كانت القلعة الحصينة لنظام الزّعيم اللّيبي الرّاحل معمّر القذافي ولم يكن بوسع أيّ أحد رؤيتها من الداخل إلاّ العاملون بها أو أفراد من الدائرة المقرّبة للقذافي· والآن بعد أكثر من ستّة أشهر من سقوط طرابلس في أيدي مقاتلين دعمهم حلف شمال الأطلسي، انتقلت عشرات الأسر إلى عدد محدود من المباني ما زالت قائمة وسط الأطلال المحترقة لمجمّع باب العزيزية الذي كان يسكن به القذافي وأقامت منازل وسط الأنقاض· وتبرز الخطوة التي تقول هذه الأسر إنها ترجع بصورة كبيرة إلى أسباب اقتصادية التصادم بين قطاعين بالمجتمع اللّيبي، فمن ناحية توجد النّخبة الموالية للقذافي التي استفادت من سخائه ومن النّاحية الأخرى المواطن العادي الذي لا يعدّ فقيرا وفقا لمعايير المنطقة لكنه كان يحصل على النذر اليسير من ثروة الطاقة الهائلة في ليبيا· وأجبر مقاتلو المعارضة القذافي على التخلّي عن معقله في طرابلس وهو مجمّع هائل من المنازل والمكاتب والمخازن، والذي استهدفته الطائرات الحربية التابعة لحلف شمال الأطلسي خلال الصراع الذي دار هناك، وأحرقوا ونهبوا وشوّهوا رمز الزّعيم الرّاحل، والذي ظلّ لسنوات محظورا عليهم دخوله· بعد أيّام من انهيار أسوار مجمّع باب العزيزية في أواخر أوت نقل مدرّس الكيمياء ماجد زوجته وأبناءه السبعة إلى أحد المنازل التي يعتقد أنه كان يسكن به أحد ضبّاط القذافي· وقال المدرس البالغ من العمر 50 عاما، بينما كان يتجوّل في منزله الجديد المؤلّف من أربع غرف مع وجود مكان منفصل للضيوف: (قبل ذلك عندما كنت أمرّ بسيّارتي بجوار باب العزيزية لم أكن أجرؤ حتى على النّظر إليه، كنّا نخاف حتى الحديث داخل السيّارة)، ومضى يقول: (لم نتخيّل قطّ أننا سندخل في يوم هذا المكان، أنا الآن أعيش هنا). وقال ماجد إنه وجد المنزل في حالة فوضى عندما وصل ومنذ ذلك الحين كان يعمل على تجديده، وأعاد طلاء الجدران لكن الرّدهة ما زالت محترقة، وبينما كان هناك قدر يغلي فوق الموقد في المطبخ كانت أسرته تجلس في غرفة المعيشة المجاورة تشاهد التلفزيون· وفي الخارج كان هناك مرحاض ملقى على الحشائش وبجواره قطع من الأخشاب للخزانة التي كان موجودا بداخلها، وقال: (هذا أفضل حالا بكثير من المكان الذي كنت أعيش به قبل ذلك)· لكن هناك آخرين لا يشعرون بهذا القدر من الرّاحة، فوراء المنزل الذي يسكن فيه ماجد تسكن سجى محمد (24 عاما) وزوجها هيثم وهما يسكنان في غرفة كانت قبل ذلك مكتبا، وعلى بساط كانت هناك آنية شاي وأكواب بلاستيكية وأطباق موضوعة على صينية وحقائب ملابس، وتوجد زهور بلاستيكية ونباتات داخل أواني زهور في أنحاء الغرفة· وقالت سجى وهي تغالب دموعها إنه ليس لهم مكان آخر يعيشون فيه، وأضافت أنهم لا يمكنهم دفع قيمة إيجار بشكل متنظم لذلك جاءوا هنا· (سيّئ الحال، مش صحّي السكن وسقعة وما في لا ضي ولا مية، ما في شيء هنا)· وفي حين أن السكان ربما لا يكون في حوزتهم صكوك ملكية فإن هيثم يقدّم وثيقة وقّعها مجلس عسكري مجاور في الحيّ يمنحهم تصريحا بالإقامة في ذلك المكان، وهو لا يذكر باب العزيزية بالاسم لكنه يقرّ بحاجة هيثم إلى السكن· سكنت الأسر آخر المباني الصامدة لهذا المجمع المترامي الأطراف، وأمامها توجد أكوام من الركام والتي لم تتم إزالتها بعد، ويركب الأطفال الدرّاجات ويجرون حول صناديق ذخيرة خاوية· ويمكن مشاهدة في كلّ مكان العلم بالألوان الأسود والأخضر والأحمر، والذي يرمز إلى الثورة اللّيبية· وبعد الصراع الذي دام ثمانية أشهر، والذي انتهى باعتقال القذافي وقتله في أكتوبر لا تظهر في أيّ مكان في ليبيا مظاهر فرحة انتصار القوّات المعارضة مثلما تظهر في هذا المجمّع الذي كان يطلق من خلاله الزّعيم الرّاحل سهامه على المعارضين· وأصبحت أسماء كتائب المقاتلين التي سيطرت على المجمّع مكتوبة على الجدران في كلّ مكان· وتمّ نقل تمثال عبارة عن قبضة حديدية تسحق طائرة مقاتلة، وهو نصب أقامه القذافي خارج مبنى قصفته الولايات المتّحدة عام 1986 وأطلق عليه دار المقاومة، إلى بلدة مصراتة الساحلية· والأسر التي أقامت منازل ليست الوحيدة التي جاءت إلى هذا المجمّع، إذ أن الباعة الجائلين يوم الجمعة ينصبون بضاعتهم المختلفة من الطعام إلى الملابس إلى الأجهزة الكهربائية· ويسعى جاهدا المجلسُ الوطني الانتقالي الذي يتولّى حكم البلاد حاليا لبسط سيطرته على البلاد التي تزخر بالأسلحة، ولم يعلن بعد خططا ملموسة لباب العزيزية لكن ما زال هناك حديث عن تحويل المجمّع إلى متنزه·