ما يزال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المرشّح لعهدة رئاسية ثانية عاجزا منذ انطلاق حملته الانتخابية عن الوصول إلى صميم انشغالات الشارع الفرنسي وما ينتظره من جديد حول السياسة القادمة للرئيس في حال أعيد انتخابه، ويحاول بالمقابل تحويل الانتباه عن هذا العجز الظاهر بمواضيع جانبية قد تكون بعيدة كلّ البعد عن تطلّعات الفرنسيين في الإصلاح والتجديد كقضية تحديد عدد المهاجرين، وهو ما يضرّ مباشرة بالجالية الجزائرية وتشديد شروط إقامتهم في الأراضي الفرنسية، ناهيك عن ذلك الخطاب المتطرّف الذي ينتهجه هذه الأيام، والذي حمل رسائل عنصرية ضد الجزائر وجاليتها المقيمة هناك التي طالتها حماقات ساركوزي التي لم يسلم منها شهداؤنا من قبل· المتابع لخطابات ساركوزي خلال حملته الانتخابية التي انطلقت منذ ما يزيد عن عشرين يوما سيلاحظ الضعف الذي يعانيه برنامج الرئيس الذي قضى خمس سنوات يتجوّل بين غرف الإيليزي دون أن يستفيد ولو القليل من تلك التجربة، ليخرج بعد تلك السنوات ببعض الخطابات العنصرية التي تمسّ الحكومة الجزائرية وجاليتها بالدرجة الأولى. فإعلان ساركوزي عن مخطّطه الذي سيطبّق في حال أعيد انتخابه، والذي سيعمل على تقليص عدد الأجانب الموجودين في فرنسا إلى حوالي النّصف سيشكّل خطرا على عدد كبير من العائلات الجزائرية التي أقامت في فرنسا واستقرّت فيها منذ سنوات، حيث أكّد في برنامج تلفزيوني بثّته قناة (فرانس 2) قبل أيّام أن بلاده لن تستقبل سوى 100 ألف شخص من أصل 180 ألف أجنبي مقيمين بفرنسا بصفة رسمية وذلك بحجّة عجز الحكومة الفرنسية عن التكفّل بهم، وهو ما سيشكّل تهديدا للجالية الجزائرية المقيمة هناك، خاصّة وأن فرنسا تستقبل أكبر نسبة للمغتربين الجزائريين في كافّة أنحاء العالم. كما ركّز ساركوزي في مخطّطه على تشديد شروط إقامة الأجانب وفرض قيود في مجال حصولهم على المساعدات والمنح والرّواتب التقاعدية مشترطا في ذلك الإقامة في الأراضي الفرنسية بشكل شرعي لمدّة لا تقلّ عن 10 سنوات أو العمل في فرنسا لمدّة 5 سنوات على الأقلّ، وهي قيود ينوي الرئيس المترشّح فرضها في حال فاز في الرئاسيات المقبلة مهدّدا بتعليق مشاركة فرنسا في منطقة (شنغن) بأوروبا في حال لم يتمّ تعديلها، وهي معاهدة وقّعت عليها 25 دولة أوروبية تنصّ على السّماح بهجرة المواطنين من بلدانهم إلى الدول الأعضاء دون الحاجة إلى جواز السفر. كما تفنّن ساركوزي في التضييق على المهاجرين ووضع حواجز أمام المرشّحين للهجرة إلى فرنسا، كفرض ما يسمّى ب (اختبار الأهلية) مثل اختبار مدى إتقانهم للّغة الفرنسية وتبنّيهم لقيم الجمهورية وغير ذلك· ولم يعد خافيا اليوم استخدام الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته للتاريخ الجزائري وثورة التحرير المجيدة أيضا كورقة انتخابية يحاول من خلالها حصد أصوات حشد من المؤيّدين للأفكار العنصرية التي تعمل على تشويه التاريخ الجزائري بتمجيد جرائم الاستعمار وتكريم الخونة والمجرمين، كما لم يعد جديدا على نزيل الإيليزي استغلال فئة الخونة و(الحركى) الذين يمثّلون رصيدا هامّا بإمكانه إحداث الفارق في الموعد الانتخابي القادم. ففرنسا التي ألغت في الماضي قانون العار الممجّد للاستعمار الذي صدر بتاريخ 23 فيفري 2005 صادقت مؤخّرا على قانون يجرّم إهانة (الحركى) في محاولة لاستمالتهم وكسب تأييدهم في الانتخابات المقبلة، إضافة إلى التصريحات المتكرّرة بين الحين والآخر، والتي تفيد برفض فرنسا الاعتذار عن جرائمها الشنيعة في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية· ورغم المحاولات التي يقوم بها ساركوزي لتكوين قاعدة شعبية تسنده خلال الانتخابات القادمة إلاّ أن الأصداء الأخيرة تفيد بأن شعبيته في الحضيض وتزداد انخفاضا مع مرور الأيّام، حيث أظهر استطلاع للرّأي أجري مؤخّرا أن ساركوزي هو الرئيس الأقلّ شعبية من بين عدد من زعماء أوروبا وذلك قبل حوالي شهر من إجراء الانتخابات الرئاسية التي تخوّف منها العديد من الخبراء الجزائريين لمدى تأثيرها على مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية، حيث رأى المؤرّخ الجزائري محمد عباس في حوار لنا معه أن إعادة انتخاب ساركوزي رئيسا لفرنسا لعهدة ثانية سيشكّل خطرا على الجزائر نظرا لنزعته الاستعمارية التي لا يجد حرجا في إبدائها مع أنها تتناقض ومبادئ بلده المكرّسة للديمقراطية والحرّية والمدافعة عن حقوق الإنسان·