تعيش فرنسا ما يمكن وصفه بالأزمة الداخلية، بسبب جرائمها النووية في بلادنا، حيث رفض مجلس الدولة الفرنسي أول أمس الاثنين الطعن الذي قدمته وزارة الدفاع الوطني في الحكم الإداري الصادر عن المحكمة الإدارية الفرنسية الذي أمرها بإعلام اللجنة الاستشارية بسرية الدفاع الوطني بشأن قضية الوثائق المتعلقة بالتجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية ومنطقة بولينيزيا الفرنسية خلال الفترة الممتدة ما بين 1960 و1996، وإذا كانت فرنسا تريد التعتيم على جرائمها الفظيعة في بلادنا، فإن المؤكد أنها لا تستطيع أن تنجح في ذلك إلى الأبد·· وكانت المحكمة الإدارية لباريس قد أصدرت حكما في 7 أكتوبر 2010 بعد إعلامها من قدامى ضحايا التجارب النووية قضى بإلزام وزارة الدفاع الوطني بإطلاع اللجنة الاستشارية على الوثائق التي تحمل تقارير تم إعدادها عقب التجارب النووية التي أجريت في الصحراء الجزائرية ومنطقة بولينيزيا الفرنسية، وتقديم تبرير في حالة أي رفض محتمل للتعريف بالوثائق المطلوبة لكن وزارة الدفاع طعنت في هذا الحكم باعتباره انتهاكا لسرية عملها وتم بحث هذا الطعن من طرف مجلس الدولة الذي رأى أن الوزارة غير مؤهلة للحكم وإن كانت المحكمة الإدارية قد ارتكبت خطأ قانوني في إلزام المجلس الإداري بالكشف عن تلك التقارير التي تعتبر سرية ورأى مجلس الدولة أيضا أنه في حال بررت وزارة الدفاع رفضها الكشف عن هذه التقارير فإن المحكمة الإدارية لم ترتكب أي خطأ عندما أمرت بدعم ملف التحقيق بكل المعلومات المتعلقة بأسباب إقصاء الوثائق المطلوبة التي تسمح بالفصل في الأمر عن دراية دون المساس بسرية الدفاع الوطني· وقد تمت الإشارة إلى أن الشعارات التي تبثها اللجنة الاستشارية التي تهدف أغلبها إلى نزع طابع السرية الذي يميز الدفاع الوطني تخضع للمتابعة والمراقبة من طرف السلطات المعنية وكانت المحكمة الإدارية قد أخبرت جمعية قدامى ضحايا التجارب النووية وجمعية العمال البونيزيين بالمواقع النووية في وقت سابق· وللتذكير، فإن التجارب النووية في الصحراء الجزائرية التي قدرت ب 210 تجربة نووية شارك فيها حوالي 15000 مدني وعسكري سنة 1960 وكانت آخرها في أفريل 1961 تعتبر من أبشع الجرائم التي خلفها الاستعمار الفرنسي والتي راح ضحيتها الكثيرون ولا تزال تأثيراتها ممتدة إلى اليوم أمام رفض السلطات الفرنسية تقديم مخطط واضح للمواقع النووية حيث ارتفع معدل الإصابات السرطانية خاصة في المناطق الصحراوية بصفة خطيرة· وبعد خمسين سنة من الاستقلال لا تزال جرائم الاستعمار تلاحقنا ومخلفاته تفتك بشعبنا بل وتبقى بعض جرائمه مخبأة لم تكتشف وبعد نصف قرن من الاستقلال لازالت الجزائر تحصي شهداءها باكتشاف مقابر سرية، فمؤخرا تم إحصاء أزيد من 1100 ضحية خلفتها جرائم منظمة الجيش السري الفرنسي بين 1961 و1962 بوهران حسب تصريح للمؤرخ صادق بن قادة الذي أكد في استناده لدراسة حول ضحايا حرب التحرير انطلقت في 2002 ولم تنته بعد أنه من الصعب تحديد العدد الحقيقي لضحايا جرائم منظمة الجيش السري (أس أو أس) لأن أغلب الضحايا لم يدرجوا في سجلات الوفاة للحالة المدنية بل كانت الجرائم تنفذ عشوائيا وتدفن الجثث أحيانا في حدائق المنازل حيث تم العثور بعد الاستقلال ما بين سنة 1963 و1964 على رفات جزائريين في أقبية وحدائق منازل ولا ننسى أيضا مشكلة الألغام التي لا تزال السلطة الجزائرية إلى اليوم عاجزة عن تحديد جميع مواقعها في ظل التلاعب الفرنسي بهذا الملف حيث حصلت الجزائر في سنوات سابقة على ما أسمته فرنسا مخطط الألغام في الأراضي الجزائرية لتجد أنه خريطة كاذبة لا تدل على المواقع الفعلية·