عجيبٌ أن تصبح (اللحوم الحلال) معركةً في فرنسا، لكن الأعجب أن تصير رقما في سباق الرئاسة، وقرباناً يقدمه ساركوزي شخصيًا على مذبح اليمين المتطرف! البداية حينما أصبحت الأطعمة الحلال المذبوحة وفقًا للشريعة الإسلامية قضية محورية في الحملة الانتخابية في فرنسا واستخدامها من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كقضية انتخابية، حتى يحوز على أصوات اليمين المتطرف مما أثار سخط الجالية المسلمة· حاول ساركوزي- كما تقول الجارديان البريطانية- استخدام ذات الورقة التي صعدت به إلى سُدّة الرئاسة، كما فعلت بسلفه جاك شيراك من قبل، لاستقطاب أصوات اليمين، في الماضي عبر حظر النقاب في الأماكن العامة، وكذا الحجاب في المدارس, واليوم عبر مهاجمة (الأطعمة الحلال)، بحجة علمانية الدولة· ويُتوقع، خلال جولتي الانتخابات الرئاسية المزمعتين في أفريل وماي القادمين، أن يداهن المرشحون اليمين بمعارضة (الأطعمة الحلال)، للحصول على أصواتهم، أو يستقطبون أصوات المسلمين بالموافقة عليها ودعمها· مثلما رفض ساركوزي في البداية مطالب وضع ملصق على جميع اللحوم يوضح الطريقة التي ذبحت بها، لكنه عاد وأعلن (أنّ اللحوم الحلال أصبحت من بين أهم اهتمامات الشعب الفرنسي)؟!· بدورها وجدت زعيمة (الجبهة الوطنية) اليمينية المتطرفة مارين لوبان فيما قام به ساركوزي مدخلاً لمصارعته داخل حلبة السباق الرئاسي، فقالت: إن جميع مسالخ فرنسا تتبع الذبح الحلال، وإن الفرنسيين يأكلون هذا اللحم دون أن يعلموا· وأضافت، في حشد أمام الجماهير الفرنسية: (لقد خضعت جميع المجازر في منطقة باريس لقواعد الأقلية، وهذا ما يجعلنا نشعر بالاشمئزاز!)، متعهدة بتقديم شكوى قانونية· وحذّرت لوبان من تحول العاصمة الفرنسية وضواحيها إلى مستعمرة للمسلمين الذين يجبرون الباريسيين والملايين من السياح الأجانب، ومنهم مليون ياباني، على أكل اللحوم الحلال التي يقومون بذبحها حسب الشريعة الإسلامية، مستطردة: (إنَّ فرنسا بلد الحريات، ولكن عندما يضع بعض أصحاب الحوانيت إعلانًا ببيع اللحوم الحلال فإنهم بذلك يدعون إلى التمييز والانفصال)! أما فرانسوا هولاند، مرشح الحزب الاشتراكي فقد اتّهم ساركوزي بالسعي للفوز بأصوات الجبهة الوطنية بالتركيز على قضية اللحوم الحلال، معتبرًا ذلك تضييقًا على المسلمين، داعيًا إلى ضبط النفس وعدم الانزلاق إلى تصريحات سلبية· وأوضح أن (التركيز يجب أن ينصب على التعامل الرحيم مع الحيوانات قبل ذبحها بصرف النظر عن التقاليد المتبعة أكانت إسلامية، أو غير ذلك)· من جانبه، اقترح رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيلون أن ينظر المسلمون واليهود في التخلي عن الطرق التقليدية لذبح الحيوانات قائلاً: (لم يعد يمكننا فعلُ الكثير في الوقت الراهن مع دولة العلم والتكنولوجيا والمشاكل الصحية)· فيما أعرب ريتشارد براسكوير، رئيس المجلس التمثيلي لمؤسسات اليهودية الفرنسية، عن صدمته من اقتراح فيلون، الذي دعا بدوره قادة الجالية المسلمة واليهودية لمناقشة هذه القضية معه· أما المسلمون فقد سئموا من تحويلهم إلى كبش فداء ضمن محاولات السياسيين التودُّد إلى اليمين المتطرف، واتهموا قرار ساركوزي بتحويل الحلال إلى قضية انتخابية بأنّه أسلوب انتخابي خطير ومثير للانقسامات، حيث أعرب محمد موسوي رئيس المجلس الفرنسي للدين الإسلامي عن قلقه لكون اللحوم الحلال أصبحت قضية الحملة الانتخابية مضيفًا: (إن هذا يخلق التوترات في المجتمع)· من جهة أخرى، زعمَ بعض المدافعين الأوربيين عن حقوق الحيوان أنَّ طريقة الذبح الحلال من المسلمين وقواعد كوشر اليهودية (أقل إنسانية من الطريقة الأوربية الموحدة، لأنهم يحظرون ممارسة صعق هذه الحيوانات قبل ذبحها)، حيث قال فريدريك فروند, مدير جماعة حقوقية تدعى (ساعد الحيوانات في المسالخ) إن هذا الجدل (يتطلب منا مزيدًا من الشفافية)· وفي دراسة لحياة المسلمين في ضواحي باريس الشمالية، كتب جيل كيبل، الخبير في الدين الإسلامي: (إن هذا الانتشار للأطعمة الحلال أحد أهم ظواهر التحول والتأكيد على هوية الإسلام في فرنسا في العقد الأول من القرن 21)· جدير بالذكر أن اللحوم الحلال تشهد ازدهارا وإقبالا في السوق الفرنسي ويزداد الطلب عليها في المدارس والمستشفيات وقوائم المطاعم وشركات الأغذية ما سبب توترا وسوء فهم بين المسلمين وغيرهم، واتهامات بأن الأطعمة الحلال صارت إشارة تمييزية إلى الهوية وبخاصة بين شباب الأقلية الإسلامية التي تقدر بحوالي 6 مليون نسمة· ورغم ذلك تضاعف سوق الحلال مرتين، بينما لا يزيد الإقبال على الأغذية الأخرى بحوالي 20 بالمائة فحسب· يتبقى على بدء الجولة الأولى من السباق الرئاسي الفرنسي شهر تقريبا، ومن الواضح أن قضية (الأطعمة الحلال) تأخذ دورها في طابور الاستغلال السياسي، بجوار قوانين حظر النقاب في الأماكن العامة والحجاب في المدارس، فضلا عن منع المسلمين من الصلاة في الشارع!