لاحظ الكل الذهنيات التي باتت منتشرة لدى أغلب الأمهات هداهن الله اللواتي بتن يفتحن المجال لجلوس أطفالهن الصغار ويتدافعن من أجل الظفر بمقاعد وتخصيصها لهم في الوقت الذي نرى فيه أشخاصا كبارا وحتى عجزة واقفين على مقربة من هؤلاء الصغار، وهو الأمر الذي لم نعهده ولم يهضمه الكل مما حوّل تلك الحافلات إلى حلبة للصراع بالنظر إلى رفض الكثيرين لذلك العرف الجديد ويحملون في ذلك شعار حفظ حقوق البراءة متناسين الأوجه السلبية لتلك المشاهد التي تجسد أنانية البعض· في وقت مضى كان لا يتوانى الكبار على تنبيه الصغار إلى النهوض وترك المكان إلى شخص كبير من باب الاحترام والتقدير، ويذهب ذلك الشخص إلى وضع الطفل الصغير في حجره عادة مما يجسد مكارم الأخلاق الذي كان يتحلى بها الكل بالأمس القريب، لكن اليوم بعض الأولياء يقيمون الدنيا ولا يقعدوها لمجرد أن أحدهم طلب من طفل صغير بكل أدب ولباقة التي ينهيها عادة بدعوات الخير له، كونه منح له المكان الذي هو بأمس الحاجة إليه في تلك اللحظات بالنظر إلى تعبه الشديد أو مرضه· لكنها وللأسف الظاهرة التي غابت عن وسائل نقلنا في الوقت الحالي بحيث يظهر للراكب وجود أماكن فارغة للجلوس على طول الحافلة بمجرد ركوبه، إلا أنه وبعد التقرب منها يجد أجساما صغيرة تملأها لم تكد تظهر من بعيد، ويرتسم في ذهنه نهوض هؤلاء الأطفال بتنبيه من أوليائهم إلا أن لاشيء يحدث من ذاك القبيل ولا يلتفت أولياؤهم لا يمينا ولا شمالا من شدة الحرج، خاصة وأنهم على يقين أن السلوكات التي يلقنونها لأطفالهم عن عمد هي سلوكات خاطئة تزيد من اعوجاجهم بدل تربيتهم على أسس قويمة· ما لاحظناه من خلال زيارتنا لبعض محطات النقل وهو نفس ما أكده لنا المسافرون الذين حيرتهم الظاهرة التي باتت متفشية في السنوات الأخيرة والتي تعبر عن تدني الأخلاق وانتشار الأنانية وحب الذات، وهو نفس ما وضحته إحدى السيدات التي قالت إنها مؤخرا تشاجرت مع إحداهن بعد أن طلبت من ابنتها التي لا تتعدى عشر سنوات بالنهوض وترك المكان لها خاصة وأنها كانت جد متعبة بعد يوم كامل من العمل ما أشعل ثائرة تلك السيدة التي لم يعجبها الأمر وراحت تصرخ في وجهها رافضة الأمر، فما كان عليها إلا تحفيظها درسا في الأخلاق· وهو نفس ما وقفنا عليه مؤخرا بحافلة، بحيث راحت سيدتان إلى العراك بسبب مكان الجلوس واحتلاله من طرف طفل بترخيص من أمه، الأمر الذي اغضب إحدى السيدات التي طلبت منه بكل أدب ترك المكان إلا أن أمه ثارت في وجهها وأخبرتها أنها سوف تدفع ثمن المكان وأن ليس من حقها إنهاضه، فما كان عليها إلا الرد بأنها سوف تدفع ثمن تربيته تربية خاطئة أيضا فيما بعد· وأجمع الكل من أنها سلوكات خاطئة يعلمها البعض لأبنائهم تساهم بشكل واسع في اعوجاج سلوكهم وفي عدم احترامهم للكبار، فكيف يخيل للكل وقوف شخص مسن أو امرأة عجوز أو حتى شخص نراهم في حالة صراع مع مشقة المشوار، وجلوس طفل صغير بمحاذاتهم والذي لا يسبب وقوفه أو وضعه بحجر أمه أو أبيه أي إزعاج مقارنة مع الاكتظاظ والتدافع الذي يحدث في ظل وقوف الكبار·