لازالت ظاهرة (التشيبة) تفرض منطقها على مستوى بعض المؤسسات وكأن واجبات العمال صارت تشترى بتلك الهدايا وحتى المبالغ المالية على الرغم من أنهم يؤدون مهامهم في إطار وظائفهم، إلا أن العرف الملزم الذي أضحى يميز الكثير من العقليات والذهنيات هو تقديم مقابل كل الخدمات ولو كانت خدمات بسيطة، ولا يمكن لوم العمال والمسؤولين بل إن المواطنين هم الآخرون مهدوا الطريق لانتشار تلك الظواهر السلبية في إداراتنا العمومية، وما إن تقدم لهم مصلحة حتى يذهبوا إلى تقديم مقابل تلك المصلحة، متناسين أن تلك المصلحة قدمت لهم في إطار مهام الموظف المفروضة عليه حسب قوانين المهنة دون حاجة لاستلام الهدايا أو حتى المال من طرف طالب الخدمة· الهدية كمنطق فرض في الكثير من المؤسسات والإدارات أكده لنا موظفون كان لنا معهم حديث، بحيث أكدوا ظاهرة الأكياس المتهاطلة والتي تعبر عليهم إلى بعض العمال رغما عن أنوفهم مما حول تلك الإدارات إلى أمكنة لتسليم وتسلم الهدايا، وكأن تلك الخدمة هي خارجة عن واجبات العامل أو المسؤول بل يقدمها في إطار عمله وأداء واجباته المهنية، إلا أن العادات التي التزم بها البعض هي من شجعت على انتشار تلك الظواهر السلبية في بعض مؤسساتنا أو حتى ربما كان للبيروقراطية القسط من المسؤولية في انتشار تلك الظواهر، حتى أن هناك من يستعملها بغرض الحصول على تلك المزايا ويذهب إلى التماطل في أداء الخدمة ليبين في الأخير العناء الكبير الذي تتطلبه قضاء تلك الخدمة حتى ولو كانت قد تمت في بضع دقائق لحاجة في نفس يعقوب، كما يقال ولكي يقبض العامل نصيبه من أداء الخدمة سواء كان ذلك بتقديم بعض الهدايا أو حتى المبالغ المالية بعد أن باتت إداراتنا مجالا فسيحا لتلك المظاهر السلبية· اقتربنا من بعض الموظفين الإداريين فأكدوا الظاهرة التي شاعت منذ سنوات، ومنهم إحدى الموظفات على مستوى الضرائب التي قالت إن بعض العمال يتلقون تلك الهدايا وقد تكون معتبرة في بعض الأحيان، خاصة وأن التعاملات دوما تكون مع أصحاب الأنشطة التجارية، بحيث لا يتوانى بعضهم عن تقديم نصيب من السلع لبعض الموظفين بغية قضاء مصالحهم على الرغم من قضاء تلك المصالح يدخل في إطار الواجبات الوظيفية المأجور عليها، وهي ترى أن السلوك سلبي انتهجه بعض الموظفين الذين لا يتوانون عن قبول تلك (الهدايا) بل ويلمحون لها بعد أن أضحت عرفاً· موظف آخر قال إن (التشيبة) التي تدخل في صنف الرشوة باتت ظاهرة معلنة بل يفتخر بها البعض ويقوم بها في العلن دون أدنى حياء، وقال إنه شخصيا يرفض ذلك ويمتنع حتى عن مسك حبة حلوى تقدم له في إطار تأدية مهمة ما دامت تلك المهام تدخل في إطار الواجبات المهنية المأجورة ولا يحق أكل أموال الناس بالباطل فهو يدخل من باب الحرام· وعلى الرغم من رفض الكل منطق (التشيبة) إلا أنها تبقى ظاهرة متفشية في المجتمع على الرغم من سلبياتها المتعددة·