دعوة لتقليص حضور الدراما في رمضان هل هو زمن الانفلات الفني؟ هل نحن في زمن الانفلات الفني؟ وهل هي ردّة فنية أم مجرّد (شو) إعلامي؟ برلماني مصري يطالب بتقليص دراما رمضان لأنها تلهي الشعب عن العبادة، ويهدّد في حال استمر عرض هذا الكم من الأعمال في الشهر الفضيل بالتدخل لمنعها· وجه النائب المعين في مجلس الشعب المصري ياسر القاضي، مطلع أفريل الجاري، طلب إحاطة حول دراما رمضان، مطالباً بالحدّ منها لأنها تلهي الشعب عن اهتماماته اليومية، كما قال، واستدعى وزير الإعلام أحمد أنيس لمناقشته في محتوى تلك الأعمال (التي تخرج عن آداب المجتمع وتقاليده)، من وجهة نظره· يستغرب القاضي كيف أن (هذه الأعمال تعرض في شهر رمضان ولا نرى طوال العام مثل هذا الحشد، والشاشة التي أقصدها هي شاشة التلفزيون المصري التي لنا سلطة عليها)· ويضيف: (سنتبع النصح والإرشاد، فنحن في دولة حريات ولن نجبر أحداً، لكن إذا استمر الحال هكذا في رمضان فعلينا التدخل كمجلس تشريعي، للحدّ من إفساد الذوق العام وليشعر الناس بوجود ثورة)· ضمير الأمّة يؤكدالفنان صلاح السعدني أن الفن هو الذي يبحث في تفاصيل الحق والخير والجمال، (نحن جيل نشأ في عصر النهضة والحقبة الناصرية، جيل صلاح جاهين ومحمود دياب وعلي سالم وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ... وقادرون على الحفاظ على الهوية المصرية الحقيقية بعاداتها وتقاليدها وتقديم فن حقيقي هو جزء من ضمير الأمة)· يضيف السعدني أن الفنانين يضبطون وحدهم الانفلات في الأعمال وحتى رفضها، كونهم يقدّمون رسالة عبر الدراما تعلي من شأن القيم والمفاهيم الإنسانية· يقترح المخرج محمد فاضل بدوره أن يلقّن اثنان من أساتذة الفن هذا النائب درساً في ماهية الفن والدراما وحرية التعبير، مشيراً إلى أن الشعب المصري اختار هؤلاء النواب، بالتالي عليهم أن يحافطوا على ثقته بهم، مؤكداً أن الجمهور قادر على اختيار الأعمال التي تناسبه وتحترم عقليته وعاداته من دون فرض أي وصاية عليه· يضيف فاضل أنه ليس مع الفن الهابط، إلا أنه ضد أي محاولة للتدخل في عمل المبدعين، (هذا مجالهم وهم أولى به من غيرهم)، مشيراً إلى أن (صاحب هذا الطلب يهدف إلى جذب الأضواء إليه وتحقيق (شو إعلامي) بدأنا نرصده منذ عقد جلسات مجلس الشعب، وبناء عليه لست قلقاً أو متشائماً)· يعود فاضل بالذاكرة إلى مرحلة السبعينات عندما اخترق رأس المال السعودي السوق الدرامية المصرية وحاول فرض شروطه، ومنها ألا يتضمن العمل الدرامي مشهداً فيه رجل وامرأة من دون محرم... إلا أن هذه المحاولة فشلت، ووقف الفنانون المصريون وقفة رجل واحد ضد هذا التدخل ودعمهم الجمهور، (وهو ما سيحدث إذا حاول البعض فرض شروطه علينا، وليرجع إلى التاريخ)· أزمة شخصية يرى السيناريست وليد يوسف أن مثل هذه الطلبات تدل على ضعف إرادة صاحبها، (فالقنوات الدينية والإخبارية موجودة، كذلك تلك التي تقدم الفسق وما يخالف ديننا على افتراض أن الفن هو فسق وفجور، وإذا كان صاحب هذا الطلب لا يتحكّم في نفسه ويبتعد عن هذا الفسق فتلك هي أزمته)، مضيفاً أن الشعب المصري متدين ووسطي ويرفض القيود والتشدد، كذلك يرفض الإسفاف والانحلال، (لذلك مصير هذه الفرقعات الإعلامية النسيان)· يكشف يوسف أن الكتّاب والمبدعين توقعوا هذا الأمر، فشكلوا لجنة الدفاع عن حرية الإبداع وقصدوا المجلس في أول يوم لانعقاده وقدموا رؤيتهم ضد أي قيود على الإبداع من منظور ديني، (لأن البعض يتصور أن الدين هو رفض الإبداع والفنون عموماً وهذه نظرة خاطئة وقاصرة)· يوضح أن ما يحدث مجرد زوبعة في فنجان ومحاولة لإثبات الوجود، (مهمة المجلس تشريعية ورقابية على أداء الحكومة وليس مراقبة الفنانين، والاهتمام بقضايا الوطن المصيرية وهي كثيرة، كانهيار المؤسسات، أزمة الخبز والوقود والغاز، استرداد الأموال المنهوبة وغيرها... وهي أمور أهم من مراقبة أعمال رمضان· بدوره، يرى الناقد الفني طارق الشناوي ألا جديد في الهجوم على الفن، فقد سبق أن قدم أحد النواب منذ سنوات طلب إحاطة ضد فوازير شريهان، بحجة أنها تخدش الحياء وتدعو إلى الرذيلة من خلال رقصات خليعة· يعزو تخوف بعض الفنانين إلى أن المتشددين أصبحوا أصحاب قرار، ومن الممكن أن يقيّدوا حرية الإبداع· يطالب الشناوي الفنانين والمبدعين بالتصدي لمثل هذه المحاولات الظلامية، والاستمرار في تقديم فن يخدم المجتمع وتسليط الضوء على سلبياته، مضيفاً أن الفن لا يحتاج إلى وصاية من أحد، وهو مهنة كغيره من مهن فيها الجيد والرديء، (لا يوافق مبدع حقيقي على الابتذال والتردي الفني وسيرفضه قبل أي شخص آخر، وسيلفظ ضمير المجتمع هذه الأعمال· من هنا، لا حاجة لنا إلى من يعلمنا الأخلاق أو يفرض قانوناً، وأعتقد أن مجلس الشعب نفسه وما يتضمن من متدينين (ليسوا ملائكة) لن يعلمونا الأخلاق، وقد ظهر منهم من كذب وادعى أموراً لم تحدث، سنقف أمام أي قانون يفرض قيوداً أو وصاية على الإبداع)· أسئلة مصيرية يصف الفنان المصري فتحي عبد الوهاب طلب الإحاطة بالحدث السنوي الذي يتكرر، متسائلاً: إذا كانت لديهم قدرة على السيطرة على القمر الصناعي المصري (نايل سات)، فماذا سيفعلون مع (عرب سات) أو القمر الأوروبي وغيرهما؟ (لا تدار الأمور بهذه الطريقة، خصوصاً أن لدينا أجهزة رقابية مخصصة للدراما وغيرها ولوائح رقابية تتضمن بنوداً أفهم بعضها وأتعجب من البعض الآخر)· يضيف: (أريد حلولاً لمشاكل أكثر إلحاحاً كالتلوث، فهل يستطيع هذا النائب أن يجد علاجاً لها أو أن يخرج بإحصائيات تشير إلى الأمراض التي يسببها التلوث وكم يكلف الدولة من أموال، وغيرها من مشاكل وأزمات أهم وأولى من دراما رمضان؟)·