انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرتان في الوسط الفني بالوطن العربي: الأولى مشاركة فنانين من الصف الأول بعضهم البعض في الحفلات، والثانية مشاركة فنانين من الصف الثاني في الحفلات الخيرية بأجر رمزي أو حتى من دون أجر لإثبات حضورهم وضمان عدم نسيان الجمهور لهم، وشراء صفحات المجلات لنشر أخبار نجاحاتهم التي تكون وهمية غالباً· ما خلفيات هاتين الظاهرتين في ظل المصاعب والعوائق التي يعانيها الوسط الفني، لا سيما الاقتصادية والسياسية والأمنية؟ بعدما كان جواز مرور إلى الجمهور وتصدر قائمة نجوم الصف الأول، لم يعد ال (سي دي) مقياساً لنجاح الفنان وحلت محله الحفلات التي بات الإقبال عليها دليلاً على شعبية هذا الفنان أو ذاك· أدرك فنانو الصف الأول هذا التبدل، فتكاتفوا في ما بينهم للظهور في حفلة واحدة لضمان نجاحها وجذب أكبر نسبة من الجمهور· خير مثال على ذلك مشاركة نجوى كرم وعاصي الحلاني وفارس كرم في حفلة واحدة، إليسا وفضل شاكر ووائل كفوري في حفلة واحدة أيضاً· لم يعد الواقع يسمح لنجم من الصف الأول بالاستفراد بحفلة يرافقه نجم من الصف الثاني، الأمر الذي يفسر مشاركة النجمين راغب علامة وهيفا وهبي في حفلة واحدة على مدى عامين كاملين· يهدف هذا الاتحاد بين النجوم إلى الحفاظ على جمهورهم وجلب أكبر قدر ممكن من الناس، ففي ظل الظروف المعيشية الصعبة لا يستطيع كل نجم على حدى الاعتماد على جمهوره الخاص ومعجبيه فحسب لإنجاح حفلته· دور المتعهدين يؤدي المتعهدون دوراً في إقناع الفنانين في تكوين هذا الاتحاد ويعتمدون على نماذج نراها اليوم على الساحة الفنية، بالإضافة إلى إقامة فنانين من الصف الثاني حفلات خيرية من دون مقابل مادي لتحقيق حضور لا أكثر ولا أقل· في هذا الإطار، يوضح متعهد الحفلات عماد قانصوه أن نجاح أي حفلة فنية يكمن في أن يكون الفنان نجم شباك تذاكر وأغنياته (ضاربة) ويتمتّع بكاريزما على المسرح، مشيراً إلى أنه لا ينظم حفلة قبل التأكد مسبقاً من نجاحها مادياً وفنياً، لذلك يختار نجوماً من الصف الأول وينسق معهم لتنظيم حفلة تتضمن أكثر من فنان، لا سيما أن معظمهم يفكر بطريقة عقلانية ويقبل المشاركة في حفلة واحدة مع فنانين آخرين مهما كبرت نجوميته· فنانو مهرجانات يعمد فنانون من الصف الثاني إلى شراء صفحات بأكملها في المجلات الفنية وينشرون صوراً لحفلاتهم مأخوذة من زوايا محددة للدلالة على وجود جمهور كبير فيها، لا سيما عند مشاركتهم مع نجوم الصف الأول، لإيهام القارئ بأن الناس أتوا لرؤيتهم· ثمة فنانون آخرون يعتبرون نجوم المهرجانات المحلية (اللبنانية) بامتياز التي يكون الأجر فيها رمزياً، من بينهم: طوني كيوان، هشام الحاج، سيمون حدشيتي وغيرهم ممن لم يسعفهم الحظ ليصبحوا نجوم شباك من الصف الأول· هذا الواقع تخطاه الفنان محمد اسكندر بعدما تجاوز المهرجانات إلى الحفلات العامة وأضحى نجم شباك، ويقبل الناس على حفلاته بفعل استثمار مفردات غير مألوفة لونه الغنائي، عبرت به من ضفة غنائية إلى أخرى· معروفون بالاسم بات فنانو الحفلات الناجحة معروفين ولا حاجة للتذكير بأسمائهم، وعلى رغم حب الناس لهم إلا أنهم يدورون في فلك فني واحد، وأصبح الوسط الغنائي بحاجة إلى ضخ دم جديد· من هنا، تبنى اختصاصيون في هذا المجال أصواتاً جديدة، على غرار عماد قانصو الذي يستعد لتقديم صوت جديد وقع عقداً معه مدته عشر سنوات، يصفه بأنه يشبه صوت مطرب قدير، لكنه لم يتأثر به وسيقدمه على الساحة قريباً في ألبوم كامل وكليب· بدورها، تبنت شركة (ميوزيك إز ماي لايف) جوزيت روحانا وأطلقت عليها اسم جنى وقدمت لها أغنيتها الأولى (أنا مش بنت من الشارع)، في محاولة منها لإعادة ذكريات التعاون الناجح مع ميريام فارس قبل وقوع الانفصال· كذلك قدم طارق أبو جودة صوتاً جديداً هو نهوى ويحاول من خلالها خوض التجربة التي خاضها مع يارا، التي يبدو أن العلاقة بينهما تتدهور شيئاً فشيئاً، فضلاً عن محاولات مستميتة يقوم بها إيلي ديب لإثبات أن نايا التي اكتشفها لا تقل أهمية عن اكتشاف سيمون أسمر لزوجته السابقة نوال الزغبي· لكن تبقى تلك المحاولات مرهونة بقدرة منفذيها على اقناع الجمهور بأن الأصوات الجديدة قادرة على منافسة النجوم الحاليين، ابتداء من وليد توفيق وصولاً إلى ملحم زين، ومروراً بعشرات الأصوات التي لا يرضى الجمهور عنها بديلاً· علماً أن مهمة الوافدين الجدد تبدو أسهل في ظل التطور التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي، ما يساهم في وصول أصواتهم إلى أكبر شريحة من الجمهور، لكن هذا التطور لا يضمن لها النجاح الذي يخولهم تصدّر الحفلات بامتياز·