الفطرة أن يعيش الأبناء متحابين، قلوبهم على بعض، لا يؤثر على علاقتهم شيء، غير أنه ونتيجة لأخطاء الآباء التربوية التي تتلخص في عدم إعطاء كل واحد منهم حقه، تنشأ التفرقة بين الأبناء، مما يؤثر سلبا على علاقة الأبناء فيما بينهم مستقبلا، بحيث تتفاقم مظاهر الكراهية والحقد على بعضهم، حتى يصل بهم الأمر إلى قتل الأخوة، التي من المفروض أن تكون في أروع معانيها في جميع مراحل حياتهم، غير أن التفرقة بينهم تتسبب في ظهور المزيد من المشاكل في المجتمع الجزائري· كما أن التفريق والتمييز بين الأبناء يظهر في مواطن عديدة، أي تجد بعض الآباء يفضلون بينهم ماديا، سواء من ناحية الملبس والأكل، أو المصروف الشخصي، وحتى بالنسبة لتوفير الألعاب لواحد دون الآخر، حيث تجدهم يلبون كل رغباته، أو بمعنى أدق يطيعون كل أوامره، كما أنهم يفرقون بينهم حتى من الناحية العاطفية، فنجد الاختلاف في الاهتمام بالأبناء ومداعبتهم والعطف والحنان عليهم، بل حتى في تقبيلهم، فإعلان المحبة للأبناء دون تمييز، هي ترجمة لحب وحنان الوالدين ومحاولة منهم للوصول إلى أعلى درجات المساواة، غير أن العديد منهم لا ينجحون في تجسيدها على أرض الواقع، لأن تصرفاتهم الغريبة، تفضح مظاهر التفرقة والتمييز عندهم، خصوصا عند ارتكاب الأطفال لخطأ ما، فإن العقاب لا يطال الطفل المحبوب أبدا، بالرغم من أنه في معظم الأحيان يكون الذنب ذنبه هو، وفي مقابل عقابه، يأتي الدفاع عنه وتبرير أخطائه· ويرجع بعض الآباء المفرقين، مسألة التمييز بين الأبناء، إلى الأبناء أنفسهم، حيث تقول السيدة (نادية) إن تصرفات ابنها الكبير معها تختلف تماما عن تصرفات باقي إخوته، فهو يحدثها بلطف ولباقة ولا يعصي أمرا لها قط، لتضيف بأن طباعه تختلف كثيرا عن طباع إخوته، فهو حنون ولطيف جدا، لذلك فهي تجد نفسها تحبه أكثر من إخوته، وإن كانت تميز بينهم فهي تقول بأن ذالك لا يكون مقصودا، وإنما يأتي بطريقة عفوية، لتأكد أنها في كثير من المرات تسببت بوقوع شجارات بينهم بسبب إظهارها لحبها الزائد له· من جهته يقول السيد محمد، إنه فعلا يفرق بين أولاده، إذ أن لديه طفلين، ولدا وبنتا، لكنه يحب الولد أكثر من الفتاة بكثير، لأنه يراه أذكى منها بكثير، وحتى وإن كان في قرارة نفسه يعلم أن العكس هو الصحيح، إلا أنه يتعمد إظهار حبه الكبير له، ليس فقط بينهم بل حتى أقاربه وجيرانه رأوا ذلك، وقاموا بنصحه في العديد من المرات· لتقول سيدة أخرى بأن العدل يضمن إشاعة الحب بين الأولاد منذ صغرهم، وكذا غرس كل مظاهر الحب والثقة داخل البيت الأسري، لأن الأبناء حتى وإن كانوا أطفالا صغارا، فهم قادرون على ملاحظة التمييز بينهم، وإن كانوا لا يحتجون في هذه السن، إلا أن ذلك ينعكس عليهم مستقبلا عند كبرهم، وعند ذلك يقدرون على لوم آبائهم ومعاتبتهم، والأكثر من ذلك لا يتوانون لحظة عن اتهامهم بالظلم، والجدير بالذكر أن الطفل الذي يولى أكبر قدر من الاهتمام، هو الذي يكون أقل برا بوالديه عندما يكبر، لأنه ينشأ على الأنانية وحب كل شيء لنفسه· وتعقب قائلة إنه يجب على الآباء إعادة النظر في تصرفاتهم، والعدل بين أطفالهم، لأن هذه المعاملات تساعد على نشر الكره والبغض والحسد بينهم، والذي تنعكس آثاره عندما يكبرون ويبتعدون عن بعضهم البعض، وتختفي من عندهم كل مظاهر الحب والأخوة·