أبدت الطبقة السياسية الوطنية حزنها لرحيل عبد الحميد مهري عن عمر يناهز 86 سنة معتبرة إياه (المجاهد الأصيل للقضية الوطنية)، وأجمع سياسيون كثيرون، من مختلف التوجهات، على أن مهري سياسي محنك ومحترم جدا، وقد ترك بصمات لا تُمحى، ومواقف لا تُنسى· ويعد الفقيد عبد الحميد مهري أحد الوجوه البارزة في حركة التحرير الوطنية حيث دخل معترك النضال من أجل استقلال الجزائر منذ نعومة أظافره، حيث تقلد عديد المسؤوليات في هياكل حزب الشعب الجزائري ثم الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية قبل التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني غداة اندلاع الكفاح المسلح ضد فرنسا الاستعمارية· كما شغل الفقيد العديد من المناصب في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، حيث تولى منصب وزير شؤون شمال إفريقيا ثم وزير الشؤون الإجتماعية والثقافية· وبعد إعلان الاستقلال فضل (الانسحاب بصفة ظرفية) من الحياة السياسية قبل أن يدخل عالم الدبلوماسية لعديد السنوات والدفاع عن مصالح الجزائر في كبرى المحافل الدولية· عين الفقيد سفيرا في عديد البلدان ثم وزيرا للإعلام واستمر في النضال في جبهة التحرير الوطني قبل أن يتولى قيادة الأمانة العامة لهذا الحزب· ومن بين ما تميزت به عهدته على رأس هذا الحزب من (1988 -1996) التحولات السياسية والإعلامية التي عرفتها الجزائر غداة أحداث ال5 أكتوبر1988 ومسار الإصلاحات التي باشرها الرئيس الشاذلي بن جديد· وقد أدى وقف المسار الانتخابي للانتخابات التشريعية التعددية في جانفي 1992 إلى وضعية استثنائية في الجزائر تميزت بالعنف الإرهابي والعزلة شبه الكلية للبلاد على الصعيد الدولي· وقد اتخذت جبهة التحرير الوطني تحت قيادة عبد الحميد مهري موقفا (تصالحيا) وصل إلى حد المشاركة في قمة سانت ايجيديو (إيطاليا) التي كرست (إدانة) وقف المسار الانتخابي· وتولد من هذا المسعى تيار معارض قوي داخل جبهة التحرير الوطني استطاع التخطيط للإطاحة بمهري من خلال ما اعتبرته الأوساط السياسية والإعلامية ب(الانقلاب العلمي)· ومنذ ذلك الحين اتخذ عبد الحميد مهري موقف الملاحظ المتبصر للساحة السياسية والثقافية والاجتماعية للبلاد، حيث كان يدلي برأيه كلما رأى ذلك مُناسبا في كبريات القضايا الوطنية والدولية الراهنة· كما أنه وفي معرض مشاركته كشخصية سياسية وطنية في هيئة المشاورات حول الإصلاحات السياسية أوصى الفقيد بإجراء إصلاحات سياسية (عميقة وحقيقية) وذلك -كما قال- من خلال مشاركة عريضة للقوى السياسية للبلاد (بدون أي إقصاء)· كما كان قد أكد خلال إحدى الملتقيات الأخيرة بالجزائر العاصمة أن النظام السياسي الجزائري (قد تجاوزه الزمن وأصبح غير فعال)، مضيفا أنه توجد إمكانية لإصلاحه أو تغييره عبر (مسعى توافقي لا يقصي أي قوة سياسية في البلاد بما في ذلك النظام القائم)·