تعتبر الحرف والصناعات التقليدية النسوية بالجزائر، واحدة من أهم المجالات التي تجتذب إليها الكثير من السيدات والفتيات على العموم، نظرا لأنها تدخل في صميم عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة وهويتنا الثقافية، ولكونها تدر عائدا ماليا هاما ومعتبرا على المشتغلات بها، وهو ما دفع كثيرات منهن إلى اقتحام هذه المجالات، حتى من صاحبات الشهادات العليا والكفاءات اللواتي يمارسن مهنا هامة ومميزة، فضلن مع ذلكم، العودة إلى التراث التقليدي، بحثا عن ملء الفراغ وتعلم حرفة جديدة، من جهة، وتحسبا لتقلبات الزمن، حيث لا يجد المرء حينها غير صنعة يديه أو حرفته التي تعلمها واكتسبها معيلا له، ومصدرا لرزقه· وتبدو الصالونات والمعارض النسوية المقامة من حين إلى آخر، في مناسبات مختلفة فرصة حقيقية لاكتشاف هؤلاء السيدات العاملات في مختلف المجالات، وفي مختلف الحرف، وأيضا مدارس التكوين والجمعيات النسوية التي تتيح للمنخرطات فيها، نشاطات كثيرة ومختلفة، تشمل الصناعات والحرف التقليدية المتنوعة، بالإضافة إلى الطبخ والحلويات وغيرها من المهن الأخرى، ولا يختلف الأمر بين الماكثات في البيوت والموظفات، وحتى من الطالبات الجامعيات، فكلهن صرن حاليا يقبلن على تعلم حرفة، يمكنها أن تضاف إلى رصيد مكاسبهن التعليمية والمهنية، أو تكون كل ما يملكنه من خبرات في هذه الحياة، غير أن المشترك بينهن جميعا، هو إدراكهن حاليا، للعائدات المالية الكبيرة التي تتيحها ممارسة مثل هذه النشاطات، بسيطة كانت أو صعبة، نظرا للطلب المتزايد عليها، في كل وقت، ولمسات التجديد والعصرنة التي تضيفها كل حرفية، لجعل سلعتها الأكثر طلبا في السوق، سواء بالنسبة لأصحاب المحلات التجارية المتخصصة، أو لتلبية طلبات وحاجيات الزبائن أنفسهم· في هذا الإطار، تكشف السيدة (ب· آسيا) متزوجة وأم لطفل، ومتحصلة على شهادة الليسانس في الحقوق، أنها لم تتمكن من الحصول على منصب عمل يناسب مؤهلاتها العلمية، وبعد زواجها وإنجابها لابنها، صار الأمر أصعب بكثير، نظرا لعد وجود مكان تترك فيه ابنها، وبالنظر إلى وقت الفراغ الكبير الذي تملكه وإحساسها الدائم بالوحدة والاستياء، نصحتها والدتها بممارسة بعض الأعمال اليدوية الخفيفة، وبالفعل اتجهت إلى إحدى الجمعيات النسوية على مستوى الحي الذي تقطن به بنواحي الدرارية، حيث تلقت بعض التكوينات في مجال الطرز والخياطة وصناعة بعض الأشياء الخاصة بتزيين المنزل، التي تعتمد على مواد أولية بسيطة وغير مكلفة، وقد بدأت ببعض علاقات مفاتيح الخزانة المعتمدة على شرائط حريرية مختلف الألوان، والتي ما إن عرضتها على بعض صديقاتها وجاراتها، حتى نالت إعجابهن، وطلبت بعضهن منها أن تصنع لها مثلها، بموديلات مختلفة، مقابل مبلغ مالي مهم، وهو الأمر الذي قالت إنها لم تكن تتوقعه بالمرة، فالمواد الأولية لا تكلفها الكثير، إضافة إلى أن لديها الكثير من الوقت، وقد تمكنت من كسب مبالغ مالية مكنتها في ظرف 3 أشهر فقط من شراء خاتم ذهبي، وهو الأمر الذي شجعها على المضي قدما في هذه الحرفة، فيما تفكر في تعلم حرفة أخرى جديدة· أما السيدة شهيرة من العاصمة أيضا، فتقول إن الحرفة اليدوية أو الصنعة لا يمكن أن تفنى ولا أن تزول، والدليل أنها مطلوبة دائما، كما أنها تخضع كذلك للتجديد والعصرنة، وتتماشى مع الموضة، وتقول إنها تتقن الكثير من فنيات وتقنيات الطرز والخياطة، والفتلة والمجبود وغيرها، غير أن الأكثر طلبا مؤخرا هو بعض قطع الملابس التي يتم صنعا بالخيط أو ما يعرف بالكروشي، وهي تقنية ظهرت مؤخرا، وصارت تلقى رواجا كبيرا في ملابس الأعراس، وفي الملابس اليومية، ورغم أن المادة الأولية متوفرة ولا تكلف الشيء الكثير، إلا أن ثمن القطعة الواحدة من الصدر المصنوع بتقنية الكروشي والذي تتم خياطته بعدها كفستان سهرة أو بيت أو غيرها، يفوق أحيانا 1200 دج، وهو مطلوب من طرف السيدات المتزوجات، والمقبلات على الزواج، ومن كافة الفئات العمرية والاجتماعية، وقد ساعدتها هذه الحرفة على توفير الكثير من حاجياتها، وتلبية متطلبات المنزل، ومساعدة زوجها أيضا، مؤكدة أنه مهما بلغ تعليم المرأة، أو مستواها، فلا غنى لها عن ممارسة حرفة يدوية مهما كانت بسيطة، يمكنها أن تنقذها من الفراغ، وتشغل فكرها وبالها، وتكسب منها أموالا يمكنها أن تلبي الكثير من احتياجاتها دون انتظار أحد·