طالبت المحكمة الإدارية بباريس من وزارة الدفاع الفرنسية بضرورة إخطار لجنة السرّ العسكري بخصوص مسألة الوثائق السرّية الخاصة بالتجارب النووية في الفترة المُمتدة بين 1960 و1996، من بينها تجاربها في صحراء الجزائر، وأكثر من ذلك فإن المحكمة ألزمت الوزارة بتقديم «تبريرات مُقنعة» في حالة ما إذا كان ردّها مُعارضا لخيار رفع الستار عن خبايا وتفاصيل بعض الوثائق العسكرية السرّية. بهذا الموقف الذي اتخذته المحكمة الإدارية بباريس فإن وزارة الدفاع، والسلطات الرسمية في فرنسا عموما، قد وجدت نفسها في موقع غير مُريح البتة حيال واحد أن أكثر الملفات إثارة للجدل عند الخوض في الماضي الاستعماري الفرنسي وما بعده كذلك، وهو الأمر الذي أكدته جمعية ضحايا التجارب النووية في بيان نشرته وكالة الأنباء الفرنسية. وبموجب ذلك فإن المحكمة الإدارية أمرت بشكل صريح وزارة الدفاع بتكليف اللجنة الاستشارية للأسرار الدفاعية بالتحقيق في كافة الانعكاسات التي خلّفتها سلسلة التجارب النووية التي أجرتها فرنسا بين 1960 وصولا إلى 1996، حيث ورد في البيان تأكيد الجمعية أن محكمة باريس الإدارية أصدرت هذا القرار في جلسة لها انعقدت بتاريخ 22 من شهر سبتمبر الماضي، وهي الجلسة التي انتهت إلى المُطالبة بتكليف اللجنة الاستشارية للأسرار الدفاعية التحقيق في هذا الملف مع تبرير رفض التعاون وتوفير الوثائق المطلوبة إذا حصل ذلك. واستنادا إلى التفاصيل التي تضمنّها البيان ذاته فإن «جمعية ضحايا التجارب النووية تُعرب عن ارتياحها لأهمية هذا القرار الذي يُعد سابقة قضائية ويُفترض أن يندرج ضمن فقه القضاء، وأنه قد صدر بناء على طلب الجمعيات ويغطي كامل فترة التجارب النووية (1960-1996) الفرنسية في الصحراء الجزائرية وبولينيزيا». وبقدر ما يضع قرار المحكمة الإدارية بباريس السلطات الفرنسية في حرج، فإنه يُحمّل وزارة الدفاع مسؤولية جديدة تجاه واحدة من أكثر الملفات تعقيدا في العلاقات بين الجزائروفرنسا، وبالتالي فإن الجهة التي خاطبتها المحكمة، أي وزارة الدفاع، مُطالبة الآن قانونا برفع السرية عن الأرشيف من خلال اللجنة المُكلفة بالبت في الموضوع أمام الشعوب المتضررة وفي مُقدمتها الجزائر، وفي حال العكس فإنها مُطالبة أيضا بتقديم ما يُبرّر ذلك. وتسير كل هذه المُستجدات في مصلحة الجزائر وكافة البلدان المُتضرّرة من التجارب النووية الفرنسية، وليس مُستبعدا من خلال كل هذه التطوّرات إمكانية تسليم الأرشيف الخاص بتلك التجارب إلى البلدان المعنية وحتى الجمعيات التي تطالب بذلك، وهو الأرشيف الذي تصفه فرنسا بأنه بالغ الخطورة على اعتبار أن الإشعاعات النووية ما زالت تفتك بأرواح مزيد من الضحايا ما يعني إدانة واضحة لها. ومعلوم أنه سبق وأن طالبت جمعية 8 ماي 1945 بضرورة رفع السرية العسكرية عن هذا الأرشيف من أجل الإطلاع على حجم الأضرار الناجمة عن المواد الكيميائية المستعملة في التجارب وإسقاطاتها على مستقبل المناطق المتضرّرة، وتأتي هذه المستجدات أيضا بعد فترة وجيزة من مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون لتعويض ضحايا التجارب النووية الذي فرضت فيه شروطا تعجيزية مُقابل حصول الضحايا على التعويض من بينها اشتراط إثبات الإصابة بمرض السرطان.