تسببت الأزمة المالية التي تواجهها دول أوروبا في انهيار قيمة الاورو التي أثرت بدورها على أسعار العديد من المنتجات الأوروبية على غرار السيارات التي تعرف أسعارها انخفاضا محسوسا بدول المنشأ، غير أن الأمر لم يسر على نفس النحو ببلادنا، ففي الوقت الذي توقع فيه المستهلك الجزائري انخفاضا في أسعار السيارات اكتفى وكلاء السيارات في بلادنا بتقديم تخفيضات رمزية مقارنة بالانهيار الذي أتى على أسواق السيارات بدول أوروبا. ولا يبدو من خلال الاستطلاع الذي أجريناه أن أسعار السيارات بالجزائر تتجه نحو الانخفاض والتراجع على الرغم من أن العديد من علامات السيارات الأوروبية، شهدت خلال الشهر الحالي انخفاضا محسوسا لأسعارها بالنظر للانخفاض المسجل في سعر صرف الاورو وبالتالي تراجع القيمة الاستيرادية للسلع القادمة من أوروبا. وهو ما دفع العديد من الخبراء والمختصين إلى توقع تراجع أسعار العلامات الأوربية بالسوق الجزائرية وبالتالي ترقب استفادة المستهلك الجزائري -مع استمرار تدني الاورو- من انخفاض سعر السيارات ابتداء من الصائفة الجارية وذلك باعتماد أسعار جديدة. تخفيضات بأوروبا... ''تكليخات'' بالجزائر وقد ساهم تراجع سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة في الحصول على أسعار أدنى للعديد من المنتجات الأوروبية على غرار السيارات بمختلف ماركاتها والتي تعد من بين القطاعات الأكثر تأثرا بالأزمة حيث عملت كبرى الشركات خلال الشهر الجاري على إجراء تخفيضات محسوسة وهامة على أسعار منتجاتها خوفا من تعرضها إلى الكساد وبالتالي تكبد خسائر مالية هم في غنى عنها وكذا السماح لمنتجاتها لان تكون تنافسية أكثر مع السلع القادمة من منطقة الدولار، في حين تعرف أسعار المواد الخاصة بمنطقة الدولار ارتفاعا أو استقرارا بعد الارتفاع المسجل في سعر صرف العملة الأمريكية وقياسا على هذه المعطيات فقد ترقب المستهلك الجزائري حدوث انتعاش في سوق السيارات باستفادته من انعكاسات تراجع قيمة صرف الاورو وبالتالي تراجع الأعباء ومن ثمة انخفاض الأسعار ..غير أن الأمور ظلت على حالها بالسوق الجزائرية التي لم تستفد كثيرا من تراجع الأسعار بأوروبا وذلك بسبب تعمد الوكلاء تقديم تخفيضات طفيفة على منتجاتها هي بمثابة ذر الرماد في العيون مقارنة بالانهيار الذي عرفته أسعارها بدول منشئها. وأوصت شركات السيارات الأوروبية والأمريكية العملاقة وكلاءها وموزعيها عبر مختلف الدول بتخفيض الأسعار بالنسبة للسيارات والخدمات وأجور التصليح وقطع الغيار، لمواجهة الكساد الذي يواجه الاقتصاد العالمي بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية وما تواجهه هذه الشركات العملاقة من حالة ركود ناتجة عن هذه الأزمة ونتيجة ذلك أعلن مصنعو السيارات في أوروبا عن تخفيضات كبيرة في الأسعار وعروض تفوق بعشرات المرات التخفيضات والعروض المعتمدة في الجزائر، لتصريف السيارات الكاسدة لديهم. وكان من المفروض ان تنخفض أسعار السيارات المستوردة من أوروبا ابتداء من شهر جوان الماضي خاصة تلك القادمة من فرنسا وألمانيا وذلك بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 5 بالمائة وهي نسبة تعكس التراجع الكبير الذي تشهده العملة الأوروبية الموحدة في الأسواق العالمية ومبادرة العديد من الشركات الأوربية إلى تخفيض أسعارها للتمكن من مواجهة ومنافسة نظيراتها الأسيوية المسوقة بالدولار الذي ظل متمسكا بالريادة من حيث المعاملات المصرفية. وقد اكتفى وكلاء السيارات المعتمدون ببلادنا بالإعلان عن تخفيضات تنافسية ''مغرية'' في أسعار السيارات تتراوح بين 3 و12 مليون سنتيم، حسب نوع السيارة مع تقديم هدايا وإكسسوارات، ودفاتر مجانية للبنزين، وتأمين شامل على السيارات ضد كل المخاطر، إلى جانب خدمات الصيانة شبه المجانية والتخفيضات في أسعار قطع الغيار الأصلية. مصائب قوم عند قوم فوائد غير أن كل هذه المزايا لا تضاهي ما يتم عرضه في أوروبا ليتضح لنا من خلال محاورة بعض المختصين أن وكلاء السيارات يحاولون استغلال فرصة تخفيض الشركات المصنعة لأسعار السيارات لتحقيق أرباح وفوائد قد تعوضهم ما فقدوه خلال الأشهر الماضية بسبب الإجراءات الجديدة التي أقرت منع القروض الاستهلاكية الأمر الذي اثر بشكل سلبي على مبيعات الوكلاء التي تراجعت بنسب تراوحت بين ال30 و50 بالمائة. واستنادا إلى المقولة المأثورة ''مصائب قوم عند قوم فوائد'' فإن وكلاء السيارات يتعمدون عدم تخفيض أسعار السيارات بما يعكس الحالة المالية في أوروبا وكذا الشركات الصناعية التي تأثرت جميعها بالأزمة المالية العالمية والتي انعكست آثارها بشكل كبير على أوروبا في الآونة الأخيرة، وعليه فإن الوكلاء يستغلون حاجة شركاتهم وخوفهم من الانهيار المالي لتحقيق أرباح خاصة بهم والتخلص من كل المنتوج المكدس في حظائرهم منذ أن تم إقرار الضريبة الجديدة في سبتمبر الماضي، وكذا من المنتوج المكدس في حظائر الشركات الأم في البلد الأصلي. ويشير خبير مالي ل''المساء'' أن الوضع المالي للشركات الأوروبية المصنعة يخدم بشكل كبير الوكلاء الجزائريين الذين سيستغلون الفرصة لصالحهم للرفع من مبيعاتهم من خلال تقديم تخفيضات بسيطة هي في نظر المستهلكين هامة غير أنها في الواقع تخفيضات تافهة مقارنة بما يجب ان تكون عليه، مضيفا، انه قياسا بالوضع الحالي فإن سعر السيارات الأوربية حاليا يجب ان يتراجع على الأقل بنحو 200 ألف دج وهو ما لم يحصل إلى غاية الآن. وبحسب مصدر مسؤول من جمعية وكلاء صانعي السيارات فقد لجأت هذه الأخيرة مباشرة بعد إقرار الضريبة على المركبات الجديدة العام الماضي، إلى تخفيض أسعار السيارات إلى غاية 20 مليون سنتيم في سعر السيارة الواحدة، بعد أن تراجع حجم مبيعاتهم إلى 60 في المائة الأمر الذي لم يمكنها من تحقيق أرباح كبيرة تمكنهم من تغطية كافة تكاليفهم خاصة بعد تحويل دخول السيارات والمركبات المستوردة من ميناء العاصمة إلى موانئ أخرى بالشرق والغرب، وهو ما يعني بحسب محدثنا تكاليف إضافية. وعلى هذا الأساس فقد استبعد محدثنا لجوء وكلاء العلامات الأوربية إلى تقديم تخفيضات أو بالأحرى تنازلات أكثر على اعتبار أن أسعار سياراتهم لا تسوق بالجزائر بقيمتها المالية الحقيقية، فضلا عن ذلك فإن فرض الضريبة على السيارات الجديدة ساهم في رفع سعر السيارة رغم التخفيضات التي يقدمها الوكلاء والتي لا يشعر بها الزبائن.. وعليه فإن مراجعة الأسعار بحسب منطق الوكلاء يجب أن تضمن لهم الاستمرار في النشاط بشكل مريح. أسواق بيع السيارات الشعبية من جهتها لم تلمس تخفيضات في أسعار السيارات المستعملة حيث اسر لنا احد الباعة ان انخفاض أسعارها مرهون بانخفاض أسعار السيارات الجديدة مضيفا ان الباعة يسايرون الوضع الجديد من خلال إعادة النظر في الأسعار التي يسوقون بها مركباتهم. وبين تبريرات وكلاء السيارات وأطماعهم التي لا تنتهي من جهة وبين واقع الأزمة العالمية التي عصفت باقتصاديات العديد من الدول وتسببت في خسائر مالية للعديد من الشركات المصنعة لا سيما شركات السيارات الأمر الذي اضطرهم إلى تخفيض أسعار منتجاتهم لتسويقها بجميع الأشكال لتفادي الإفلاس، يجد المستهلك الجزائري نفسه يتخبط في واقع لا يتماشى إطلاقا وتطورات الأسواق العالمية، فلا الأزمة أثرت في أسواقنا ولا تراجع قيمة صرف الاورو أثر فيها كذلك والأسعار ظلت على حالها . وبحسب ''منير .ع'' الذي ألتقيناه لدى وكيل شركة فرنسية معروفة، فإن السوق الجزائرية نادرا ما تستفيد من التخفيضات التي نشاهدها ونسمع عنها بالأسواق الأوروبية وإن حصل ذلك فإنها لا تطال سوى المنتجات البسيطة مضيفا أن السيارة التي ينوى شراءها تمسها حاليا تخفيضات مغرية بأوروبا بما يساوي نحو250 ألف دج غير أنني استفدت من تخفيض لا يتعدى 80 ألف دج وهو ما يكفي لتسديد الضريبة مما يعني انه لم تجر أي تخفيضات على السيارات. زبائن آخرون يرون أن بعض علامات السيارات الآسيوية قد تعوض نظيراتها الأوروبية بما أنها متقاربة من حيث القوة والصلابة وحتى الأسعار اضافة إلى ذلك فإن تصنيع بعض العلامات الأوروبية أضحى يتم في نفس البلدان التي تصنع فيها العلامات الآسيوية المعروفة وهي كلها عوامل تدفع بالمستهلكين إلى تغيير وجهاتهم وأنظارهم نحو العلامات الآسيوية المسوقة بالدولار والتي لا تزال تحافظ على استقرار الأسعار.