أصبح التوتّر السمة (الدائمة) للوضع قرب الحدود الجنوبية لبلادنا بعد أن أصبحت المنطقة الشمالية لدولة مالي ساحة للاشتباكات والمعارك بين (الإخوة الأعداء) الذين يتنازعون السيطرة على الأراضي المحاذية للتراب الوطني، ممّا يهدّد أمن واستقرار منطقة الجنوب الجزائري الكبير، وهو ما سبق للجزائر وأن حذّرت منه في كثير من المناسبات, جرت اشتباكات بين مقاتلين من الحركة الوطنية لتحرير أزواد واخرين من جماعة أنصار الدين ليلة الخميس إلى الجمعة قرب كيدال شمال مالي، غير بعيد عن التراب الجزائري، كما ذكر سكان لبعض وسائل الإعلام. وهي المرّة الأولى التي تقع فيها مواجهات مباشرة بين المجموعتين في هذه المنطقة الشمالية التي تسيطر عليها منذ أكثر من شهرين الحركة الوطنية لتحرير أزواد، خصوصا جماعة أنصار الدين وحليفها المعروف باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقال موظّف في المدينة أن (مقاتلي حركة تحرير أزواد وانصار الدين توجهوا ليل الخميس والجمعة إلى محيط كيدال)، وأضاف أن (إطلاق النّار كان كثيفا بين الطرفين)، كما شوهدت سيّارات عدّة تعبر المدينة، مشيرا إلى (إطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة). وأوضح المتحدّث أن (الهدوء عاد عند الفجر)، مؤكّدا على أن (أعلام الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي كانت ترفرف في المدينة أزيلت واستؤنفت صباحا خدمة الهاتف الجوّال في المدينة بعد أن قطعت ليلا). وأكّد مدني آخر يقيم في المدينة أن (إطلاق النّار كان كثيفا وكانت جماعة أنصار الدين في شمال كيدال ومجموعة من الحركة الوطنية لتحرير أزواد في الجنوب). يذكر أن متمرّدي الطوارق والحركة الوطنية لتحرير أزواد والجماعات الإسلامية سيطروا على شمال مالي منذ شهرين عقب قيام العسكريين بانقلاب أطاح بنظام أمادو توماني توريه في 22 مارس الماضي. من جهة أخرى، أكّد الوزير المنتدب المكلّف بالشؤون المغاربية والإفريقية السيّد عبد القادر مساهل يوم الخميس بإسطنبول، في تركيا، على ضرورة تعزيز قدرات بلدان الساحل في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة. ودعا السيّد مساهل في تدخّله أمام المشاركين في أشغال المنتدى الشامل لمكافحة الإرهاب الذي انطلقت أشغاله اليوم الخميس بإسطنبول مجموعة عمل المنتدى حول الساحل إلى (بلورة أدوات ملموسة من أجل تعزيز قدرات بلدان المنطقة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة العابرة للأوطان)، كما أشار إلى (أننا على علم بأن بإمكان بلدان الساحل الاعتماد على تعاون وشراكة بنّاءة مع المجتمع الدولي). وأضاف الوزير المنتدب يقول: (إننا لمسنا تلك الإرادة بوضوح والمتمثّلة في مرافقة بلدان المنطقة خلال ندوة الجزائر التي جرت في سبتمبر 2011 حول الشراكة والأمن والتنمية في الساحل التي أرست أسس الشراكة وحدّدتها مع هيكلتها في مسعى الأمم المتّحدة لمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للأوطان والفقر). كما أكّد أن بلدان الميدان وفي أطار هذه الندوة (أجرت بشكل جماعي محادثات جدّ بنّاءة ومفيدة مع بعض شركائنا)، سيّما الولايات المتّحدة بواشنطن (نوفمبر 2011) والاتحاد الأوروبي ببروكسل (ديسمبر 2011). وفي معرض تطرّقه إلى دور مجموعة العمل حول الساحل التي تشترك في رئاستها كلّ من الجزائر وكندا، اعتبر السيّد مساهل أن إنشاءها (أظهر مدى أهمّيتها سيّما بالنّظر إلى الأحداث الجارية في تلك المنطقة وبشكل خاص الوضع السائد في مالي المتمّيز بالاضطراب السياسي وعدم الاستقرار وتراجع المكتسبات الديمقراطية وتهديد السلامة الترابية للبلد وفقدان سيطرة الدولة على جزء من ترابها ونتائجها المباشرة على زيادة نشاط المجموعات الإرهابية والجريمة المنظّمة العابرة للأوطان)، وذكّر في هذا الصدد بالجهود (المعتبرة) التي تبذلها الجزائر من أجل (تجنيد بلدان المنطقة حول إرادة سياسية مشتركة وآليات التعاون السياسي والأمني والتنموي من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للأوطان والفقر)، وتابع يقول إن (تلك الجهود المشتركة والمهيكلة حول استراتيجية إقليمية مشتركة بدأت تعطي نتائج جدّ مشجّعة أعاقتها لسوء الحظّ الأحداث الأخيرة التي جرت في مالي). وعن الهدف الأساسي من إعادة الاستقرار إلى مالي ذكّر الوزير المنتدب بموقف الجزائر المبني على ستّة إجراءات عاجلة وأولويات والمتمثّلة في (ضرورة استكمال مسار العودة إلى النّظام الدستوري مع تعزيز مؤسسات قوية وتوافقية وذات مشروعية وممارسة الدولة المالية لصلاحياتها على كامل ترابها، وكذا التكفّل بالجانب الإنساني مرورا بالمحافظة على السلامة الترابية وسيادة مالي وإيجاد حلّ سياسي من خلال الحوار بين الحكومة ومتمرّدي الشمال يأخذ بعين الاعتبار المطالب المشروعة لسكانها، فضلا عن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة).