديد مدى الخطر الذي تواجهه أموال الجزائريين. وأورد مبتول في اتصال مع'' الخبر'' أن الوضع في دول الاتحاد الأوروبي ينذر بالخطر على الاقتصاد العالمي، لأن حجم الديون الأوروبية تقدر بحوالي 13 ألف مليار دولار، وهي تمثل رفقة ديون الولاياتالمتحدةالأمريكية المقدر ب 5,14 ألف مليار دولار، حوالي 45 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي الذي بلغ 63 ألف مليار دولار. وأضاف المتحدث أن الاتحاد الأوروبي يعيش وضعا أخطر من وضع الولاياتالمتحدةالأمريكية كون السياسات التي تتبعها دول الاتحاد لمواجهة الأزمة غير متجانسة وفي بعض الأحيان متضاربة. وأوضح الخبير أن الاتحاد لا يتوفر على بنك مركزي وسلطة مركزية توحد السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء مثل ما هو عليه الحال بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، خاصة وأن دولتي فرنساوألمانيا تستعدان لاستحقاقات سياسية ستحفز أصحاب القرار فيهما إلى تغليب كفة المصالح الوطنية على الأوروبية. ليواصل قوله إن عدم التجانس في السياسات دفع وكالات التنقيط الدولية إلى التهديد في تخفيض تقييم ملاءة الدول الأوروبية الكبرى وأولها فرنسا. وأضاف أن ألمانيا بدأت تشعر بالخطر كون الساحات المالية العالمية أصبحت مترددة في طلب التمويلات التي تقدمها هذه الدولة، وهو ما يمثل إشارات لإمكانية تقليص تنقيط ألمانيا أيضا مباشرة بعد تخفيضه المحتمل بالنسبة لفرنسا. أما بخصوص تأثير مراجعة التقييم على الجزائر، فيرأى مبتول أن المسألة مرتبطة باحتياطيات الصرف وكيفية توظيفها. مضيفا أن فرنساوألمانيا دولتان لهما اقتصاد قوي. لكن الخطر الذي يواجه احتياطيات الصرف الجزائرية يتمثل في توظيفها في دول مثل اليونان أو إيطاليا أو البرتغال أو إيرلندا وكل هذه الدول إما في وضع مفلس أو مهدد بالإفلاس. الجزائر: سليم/ بن عبد الرحمان تخفيض تقييم الدول الأوروبية سيؤدي إلى تراجع نموها الاقتصادي ''الجزائر ستتأثر بطريقة غير مباشرة نتيجة تراجع الطلب على البترول'' أكد الخبير الاقتصادي ومدير معهد الموارد البشرية، السيد محمد بهلول، أن تخفيض تقييم الدول الأوروبية من طرف بنوك وهيئات التنقيط الدولية، سيتسبب في تراجع معدل النمو الاقتصادي في هذه الدول، ما سينعكس سلبا على الجزائر بطريقة غير مباشرة، مع تراجع الطلب الأوروبي على البترول وارتفاع أسعار المواد الأساسية المستوردة. وأوضح الخبير الاقتصادي ل''الخبر''، أن مراجعة تصنيف الدول الأوروبية سيرفع من ديون دول منطقة الأورو الخارجية، حيث لن تتمكن من اقتراض مبالغ أخرى سوى بمعدلات فائدة مرتفعة، في حالة انخفاض معدلات تقييمها. وقال مدير معهد الموارد البشرية إن تخفيض تصنيف الدول الأوروبية سيساهم في فقدان ثقة العديد من البنوك والدول في قدرة الدول الأوروبية على تسديد ديونها، حيث ستصبح هذه الأخيرة أقل مصداقية في الأسواق المالية. ولاحظ الخبير أن ألمانيا شرعت منذ شهر في سياق الأزمة الأوروبية، في اقتراض أموال من الأسواق الدولية بمعدلات فائدة مرتفعة، وهو أمر سيتعمم بالنسبة للعديد من الدول منها فرنسا، في حال تخفيض تقييمها من طرف هيئات التنقيط التي تقوم بمهمتها عادة خلال الثلاثي الأول للسنة المقبلة. على صعيد آخر، أوضح محمد بهلول أن الانعكاسات الأولى لعملية تخفيض تنقيط الدول الأوروبية ستكون غير مباشرة على اقتصاد الجزائر، حيث ستخص نتائجها بالدرجة الأولى تراجع الطلب على البترول وارتفاع أسعار المواد الأساسية المستوردة من هذه الدول، ما سيخفض من مداخيل الجزائر المرتكزة بنسبة تتجاوز 90 بالمائة على عائدات صادرات المحروقات. الجزائر: سمية يوسفي ما هي وكالات التنقيط؟ وكالات التنقيط مؤسسات متخصصة مؤثرة على الاقتصاد الدولي، ترتبط بدوائر مالية، تأسست مند عام 1920 في الولاياتالمتحدة، وهي أنجلوساكسونية في الغالب مثل موديز وستاندار أند بورز، بينما فيتش تنتمي إلى مجموعة فرنسية ''فيمالاك''. وتسند لهذه الوكالات مهمة تقييم ملاءة الدول والمؤسسات وقدرتها على التسديد، وتدفع للوكالات رسوم وعلاوات خاصة نظير منح ''علامة'' تسمح لهذه المؤسسات والبنوك والدول بأن تقترض أموالا في الأسواق المالية وإصدار السندات، كما أن هذه الوكالات تقيم مدى صلابة المنتجات المالية التي توفرها الدول، والتي تعطى عليها نقاط ودرجة مخاطر وتمنح نقطة 3 ''3 أ '' كأعلى مستوى، أي أن المقرض سواء دولة أو مؤسسة لا يواجه أي مشكل في تسديد الديون، أما أسوأها ''د'' فتعني عجز الدولة عن التسديد. ما معنى تخفيض التصنيف؟ التصنيف عملية تقييم تقوم بها عادة هيئات متخصصة دولية تعتبر هي الحكم، وتقدر مدى قدرة الدول والمؤسسات على احترام التزاماتها في مجال تسديد القروض التي تستفيد منها وقدرة ملاءتها وعدم تعثرها في تسديد ديونها. وتعتبر درجة ''3 أ'' هي الأفضل والأعلى لدول مضمونة بصورة كاملة، وبالتالي يمكنها الحصول على قروض بنسب فوائد متدنية. وحينما تقوم هيئة تنقيط مثل موديز وستاندار أند بورز بتخفيض تصنيف دولة ما، فإنها توجه رسالة مفادها أن هناك شكوكا في قدرة دولة ما أو مؤسسة أو بنك على تسديد ديونها، وبالتالي يقوم المستثمرون والمقرضون برفع نسب الفوائد لدى الإقراض وطلب ضمانات أكبر لكي يتم إقراض الدولة أو البنك والمؤسسة. وكلما تدنت درجة التصنيف كلما واجهت الدولة صعوبة للاستفادة من قروض جديدة وكلما اقتربت من وضعية العسر في التسديد. الخبير كاميل ساري ل''الخبر'' فاتورة الأزمة لن يدفعها الأوروبيون وحدهم أشار الخبير ودكتور الاقتصاد في مقاطعة مونتروي الفرنسية، كاميل ساري، أن تخفيض تصنيف الدول الأوروبية، ستنجر عنه سلسلة من التداعيات السلبية على البنوك والمؤسسات التابعة للدول المعنية، معتبرا أن فاتورة الأزمة لا تدفعها الدول الأوروبية وحدها، بل العديد من الأطراف منها البلدان النامية. وأوضح الخبير ل''الخبر''.. ''تباين السياسات النقدية والمالية وسياسات الموازنة أثر سلبا على قدرة الدول الأوروبية على إيجاد حل سريع وفعال للأزمة، وهذا العامل بالإضافة إلى تباين مواقف الدول منها بريطانيا التي رفضت فكرة تبني ميثاق أوروبي جديد وحتى بين ألمانياوفرنسا، جعل هيئات التنقيط الدولية التي تعتبر الحكم في مجال تقييم الاقتصاديات تشك في فعالية وقدرة الأوروبيين على حل المشكل على المدى القصير. لذلك فإن الأسواق المالية حضرت نفسها من الآن لسيناريو تخفيض التصنيف ووضعته ضمن حساباتها، وعن نتائج مثل هذا القرار أشار كامي ''حينما يتم تخفيض التصنيف يصبح من الصعب للدولة الإقراض إلا بشروط قاسية وبنسب فوائد أعلى، فنسبة فوائد القروض الألمانية 2 بالمائة والفرنسية 3 بالمائة، ولكن مع تخفيض التصنيف سيصبح بالنسبة لفرنسا 5 إلى 6 أو حتى 7 بالمائة، ومع تخفيض تصنيف الدولة تخفض أيضا المؤسسات والبنوك وحتى الجماعات المحلية لتواجه صعوبة إيجاد موارد مالية وينتج عنه ارتفاع الأسعار في قطاعات مثل العقار الذي يصبح أغلى ويصبح الاستثمار أكثر تكلفة وترتفع المديونية أكثر، ففرنسا بلغت مديونتها 1700 مليار أورو وسترتفع ديونها بسرعة أكبر إذا زادت نسب الفوائد، وهنا سيضطر البنك المركزي الأوروبي إلى التدخل كما حدث مع اليونان لشراء السندات بعد أن قام بشراء أكثر من 200 مليار أورو لحد الآن من الديون الإسبانية والإيرلندية والإيطالية واليونانية، ثم التوجه إلى خيار سحب مزيد من الأموال الذي سينتج عنه تضخم وتباطؤ في النمو. هذه العوامل يقول كامي ستساهم في ارتفاع أعباء الدول النامية التي تستورد من منطقة الأورو، حيث ستزيد حدة المضاربة في أسواق تعاني الضبط، وسيتراجع الطلب على الطاقة، كما سترتفع نسبة البطالة خاصة لدى الجاليات، إذ أن آخر التقديرات تفيد بأن أكثر من 40 بالمائة من البطالين الجدد في فرنسا من الجاليات، كما ستبرز حالات الإفلاس وتوقف نشاط مؤسسات ورواج الرهن، أما بالنسبة لاحتياطي الصرف الجزائري الموظف في البلدان الأوروبية، فيمكن أن يتأثر إذا استمرت قيمة صرف الأورو في التراجع وهي في حدود 31 ,1 دولار، وإذا بدأت دول تعلن عدم قدرتها على السداد على شاكلة اليونان.