توقف الخبير القانوني الفلسطيني الفرنسي زياد كلوت الأسبوع الماضي في القاهرة بعد أن استقال من فريق دعم السلطة الفلسطينية في ملف المفاوضات حول اللاجئين· يقترب زياد كلوت من نهاية العقد الرابع من العمر وقبل 4 سنوات انضم إلى طاقم المستشارين القانونيين للمفاوضين الفلسطينيين في الضفة الغربية· حينها كان الهدف إنشاء دولة فلسطينية قبل نهاية 2008، اليوم وصل الطلب الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين إلى طريق مسدود· من المفاوضات إلى مجلس الأمن (لن تكون هناك دولة فلسطينية)، هذا ما يخلص إليه زياد كلوت في كتاب جديد له، الذي صدر باللغة الفرنسية· (هناك الكثير من الأشخاص في العالم على استعداد للمساعدة في قضية اللاجئين، أنا لا أتحدث عن السعودية ولكن عن بيل جيتس ونظرائه مثلا)· كانت هذه واحدة من أفكار وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى وعبرت عنها في اجتماع مطلع عام 2008 جمعها في أحد فنادق القدسالغربية مع صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين وأحمد قريع رئيس الوزراء السابق· بدأ العام بعمليات عسكرية عنيفة ضد قطاع غزة الذي تديره حماس فأعلنت السلطة الفلسطينية تجميد مفاوضات ما بعد أنابوليس مع إسرائيل· وكان زياد كلوت في مكتبه برام الله عندما وصله بالبريد الإلكتروني محضر اجتماعين في 22 و27 جانفي· (قفزت الحقيقة فجأة وبدون ادعاءات هذه المرة· المفاوضات لم تنقطع يوما رغم الأحداث فى غزة والمشاعر المعلنة التى عبرت عنها السلطة الفلسطينية)· زياد كلوت محام فرنسي لأم فلسطينية ألقت به الصدفة في طريق عملية التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية ليعمل عن قرب مع عريقات حول ملف اللاجئين· الرحلة بدأت من باريس· اشتريت تذكرة على طيران العال· الوجهة: مطار بن جوريون تل أبيب إسرائيل· منذ 60 عاما، ولدت أمى على بعد عشرات الكيلومترات من هنا· في حيفا، بفلسطين· اشتريت التذكرة عبر الأنترنت· كان سعرها أرخص من ذلك الذي تعرضه شركات الطيران المنافسة)· لكن عندما ذهب زياد كلوت المحامي الفرنسي الفلسطيني الأصل إلى مطار شارل دو جول لم يتمكن من صعود الطائرة· سيل من الأسئلة بل من (التحقيقات) استمرت لساعات· على خلفية اسمه العربي (زيااااد)، هكذا لفظه مستغربا مسؤول شركة الطيران الإسرائيلية في المطار الفرنسي· وبعد أن فاتته الرحلة، كان على زياد أن يعود بعد يومين ليتمكن من الطيران إلى تل أبيب فى ذلك اليوم في نهاية صيف عام 2007 لتبدأ رحلة ورواية يخلص منها كاتبها إلى عنوانها: (لن تكون هناك دولة فلسطينية)· لا حل فى دولتين، وإنما في دولة واحدة· الكتاب الذي صدر باللغة الفرنسية عن دار نشر (ماكس ميلو) هو شهادة نادرة، عامة وشخصية، للمحامي الشاب يشرح فيه لماذا فشلت عملية السلام حتى يومنا هذا· ويقودنا زياد خلال رحلة العودة إلى حيفا حيث ولدت أمه جيهان وحيث منزل أجداده الذي تسكنه اليوم عائلة أخرى إلى تفصيلات، ربما لا يعرفها الكثيرون في العالم العربي، عن كواليس المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حول ملفات الوضع النهائي، التى كان من المفترض أن يقود حلها إلى إعادة قيام دولة (فلسطين)· كتاب يتجاوز 280 صفحة يذيله بوثائق ويبدو في بدايته أقرب إلى رحلة سائح ينتقل من تل أبيب إلى القدس إلى رام الله مرورا بالجدار العازل الذي يذكر الكاتب بحائط برلين سالكا طريقا لم يمهد منذ 1967 تستوقفه مشاهدات تحمل كل تناقضات وواقع الاحتلال الإسرائيلي· لكن كلوت الراغب في تدريس القانون في جامعة بير زيت الفلسطينية حصل على عمل في (وحدة دعم المفاوضات) ليصبح عضوا في فريق الخبراء المنوط بهم تقديم النصائح القانونية إلى منظمة التحرير الفلسطينية· وهو منصب سمح له وعلى غرار القليل جدا من الأشخاص بالاطلاع على بعض أدق عمليات التفاوض على مدار ما يقرب من عام كامل· (تعرفت إلى عملية السلام وأصبحت شاهدا على مصير اللاجئين الفلسطينيين في المفاوضات ومشاركا فيه)، هكذا يقول· علم زياد أن الأمر عرض قبل عريقات على نبيل شعث وأكرم هنية وسليم تمارى ورفضوه جميعا (لم يكن أحد يريد أن يتحمل المسؤولية· لا يريد أن يكون الخائن الذي باع حقوق اللاجئين)· حين التقى عريقات لأول مرة كان (شاردا)، بل واعترف أنه لا يريد أن يفاوض حول هذا الملف· لكنه وافق (مؤقتا لأن أبو علاء طلب منه ذلك)، فأحيل الملف إليه وإلى تل بيكر من الجانب الإسرائيلي· هكذا يعيد المؤلف عبر شهادة حية مليئة بتجربة شخصية إحياء ذاكرة بلد كان على هذه الأرض في يوم من الأيام· يتوقف عند نقاط التفتيش وعند المستوطنات ثم منها إلى الفنادق الفاخرة والقنصلية الأمريكية أو الفرنسية في القدس· وعبر هذه الشهادة يكشف عن الأسرار بل والحيل بين الأطراف المختلفة في الكواليس وعن هشاشة السلطة الفلسطينية وعن الضغوط الأمريكية والخلافات الدولية التي عرقلت الوصول إلى حل الدولتين· تتوطد علاقته بالأرض وتفتر مع السلطة· ويكتشف وهو يفاوض من أجل حقوق اللاجئين حقيقة أنه هو نفسه أحد أبناء الشتات· ويطالب فى النهاية بحق العودة إلى الدولة الواحدة (إسرائلطين)· اختار أبومازن أن يغادر الأراضى الفلسطينية في ذكرى النكبة، بينما كان بوش يلقي خطابا (كارثيا) في الكنيست· وقبلها بأيام (وقعت السلطة بلا مبالاة نسبية على اتفاق مع الحكومة السودانية ومفوضية اللاجئين لنقل ألفين من اللاجئين الفلسطينيين العالقين فى ظروف مأساوية على الحدود السورية العراقية، ليعيشوا في أحد أحياء الخرطوم· كانت التعليمات أن أحاول تقريب وجهات النظر دون المساس بالموقف الفلسطيني· حتى لو اتفقنا على لا شيء· لابد من إعطاء الانطباع أن الطرفين يتقاربان)· اكتشف المفاوض الجديد أن (التفاوض فى ظل الاحتلال له سقف)· (كانت المفاوضات حول الحدود قد وصلت إلى طريق مسدود رغم أن السلطة وافقت على التنازل عن الأراضى التى تسيطر عليها المستوطنات وضمها إلى حدود الدولة الإسرائيلية· 70 بالمائة من المستوطنات· لكن لم يكن هذا كافيا بالنسبة لليفني)· وكانت إسرائيل تستعد لفترة انتخابية ونجحت في (تبرير تعنتها) بالأوضاع الداخلية· ويدلل زياد بلقاء عقد في فندق الملك داود: فتح أبوعلاء موضوع القدس فالتزمت ليفني الصمت وقالت إنها ستكتفي بالاستماع· في إحدى الجلسات التي جمعت عريقات ونظيره الإسرائيلي كشف تل بيكر عن (سر)· (شرح لنا كيف أن نص المادة حول اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يتضمن على الأقل إشارة ضمنية لحل في المستقبل لمشكلة اللاجئين اليهود)· كان يقصد اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل· (تل، لا تلعب هذه اللعبة معي)، هكذا رد عليه المسؤول الفلسطيني· قبل بداية الشتاء بأيام قليلة فاجأ إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك الجميع بتقديم عرض للفلسطينيين، عرض في الإعلام، دون أن يطرح أبدا للتداول في كواليس الجلسات الثنائية· كان أولمرت (على شفا الموت السياسي)، تحدث عن ترك 98 بالمائة من أراضي الضفة وعن آلية لعودة اللاجئين وعن ضرورة الانسحاب من القدسالشرقية والجولان· لكن شيئا من ذلك لم يكن صحيحا، والسلطة الفلسطينية لم تكن جاهزة بالرد· طلبت الرئاسة من وحدة التفاوض كتابة خطاب لمكتب أولمرت تطلب توضيح بعض تفصيلات (العرض السخي)· (وحتى اليوم، على حد علمي، مازال الرئيس عباس في انتظار الرد)· ثم جاء دور أبو مازن· تحدث لصحيفة هآرتس الإسرائيلية عن استعداده للتنازل قليلا حول ملف اللاجئين· أزمة جديدة خلفتها تصريحاته، وطٌلب من وحدة التفاوض المساعدة فى تصحيح هذه التصريحات· كان زياد يرغب في أن يوضح له على الأقل أن (بعد 20 عاما من التفاوض أن عدد اللاجئين بلغ 7 ملايين وليس 4 ونصف المليون كما صرح عباس ل(هاآرتس)· كان عاما مليئا بالأحداث توفي فيه الشاعر محمود درويش ورفع الاتحاد الأوروبي مستوى الشراكة مع إسرائيل وفاز أوباما بالانتخابات وانتهى بحرب إسرائيلية على غزة· لكن عريقات كان سعيدا بما تم إنجازه وقرر أن يتولى بنفسه لاحقا التفاوض حول اللاجئين· (أنا ملم بالملف الآن وسأقترح على أبو مازن أن يعطيني هذه المسؤولية كاملة)· عملية السلام هي في نهاية الأمر (مسرحية هزلية)، يستنتج كلوت بنهاية عام 2008 (وها أنا أصبح على مضض أحد الممثلين المشاركين فى هذه المأساة (···) كسب الإسرائيليون معركة الأرض· لكن الفلسطينيين لا يزالون هنا متشبثين بهذه الأرض التي تسرق من تحت أقدامهم)·