يمثل انتخاب مارين لوبان على رأس الجبهة الوطنية في فرنسا بداية فعلية لمعركة الانتخابات الرئاسية التي ستجري سنة 2012، وبالنظر إلى الخطاب العنصري التي تتبناه ابنة مؤسس الحزب وزعيمه على مدى أربعة عقود فإن الجزائر ستكون حاضرة بقوة في الحملة الانتخابية الفرنسية سواء من خلال تناول موضوع الهجرة أو من خلال الحديث عن ملف التاريخ الاستعماري لفرنسا. توصف الجبهة الوطنية في فرنسا بأنها حزب يميني متطرف غير أنها أصبحت تتقاطع مع الاتحاد من أجل حركة شعبية وهو حزب الرئيس نيكولا ساركوزي، ويمثل الصراع بين الحزبين أهم جبهة في المواجهات السياسية من أجل الفوز بأصوات اليمين الفرنسي الذي يعتبر عاملا حاسما في تحديد نتائج الانتخابات الفرنسية سواء كانت تشريعية أو رئاسية. صعود مارين لوبان يعتبر تحولا مهما في مسار الجبهة الوطنية، فأنصارها يعتقدون أنها قادرة على إعطاء صورة جديدة عن الحزب الذي ظلت تهمة العنصرية تطارده، وإن كانت الرئيسة الجديدة ستذكر الفرنسيين بوالدها ومؤسس الحزب جان ماري لوبان فإنها في المقابل تعطي صورة مغايرة عن الحزب وهو الأمر الذي وعدت به قبل توليها هذا المنصب، ففي تصريح لها قالت إنها تسعى إلى السلطة، بما يعني أن الحزب لن يكتفي مستقبلا بلعب دور المعارض الشرس للحكومات المختلفة بل يريد أن يكون أكثر براغماتية ويعدل مواقفه السياسية بما يمنحه فرصة الحصول على أغلبية أصوات اليمين التي تذهب الآن إلى حزب ساركوزي وتتشتت بين بعض أحزاب الوسط أيضا، وهذا التحول في مواقف الحزب سيتقاطع أيضا مع تحول مواقف اليمين نحو مزيد من التشدد، وهو أمر اتضح من خلال السياسات التي طبقتها الحكومة الفرنسية خلال السنوات الأربع الماضية، وفي هذا الصدد يشير الوزير السابق عزوز بقاق، وهو من أصول جزائرية، والذي اختار الانضمام إلى الحركة من أجل الديمقراطية "مودم"، وهو من أهم أحزاب الوسط ويقوده فرانسوا بايرو، إلى أن "مارين لوبان هي الوحيدة القادرة على الإطاحة بساركوزي، ليس بالفوز في الانتخابات،و إنما باسترجاع أصوات اليمين المتطرف التي مكنته هو من الفوز في 2007"، ومن هنا فإن المواضيع التي ستدور حولها المواجهة بين الطرفين باتت معروفة من الآن. إحدى أهم القضايا التي سيركز عليها اليمين بشقيه هي وضع المسلمين وكيفية التعامل معهم، فلم يكن من الصدفة في شيء أن تطلق مارين لوبان قبل أسابيع من مؤتمر الجبهة الوطنية الذي جعلها خليفة لوالدها، تصريحات نارية ضد المسلمين عندما قالت إن صلاتهم في الشوارع تذكر بصورة فرنسا أيام الاحتلال النازي، وقد أثارت تلك التصريحات ردود فعل غاضبة من جانب المسلمين ومن جانب اليسار الفرنسي غير أنها بدت إعلانا ببداية المعركة بين التيارين الأساسيين الممثلين لليمين الفرنسي، وكانت تصريحات مارين امتدادا لما أقدم عليه والدها عندما قرر خوض انتخابات المناطق التي جرت في شهر فيفري من العام الماضي باستعمال ملصقة يظهر فيها العلم الجزائري وهو يغطي خارطة فرنسا، وفي خلفيتها منارات مساجد على شكل صواريخ مع امرأة ترتدي النقاب وقد كتب عليها شعار " لا للتيار الإسلامي"، وقد بادرت جمعيات فرنسية إلى رفع دعوى قضائية مستعجلة انتهت إلى صدور حكم بسحب الملصقة قبل أن يطلب طالب الإدعاء العام بمحكمة الجنح بباريس في شهر سبتمبر الماضي بالحكم على رئيس الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة بالسجن شهرين غير نافذين مع منعه من الترشح للانتخابات لمدة عام. وكانت تلك الحادثة الأولى من نوعها التي يقحم فيها التيار اليميني الجزائر بشكل مباشر في حملة انتخابية بهذا الحجم، حيث تم ربط الجزائر بصورة مباشرة بالتيار الإسلامي وبعض الرموز التي يجري تشويهها من قبل النخب السياسية والإعلامية الفرنسية، ومن هذه الرموز النقاب الذي كان محل جدل قبل أن يتم حظر ارتدائه في الأماكن العمومية، والمآذن التي أصبحت موضع نقاش منذ أن أقر السويسريون، عن طريق الاستفتاء، قانونا اقترحه حزب يميني يمنع بناء المآذن في البلاد. المسألة الأخرى التي ستطفو على السطح وتكون لها علاقة مباشرة بالجزائر هي قضية الهجرة، فالمواقف المعادية للمهاجرين، والمطالبة بتشديد إجراءات منح التأشيرات والسعي إلى طرد المهاجرين السريين، تعتبر مواضيع أساسية في خطاب اليمين المتطرف، لكنها في نفس الوقت تشكل محورا هاما في السياسات الحكومية في فرنسا منذ مجيئ ساركوزي، وهو ما يعني أن الصعود المتزايد للجبهة الوطنية، وهو أمر تؤكده نتائج انتخابات المناطق واستطلاعات الرأي، سيدفع باليمين إلى مزيد من التشدد وهو الذي راهن أصلا على مواقف معادية للمهاجرين. إذا كان حزب لوبان يعد الفرنسيين بطرد المهاجرين وبالحفاظ على انسجام مجتمعهم من الناحية الثقافية وحتى العرقية، فإن حزب ساركوزي يتخذ قرارات عملية في هذا الاتجاه، فقد كان حظر النقاب أولا، ثم الإعلان عن مشروع قانون يسقط الجنسية الفرنسية عن الفرنسيين من أصول أجنبية، وهو مصطلح جديد اخترعه ساركوزي، في حال ارتكاب جرائم ضد أعوان النظام العمومي، ثم تشديد إجراءات منح التأشيرة لمواطني الدول المغاربية والجزائريين على وجه الخصوص، وكل هذه الإجراءات تدخل في إطار نزع الأوراق من يد اليمين المتطرف، وهو ما ينذر بحملة انتخابية ساخنة ستكون الجزائر في قلبها.