من لا يعرف النجم الكبير لخضر بلومي أكيد لا يعرف الكرة الجزائرية، فمساكين أولئك الذين لم يعايشوا الحقبة الذهبية لهذا اللاعب، تمريرة واحدة من قدمه الحرية كانت تكفي لتغير مجرى المباراة، وبفضله بلغنا مونديال بلاد الأندلس عام 1982، وبفضله صنع منتخبنا الوطني اسما لامعا في سنوات الثمانينيات، وبفضله أصبح لفريق غالي معسكر اسما في الوسط الكروي الجزائري، وبفضله وفضله الملايين من الجزائريين رقصوا على أنغام (جيبوها يالولاد) وبأغنية(هذه البداية وما زال)· بلومي، وبطلب من أبناء منطقته ولاية معسكر، رشح نفسه للانتخابات التشريعية المقبلة، بعد أن رأو فيه الرجل المناسب لإحداث التغيير والقطيعة بحقبة من الزمن غاب فيها الرجال، عن مدينة الأمير عبد القادر، بلومي يرى أن ولاية معسكر وعلى غرار الكثير من ولايات الغرب الجزائري تعاني التهميش، فحان الوقت للالتفات إليها، وحتى لا نطيل عليكم في الحكاية، نترككم مع نص الحوار كاملا· ** بداية أين هو لخضر بلومي؟ * أتواجد بمسقط رأسي مدينة معسكر· ** ماذا عن دخولك عالم السياسة؟ * لا، أرغمت على دخولها، فأنا لست رجل سياسة، فلولا حب أبناء ولاية معسكر لي لما استجبت لطلبهم بالترشح للانتخابات التشريعية، فإلحاحهم علي هو الذي قادني إلى هذا العالم، فكما يعلم الكثيرون أن عالم السياسة ليس كعالم الرياضة، وبما أنني أفنيت حياتي كلها للرياضة، فمن الصعب أن ألج عالم السياسة· ** لكن رغم ذلك ها أنت تدخل هذا العالم؟ * كما سبق وأن قلت لك، أرغمت على دخول عالم السياسة، وبإذن الله تعالى سأوفق في مهمتي الجديدة إذا قدر الله وانتخبت ممثلا لولاية معسكر في البرلمان، فهناك أمور كثيرة يجب أن تتوفر في الولاية، لا يعقل أن يبقى شباب المنطقة مهمشين· ** ألا ترى أن دخولك عالم السياسة مغامرة قد تكلفك الكثير؟ * الإنسان الذي يخشى المغامرة في نظري الخاص لا يصلح حتى بتمثيل نفسه وما بالك بتمثيل الشعب، حبي لبلدي وحبي لأبناء وطني ولأبناء ولايتي معسكر، اضطرني إلى تلبية نداء هؤلاء النداء الذي اعتبره واجبا علي، وسأعمل كل ما لدي إذا قدر الله ووصلت إلى قبة البرلمان لتحقيق ما أسعى إليه، وهو ترقية شباب الولاية· زد إلى ذلك فأنا لست رجل مصالح ولست من أمثال الذين يلهثون وراء المناصب، فالمسؤولية تكليف وليست تشريف، والشخص الذي تجده يلهث وراء المناصب أكيد أنه يبحث عن تحقيق أغراضا شخصية، لذا حان الوقت لاختيار الرجال النزهاء الذين يملكون الغيرة على هذا الوطن الحبيب، فالحمد لله الماضي الكروي يضعني في مكانة مرموقة، مكانة أعتز بها، المكانة التي ضحيت بها خدمة لوطني، فكيف بي أن لا أخدم بلدي اليوم، وأنا الذي أفرحت ملايين الجزائريين حين كنت لاعبا، فأنا لست من أصحاب (الشكارة) الذين رصدوا الملايين من أجل كسب ود المواطنين للانتخاب عليهم أنا عكس هؤلاء، الشعب هو الذي اختارني· ** هل تثق في الفوز بمقعد في البرلمان؟ * ثقتي في الله عز وجل، وثقتي كذلك في الذين اختاروني، وإذا كتب ربي سأكون من الفائزين· ** وإذا لم تفز؟ * ليست نهاية العالم، المهم بالنسبة لي هو تلبية نداء الواجب، الواجب الذي طلب مني من طرف شباب وسكان ولاية معسكر بالترشح، فإن فزت فأهلا وسهلا وإن لم أفز، ففي نظري الخاص أعتبر نفسي فائزا، كونني لم أخيب من طلبوا مني الترشح· ** هل من إضافة بخصوص الانتخابات التشريعية المقبلة؟ * كل ما قالوه لك، لا يعقل بشباب في ربيع عمرهم، البعض منهم تجاوز ال25 سنة والبعض الآخر ال30 سنة، ولا يملكون بطاقة منتخب، إنه أمر يثير الدهشة، الذنب ليس من هؤلاء بل في من نزعوا الثقة في شباب الجزائر· ** لنترك السياسة جانبا، ما رأيك في مقولة ليس كل لاعب كبير سيصبح مدرب كبير؟ * مقولة في محلها، فلو تمعنا في الكثير من الأسماء الكثيرة البارزة في ملاعب كرة القدم عبر التاريخ، نجد الكثير منها لم ينجحوا كمدربين، والعكس صحيح كم من مدرب كبير لم يكن لاعبا كبيرا، هذه هي سنة الله· ** أين مكانتك من هؤلاء؟ * أعتبر نفسي غير محظوظ، لعدة أسباب منها على وجه الخصوص، كل مرة أجد نفسي وسط موجة من المشاكل، المشاكل التي يصنعها رؤساء الأندية والمسيرين، فمن الصعب على أي مدرب يعرف قيمة نفسه ويقدر مهنته أن يعمل مع مسيرين ورؤساء يلهثون وراء النتائج ولا يبالون بالمستوى، وهذه هي مشكلة كرتنا اليوم، المشكلة التي استفحلت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة، وحتى لا نكذب على أنفسنا كرتنا مريضة· ** أين يكمن هذا المرض؟ * المرض يكمن في سوء التسيير وفي العقلية الضيقة لرؤساء الأندية، فالكل كما سبق الذكر، يلهث وراء الفوز، واللعنة على التكوين والاستقرار، الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى اللاعب المحلي، وعلى الأندية الجزائرية، فالمدرب الذي لا تمنح له فرصة العمل على الأقل ثلاث سنوات في الفريق، لا يمكنه تحقيق النجاح· وهناك نقطة مهمة، تتمثل في العقلية الضيقة للاعب الجزائري، فالمادة طغت على عقلية هؤلاء، وبات من الصعب على هؤلاء إرشادهم بطريقة سليمة، في ظل نظرة رؤساء الأندية إلا على الفوز ولا شيء آخر· ** ماذا عن المسيرين؟ * سوء التسيير في النوادي الجزائرية أثر سلبا على المستوى، وقد لا يختلف معي اثنان في ذلك، حيث باتت جل النوادي الجزائرية تحت رحمة أشخاص لا علاقة لهم بكرة القدم، همهم الوحيد تحقيق أغراضهم الشخصية على حساب تطوير اللعبة، فمن البديهي، أن يتحول البزناسي والمقاول وما شبه ذلك هم الذين من يملكون سلطة القرار· لو عدت بك إلى الزمن الجميل للكرة الجزائرية، نوادينا كانت في أيادي آمنة، والدولة تراقب المسيرين وتضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه في النيل من الفريق الذي يترأسه، لكن مع التحولات التي شهدتها الجزائر في مطلع التسعينيات، في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى الفكرية، كان من البديهي أن تمس هذه التحولات المجال الرياضي، حيث غزا الكثير من الأشخاص النوادي الكروية، وباتوا يتحكمون في كل شيء، مما ولّد فوضى عارمة، كانت من نتائجها أن غادر أبناء الفرق المخلصون والأوفياء نواديهم، فبات الذي يملك المال هو الذي يحق له أن يتكلم عن كرة القدم، ومن نتاج هذه الأزمة أن أدنى سعر لاعب كرة قدم في فريق من القسم الأول يفوق النصف مليار، والعجيب في الأمر كله أن هناك لاعبين فاق سعرهم في سوق التحويلات المليار سنتيم، وهم لاعبون غير دوليين، هذه المفارقة لن نجدها إلا في الجزائر· الأغرب من كل هذا أن هؤلاء اللاعبون الذين يدعون أنفسهم كبار، ويلهثون وراءهم مسيرو النوادي، الأحسن منهم لا مكانة له حتى في أدنى فريق فرنسي، لو كانوا حقا يجيدون لعب الكرة، لما تحول الفريق الوطني حكرا إلا على اللاعبين المحترفين· ** لكن الواقع هو الذي استلزم أن يصل سعر لاعبي كرة القدم إلى أكثر من مليار سنتيم؟ * صحيح أن الواقع تغير، ولم يصبح كما كان عليه في السابق، لكن ما أريد قوله أن المبالغ الذي يتحصل عليها الكثير من اللاعبين لا تعادل عطاءهم فوق الميادين، وهي حقيقة لا أحد ينكرها، فأعطيني مثلا لاعبا واحدا بإمكانه أن يغير وجه اللقاء لوحده، كما كان الشأن عند لاعبي جيل الثمانينيات مثلا أو حتى جيل السبعينيات، حيث كان في كل فريق أكثر من لاعب، يشكلون قوة الفريق، فمثلا فريق غالي معسكر الذي لعبت له والمتوج بلقب البطولة الوطنية في موسم 83 - 84 كان يضم في صفوفه نخبة من اللاعبين الكبار، منهم المتحدث وبوط وبغدوس وحبالي، نفس الشيء تماما كان موجودا في فريق مولودية وهران مع سباح وبن سحاولة وشريف الوزاني ومزيان ولباح، وفي شبيبة القبائل مع فرقاني وبويش وادغيغ ومناد وعيبود وعويس، وفي فريق النصرية نجد ماجر ومرزقان وأيت الحسين وقندوز، نفس الشيء في شباب بلوزداد مع ياحي وكويسي وفي اتحاد الحراش مزياني ومدان، وفي الوفاق عجيسة وسرار ونابتي ورحماني والأخوين بن جاب الله، وفي مولودية العاصمة بويش ناصر وبن شيخ وبلمو وفي اتحاد العاصمة قديورة وسليماني، كل هؤلاء اللاعبين الكبار، كانوا محل إعجاب الجماهير الرياضية، فالكثير منهم كان يرى في هؤلاء متعة الخاطر ويحضر أسبوعيا إلى الملعب حتى وإن لم يكن فريقه ليس طرفا في المباراة إلا أنه يحضر إلى الملعب كونه على علم أنه سيشاهد فنيات في كرة القدم وإبداع حقيقي، وجل هؤلاء اللاعبين كانوا يلعبون للمنتخب الوطني· أما اليوم فنجد العكس، لاعبون بالاسم يحصلون على الملايير، ورؤساء فرق بزناسيون يتاجرون في هؤلاء اللاعبين، دون حسيب ولا رقيب، والنتيجة لا مستوى في البطولة الجزائرية أكثر من ذلك أصبح الكثير يخشى دخول الملاعب· ** ما رأيك في ظاهرة العنف التي استفحلت مؤخرا بملاعبنا بشكل مخيف؟ * ظاهرة العنف نتاج الأزمة الحقيقية التي يعيشها الشباب الجزائري، فلو كان لهؤلاء منفذا للتعبير عنها لما وجهت أصابع الاتهام لشباب ذنبهم الوخيم لم يجدوا من يستمع إليهم· ** ما الحل لوضع حد لهاته الظاهرة المخيفة؟ * كلنا مسؤولون عن هاته الظاهرة، من رياضيين ومسيرين ولاعبين وصحافيين وفنانين، يجب على الجميع أن يتحد من أجل إيجاد حل سريع للظاهرة وإلا استفحل المرض في الملاعب الجزائرية، حينها سنجد أنفسنا في مأزق لا مخرج منه· ** ما رأيك في الاحتراف في الجزائر في موسمه الثاني؟ * حتى لا نكذب على أنفسنا لا زلنا بعيدين كل البعد عن المعنى الحقيقي للاحتراف، بل بالعكس، الاحتراف الذي تم تطبيقه في الجزائر، لم يغير شيئا من كرتنا إن لم نقل زادت المشاكل، كما أن المستوى تراجع إلى درجة كبيرة، فمباريات البطولة الوطنية فقدت نكهتها، والمدرجات فقدت جماهيرها، فأصبحنا نرى مباريات مملة، رغم أن طرفيها فرق عريقة· ** في نظرك الخاص، لماذا جل أندية الرابطة المحترفة الأولى وحتى الثانية غيرت مدربيها؟ * ما يحدث في الأندية الجزائرية، ليس المحترفة أو الهاوية صورة حقيقية عن الواقع المزري الذي يعيشه المدرب الجزائري، فكما قلت لك الضحية دوما هو المدرب، فحتى وإن كان هذا الأخير بريء مما يحدث له داخل الفريق، لكن هو الذي سيدفع الثمن، هذا هو واقع كرتنا اليوم أبينا أم كرهنا· ** وماذا عن المدارس الكروية في الجزائر؟ * عن أي مدارس تتكلم، لا توجد أي مدرسة قائمة بذاتها، عندنا مدارس بالاسم فقط لا غير· ** وماذا عن أكاديمية نادي بارادو؟ * صحيح أن أكاديمية بارادو حققت بعض النجاح لكنها لم تصل إلى المستوى المطلوب· ** من هو الفريق الذي ترشحه لانتزاع كأس الجزائر؟ * من الصعب ترشيح فريق معين، بالنظر إلى تقارب مستوى الفرق الأربعة المتأهلة إلى الدور نصف نهائي لكأس الجزائر، فكل الفرق تملك نسبة واحدة لانتزاع كأس هاته السنة، والفريق الذي يعرف كيف يستغل أخطاء الآخر سيفوز بدون شك بالكأس· ** وماذا عن لقب البطولة الوطنية؟ * لقب البطولة الوطنية سيلعب بين ثلاث فرق، وفاق سطيف واتحاد العاصمة وبدرجة أقل شباب بلوزداد· ** ما رأيك في بطولة هذا الموسم؟ * دون المستوى، نريد فرق تشرفنا أحسن تشريف قاريا، ليس بفرق تتوج بالألقاب والكؤوس وتسمى بالأندية الكبيرة تقصى في الدور الأول· ** ألا تفكر في العودة من جديد إلى عالم الكرة؟ * من الصعب على إنسان قضى جل حياته في ميادين الكرة أن يبتعد عنها، فأنا ولدت لأكون لاعب كرة· ** لنسألك الآن عن المدرب الوطني خاليلوزيتش؟ * خاليلوزيتش، مدرب في المستوى ومدرب محترم، وغني عن التعريف، وأتمنى أن يتركوه يعمل في حرية، لتحقيق ما يصبوا إليه، وإذا وفرت له ظروف العمل، أنا على يقين أنه سيؤهل المنتخب الوطني من جديد إلى مونديال البرازيل، وإلى كأس أمم إفريقيا المقبلة· ** ماهي الأسباب التي جعلت فريق الغالي ينزل إلى هذا القسم؟ * سبب أزمة الغالي يكمن في سوء التسيير، فجل الذين تعاقبوا على الفريق خلال السنوات الأخيرة، يتحملون نصيبا كبيرا من الحالة التي آل إليها الفريق· فبعد أن استولى على الغالي أناس لا علاقة لهم لا بالفريق ولا بكرة القدم، كونهم دخلاء حتى على مدينة معسكر، كان من البديهي أن ينزل فريق الغالي إلى هذا القسم ومن البديهي أن يغادره أبناءه الأوفياء· ** هل من كلمة نختم بها جلستنا هاته؟ * شكرا لكم على هاته الالتفاتة، وأتمنى لجريدة (أخبار اليوم) كل التوفيق والنجاح، ووفقكم الله بما تصبون إليه.